السودان ذلك العملاق 2

 

الدكتور احمد شنب

الباحث القانوني والاكاديمي

*

 

قلت في المقال السابق ان هناك عوامل كثيرة تدخلت في الصراع السوداني الذي يدور بين القوات المسلحة يسندها شعب ومليشيا متمردة تسندها قوة عظمة واخرى تستخدم لتنفيذ مخططات تلك القوى بكل احترافية ودقة ، فهنالك شواهد تدل على ان هجوم القيادة العامة كان مرتب له من قبل المليشيا وعناصرها الداعمة سواء على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي ، وقد اتفق الجميع على ساعة صفر محددة خاصة بعد ان إطمئنت تلك المحاور على التجهيزات والترتيبات الكبيرة لإكتساح العاصمة واستلام الحكم بقوة .

ففي الساعات الاولى لبداية الهجوم على مقر رئاسة الدولة وبيت الضيافة اصدرت معظم الدول توجيهات لسفاراتها ومواطنيها بمغادرة الخرطوم الا السفير الأمريكي ظل مرابطاً ظناً منه ان المعركة ستنتهي مثل ما تم التخطيط لها مع بقية الاطراف هذا على المستوى الدولي اما على المستوى الاقليمي فخروج السفير الاماراتي ودخوله اثناء الحرب واثناء سير المعارك يؤكد مدى التعامل وجدية هذه الدولة مع هذه المليشيا والتبشير بإنتصاراتها على القوات المسلحة واستلام السلطة ، وخلق ارضية لها للخارج حتى يتم الاعتراف بها ، اما على الصعيد الداخلي ، ف هناك القوى السياسبة المتمثلة في قحت بكل اشكالها فقد بدأت تطلق في الحديث المتناقض ان القوات المسلحة هي التي بدأت بالحرب وان هذه الحرب هي حرب بين قوات مليشيا الدعم السريع وبين فلول المؤتمر الوطني وليست القوات المسلحة السودانية وبدأت تروج بهذا الحديث و لتسوق له من خلال المنابر الاعلامية ، وعلى مستوى الادارة الاهلية في السودان ان نأخد ما قاله ناظر قبيلة “الترجم” ( بفتح التاء وتسكين الراء ) محمد يعقوب قال : ( اننا اليوم سنسقط القيادة العامة ونستلم القصر ونذيع البيان بإعلان دولة العطاوة الكبرى ) ثم تلاه ناظر عموم الفلاتة بتلس المقدم شرطة محمد الفاتح احمد السماني حيث قال فى اجتماع بمنزله لجمع من اهله ( انتظرونا بعد ساعة سنقبض على البرهان وكباشي والعطا وسنذيع البيان ) .

ومن الشواهد كذلك حدثني احد اساتذة جامعة نيالا بكلية الاقتصاد حينما سألته عن مكان تواجده اثناء هذه الحرب التي اشعلتها قوات الدعم السريع اجابني هذا الدكتور اجابة تفاجئت بها وكانت صادمة بالنسبة لي حيث قال 🙁 يا دكتور نحن الان قد انتهينا من صياغة البيان وسلمناه للقائد وهو في القصر ليقوم بإذاعته ) فأيقنت انني اتحدث الى دكتور متمرد وبكل اسف هو من شارك بإشعال هذه الفتنة وهو يفترض فيه الحكمة والاعتدال ؟؟؟

هذه الشواهد تدل على ان الدعم السريع هو اول من الذي اطلق الرصاصة الاولى للحرب بشهادة هؤلاء المنتمين اليه .

فبدأت المعركة بكل ضراوة وشراسة وفي الاثناء فقدت فيها القوات المسحلة نفراً عزيز من ابناءها في قصر الضيافة لكنها استطاعت ان تبيد القوة المهاجمة وتعيدها القهقري ، في هذه المعركة استخدمت القوات المسلحة تكتيكات حرب المدن حينما تكشفت لها ان المليشيا المهاجمة قد تمركزت في المدن بشكل كبير وبالتالي يجب تغيير خطة الحرب الى حرب مدن وعصابات هي تبدأ بإمتصاص الصدمة الاولى وبالفعل استطاعت القوات المسلحة بحكمة قيادتها وحنكتهم بإمتصاص الصدمة الاولى بإمتياز خلال ساعات محدودة من بداية المعركة واستعادت التوزان النفسي لأفرادها المدافعة في المواقع المختلفة ، ثم بدأت في المرحلة الثانية بإرباك العدو وذلك من خلال ضرب مواقعم المختلفة في زمن واحد ثم بعد ذلك في المرحلة الثالثة بدأت بضرب القوة الصلبة لهذا العدو وبدأت في انهاك العدو وسحبه الى مواقع قتال اخرى .

في هذه الاثناء ظهرت بعض الاصوات التي تنادي لضرورة حسم المعركة خلال ثلاثة ايام او اسبوع على الاقل ولكن للقيادة تفكير آخر حيث انها ادركت ان مثل هذه المعارك هي معارك مدن ويجب حسمها بأقل خسائر مادية وبشرية مهما كلف الامر فتعاملت في الحرب بطريقة احترافية حيرت العالم حيث قللت من خسائر القوات المسلحة البشرية واحدثت خسائر كبيرة جداً في صفوف المليشيا وخاصة حول القيادة والمدرعات وسلاح الاشارة

فقيادة القوات المسلحة تعلم تماماً ان التسرع في حرب المدن يفقدها كثيراً ويحدث خسائر بشرية والأعيان المدنية فبدأت في التعامل في هذا الصنف من الحروب بعقلية القائد الحكيم الذي لا يريد هلاكاً لجيوشه بل يريد حسم المعركة بأقل خسائر وقد كان ذلك .

اما الشارع السوداني قد بات يغلي ومنهم من خرج دون استئذان وحمل السلاح والتحم بالقوات المسلحة دفاعاً عن الارض حينما احسوا ان هذه المعركة بين قوات وطنيه وقوة متمردة تدعمها قوة خارجية تدفع بعناصر عن طريق الارتزاق من عدة دول تحيط بالسودان وكان الهدف هو القضاء على الشعب السوداني ونسف الدولة السودانية بأكملها ولكن ثبات القيادة العامة وقادة القوات المسلحة بما فيهم رئيس مجلس السيادة ونائبه ومساعديه وهيئة الاركان وجهاز المخابرات الوطني استطاعوا ان يصمدوا امام كل هذه الضربات العاتيه من قبل الدول العظمى التي تنفذ وتدعم هذا المخطط وخاصة دولة الامارات العربية التي تدفع بسخاء دون خجل وتسخر كل امكاناتها المادية والسياسية العسكرية لمليشيا آل دقلو الارهابية التي تأتي بالمرتزقة من اقاصي افريقيا ( تشاد، افريقيا الوسطى ، ليبيا ، جنوب السودان ، اثيوبيا ) وبعض الدول الكبرى اضافة الى دولة الامارات .

نحن امام وطن عملاق وقادة افذاذ سجلهم التاريخ ونستمر في حكاية المعركة …