جنوب دارفور … نذر مواجهات عربية -عربية

- تداعيات الأحداث بجنوب دارفور ستدفع بعض القبائل ل (خلع الكمدول)
- حادثة تهريب (عصام فضيل) من سجن (دقريس) لها ما بعدها داخل المليشيا المتمردة
- عمليات النهب الممنهج واختطاف التجار يستهدف إثنيات معينة وتستخدمفيها تقنية خرائط(Google)
تقرير – دكتور إبراهيم حسن ذو النون:
تصاعدت الأحداث خلال الأسبوعين الماضيين التوترات في حاضرة ولاية جنوب دارفور مما أدى إلى انتشار حالة من الذعر بين مواطني المدينة وضواحيها.
وتقول عدة تقارير أمنية متطابقة أن تلك التوترات تعزى الى عامل أساسي وهو عدم قدرة مليشيا آل دقلو المتمردة على بسط هيبة السلطة في المناطق التي تسيطر عليها ذلك لضعف الإدارات المدنية التي شكلتها المليشيا فيها.
ووصف مصدر تحدث ل(أصداء سودانية) أن رئيس الإدارة المدنية بولاية جنوب دارفور يوسف إدريس يوسف يفتقد لكل مقومات الشخصية القيادية (الكاريزيما) كما أن معظم قرارات الإدارة المدنية التي يصدرها لايبارح صداها الغرفة أو القاعة التي أذاعها فيها والتي يصاحبها هتاف (الله أكبر ) و(جاهزية سرعة حسم) حيث كان أحد أشهر تلك القرارات أمر طوارئ رقم (3) الخاص بإعلان التعبئة العامة والاستنفار لجميع شرائح ومكونات المجتمع.
تسلسل الأحداث :
وتورد (أصداء سودانية) تسلسلا مختصرا للأحداث التي شهدتها حاضرة ولاية جنوب دارفور (نيالا) وهي:
-حادثة سجن (دقريس ) وإطلاق سراح اللواء عصام صالح فضيل المتحفظ عليه بأوامر عليا من الفريق المتمرد عبدالرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع المتمردة.
-حادثة اختطاف التاجر ماجد الزاكي من منزله بحي النهضة غرب مدينة نيالا وبجوار سوق موقف الجنينة حيث تم اختطافه بواسطة أربعة أشخاص مسلحين معهم عربة بوكس هايلوكس موديل حديث.
-حادثة اشتباكات داخل سجن كوبر بنيالا حي (كوريا- كرري) حيث فر عدد من السجناء وتمكن أحد طرفي الاشتباكات من إطلاق سراح متحفظ عليهم بالسجن بواسطة المليشيا يعتقد انهم على علاقة اثنية أو مناطقية بالجناة المعتدين على حراس السجن.
-العثور على جثتين لضابطين ينتميان للمليشيا المتمردة (الدعم السريع)بسوق حي الجبل والذي تم إغلاقه بواسطة المليشيا لأكثر من ثلاثة أيام وتسبب في وقف حركة المواصلات بين نيالا والضعين حاضرة ولاية شرق دارفور وتعتقد بعض المصادر ان الضابطين اللذين وجدت جثتهما من قبيلة الرريقات وان أصابع الاتهام أشارت إلى ضباط صف ارتكاز سوق حي الجبل وهم من قبيلة البني هلبة.
-حادثة اختطاف دكتور مهاجر يحي ابراهيم اخصائي الأطفال من عيادته بنيالا وهو من قبيلة التعايشة حسب ما أفادت بذلك مصادر خاصة.
-حادثة اختطاف التاجر محمد الفاضل من متجره بالسوق الكبير واقتياده لجهة غير معلومة.
-حادثة فرض طوق أمني مشدد على محيط مطار نيالا الدولي (مناطق اردمتا) وقرى شرق المطار على إثر محاولة طائرة اماراتية الهبوط بالمطار ولكن سرعان ما واصلت الطائرة طيرانها بعد تعرضها لوابل نيران كثيفة من مدفعية مضادة للطائرات.
وتشير معلومات حصلت عليها (أصداء سودانية) ان عمليات السلب والنهب الممنهج واختطاف التجار والرموز المجتمعية تستخدم فيها تقنية Google كما ان معظمها ياخذ الطابع الإثني وذلك لجهة استهداف اثنيات أو شخصيات مجتمعية معينة تتواتر عنها معلومات بأنها غير متعاونة مع المليشيا المتمردة أو لمجرد الشك في تعاونها مع القوات المسلحة.
وأضافت المصادر ان هذه الاحداث تعطي إشارات قوية ان حالة من الانزلاق نحو الفوضى داخل المليشيا ربما أعادت انتاج الصراعات التاريخية الداخلية بين مكونات ولاية جنوب دارفور القبلية مجموعة (هبت)والتي تضم قبائل الهبانية والبني هلبة والتعايشة ومجموعة (ستقف) والتي ثضم قبائل السلامات والترجمة والقمر والفلاتا من جهة وكل هذه القبائل مع قبيلة الرزيقات التي تتخذها البقارة مقرا لها كمدن الضعين وابوجابرة والفردوس وعسلاية وبحر العرب بولاية شرق دارفور وبعض أجزاء من مدينة زالنجي بولاية وسط دارفور والرزيقات الأبالة الذين يتخذون من بوادي مدن كتم وكبكابية ومليط وسرف عمرة مقرا لهم بولاية شمال دارفور.
أبعاد تاريخية للصراع:
ان ما يحدث من صراعات وتوترات في ولاية جنوب دارفور لابد من قراءته بشكل صحيح وفي سياق صراعات عربية عربية خلال السنوات العشرين الماضية حيث كشفت دراسة متعمقة للمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية بجنيف بسويسرا صدرت في أكتوبر 2010م ضمن مشروع مسح الأسلحة الصغيرة واسمها (الحرب الأخرى، الصراع العربي العربي الداخلي في دارفور ) للكاتبة جولي فلينت المتخصصة في هذا النوع من الدراسات حيث تعمل باحثة صحفية متخصصة في الشأن السوداني الدارفوري وتقول الكاتبة
في الدراسة التي تقع في عدد 47 صفحة ان مجموعة القبائل العربية في جنوب دارفور لها مشاكل وصراعات دموية مع قبيلة الرزيقات وقد قدمت في الدراسة رصدا تاريخيا وزمنيا لها مفصلا بالوقائع والمشاهد الدامية من قتل وحرق وسلب وذلك تحت مسمى (ائتلاف ضد الرزيقات/عدو واحد)و(الأرض موجودة ولكنها فارغة) و(حرب المسيرية الرزيقات ) غير متكافئة.
إطلاق سراح اللواء عصام:
حادثة إطلاق سراح اللواء عصام الدين صالح فضيل من سجن (دقريس) بمدينة نيالا لاتخرج من سياق الصراع العربي العربي لقبائل دارفور بل الصراع بين بطون وافخاذ قبيلة الرزيقات نفسها والتي يعتبرها عدد من المحللين انها تمثل الحاضنة الرئيسة للمتمردين وتعود تفاصيل اعتقال اللواء عصام الدين فضيل إلى أنه في وقت سابق وجه الفريق المتمرد قائد ثاني الدعم السريع باعتقاله وتحت إشراف العميد المتمرد أبشر جبريل بلايل وذلك على خلفية تسريبات أشارت إلى تواصله مع بعض قيادات الجيش ومع بعض أبناء دفعته بالكلية الحربية.
واللواء عصام الدين صالح فضيل هو شقيق البرفسير سليمان صالح فضيل استشاري الطب الباطني وصاحب أكبر وأشهر الاستثمارات الطبية الخاصة بالسودان (مستشفي فضيل التخصصي) الذي يقع قبالة مستشفي الخرطوم التعليمي شرق شارع القصر وغرب شارع ألمك نمر وجنوب شارع القصر وينتمي اللواء عصام الدين فضيل للدفعة 26كلية حربية عمل في الكثير من وحدات القوات المسلحة وقد تم فصله إبان أحداث ام درمان التي قادتها حركة العدل والمساواة في 10اغسطس 2008م وقد تمت إعادته للخدمة وبعد تكوين الدعم السريع حيث عمل بدارفور في الفترة من 2017م إلى 2020م وكان مقربا من المتمرد محمد حمدان دقلو حيث عهد إليه تمثيله في العديد من المصالحات وكلفه بلجنة المصالحات وإزالة المظاهر السالبة وبعد اندلاع الحرب رفض إنهاء انتدابه لقوات الدعم السريع واستمر في قوات الدعم السريع والتي كان يعتبر القائد الثالث فيها بعد دقلو أخوان .
عموما يرى بعض المراقبين ان حادثة إطلاق سراح عصام الدين فضيل سيكون لها ما بعدها على صعيد الصراع داخل بطون وافخاذ قبيلة الرزيقات مع مجموعة آل دقلو.
وفي تقدير جهات أمنية وثيقة الصلة بملف الصراع العربي العربي بدارفور أن رمالا كثيفة ستتحرك في هذا الملف وربما تدفع بعض القبائل العربية لخلع (الكدمول)في إشارة إلى إنهاء علاقتها بمليشيا آل دقلو المتمردة واستنادا إلى حيثيات أخرى تكشفت من خلال مشاركتها في الحرب الماثلة حيث لاحظت مجموعات قبائل (هبت وستقف) حالة التمييز الواضح لقبيلة الرزيقات وبشكل أخص لخشوم بيوت بعض الرزيقات والتي أقرب صلة بآل دقلو فهل ياترى وعت (هبت وستقف)الدرس وهل وعت مجموعة القبائل العربية في دارفور وكردفان الدرس وأجد نفسي متفقا تماما مع الأستاذ الصادق الرزيقي نقيب الصحفيين السودانيين والمحلل السياسي في حديثه الذي أدلى به مؤخرا حيث قال (هذه الحرب شوهت صورة القبائل العربية وشوهت صورة كثير من الناس في غرب السودان لأنك لاتستطيع أن تدافع عن مشاهد من هذا النوع خاصة النهب والسلب والاغتصاب والقتل ولا تستطيع أن تدافع عن هؤلاء الناس الذين جمعوا المرتزقة من كل الدول الأفريقية وجاءوا بهم الى السودان وأغلبهم ينتمون لهذا الامتداد الاجتماعي في تشاد والنيجر وجنوب ليبيا وهذا يتطلب من هذه القبائل ان تصلح العلاقات والروابط والاواصر القديمة لكي تستعيد صورتها القديمة أو جزءا من ثقة الآخرين فيها لأن المعركة لم تستهدف الجيش فحسب بل استهدفت الشعب السوداني كله.