موسم العودة إلى جنوب الوادي
- من رأى ليس كمن سمع
- مشاهدات وانطباعات رحلة قطار العودة
عبدالعظيم صالح:
*من رأى ليس كمن سمع..أنا الآن في محطة رمسيس في قطار العودة المتجهه بعد قليل من القاهرة إلي أسوان..لا أعرف رقم الرحلة ولكننا في الكشف رقم (٣) كما أخبرتني الزميلة اميمه عبد الله مدير البرنامج..فاتتني من قبل فرصة مرافقة واستقبال القطار في أسوان مع زملاء صحفيين وعندما قررت العودة للسودان اتصلت باميمه طالبا منها تسجيلنا وفضلت البر علي الجو وبوابة الخروج بمنفذ اشكيت علي مطار القاهرة الدولي وهي فرصة للصحفي للوقوف علي التجربة علي الطبيعة فمن رأي ليس كمن سمع.
*وما رأيته يستحق التوثيق والرصد وهذا ما سأفعله في هذه المساحة ساردا تفاصيل رحلتنا بكل انطباعاتها وتفاصيلها المثيرة وربما الانطباع الأول تشعر من اول وهلة بوجود تنظيم دقيق ومرتب رغم ألاعداد الكبيرة للمسجلين والذين يزيد عددهم على الألف راكب في الرحلة الواحدة..أيضا هناك تناغم واضح وتنسيق دقيق بين السلطات المصرية بكل مستوياتها ومنظومة الصناعات الدفاعية التي سيسجل لها التاريخ بقيادة الفريق أول ميرغني إدريس هذه المبادرة الوطنية والإنسانية التي خففت علي المواطن السوداني الذي خرج قسريا من حرب وانتهاكات الجنجويد وفر شمالا لمصر الشقيقة طلبا للأمن والأمان فوجده ولم يخب ظنه في مصر حكومة وشعبا ممثلا في الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي جعل إقامة السودانيين سهلة وممكنة وبالتالي الرجوع للأماكن والولايات الآمنة بعد عودة الخرطوم والجزيرة وسنار لحضن الدولة السودانيه أمرا لا مفر له بعد التحسن النسبي والمتزايد لمقومات الحياة هناك.
*وقفنا في صفوف منظمة حسب الكشوفات واستلم المسافرون تذاكرهم بعد التدقيق ومعها كيس يشبه كيس الصائم يحوي زوادة السفر مهداة من المنظومة ومزيلا بعبارة (شكرا مصر)..وبعدها بدأت إجراءات شحن العفش في عربات خاصه وإشراف دقيق يقوم علي رأسه ضباطا برتب عالية من الشرطة المصرية في إشارة واضحة بوجود إهتمام على أعلى المستويات بالعملية. 
*في تمام الحادية عشرة ظهرا(إرتج) القطار- والاقتباس هنا من رائعة محمد المكي إبراهيم(قطار الغرب)-وأطلق صافرته منطلقا ومودعا للقاهرة في طريقه للجنوب نحو أسوان ..اخذ الركاب مقاعدهم وانطلقت النظرات مودعة قاهرة المعز ومعها ذكريات لا تنسي في ربوعها ولياليها واسواقها والمقاهي وفضاءات الفيصل وأرض اللواء والتجمع والعتبة والمترو وحكايات سودانيه مصرية في الضيافة والآخاء والمحبة وكلها دالات ترسم مستقبلا واعدا بين بلديين وشعبين شقيقين في أيام قادمة..القطار ينطلق بسرعة شديدة يحمل فيه جوفه وجوه سمراء أرهقتها آلام الحرب وما تركته من جروح وندوب تبدو ظاهره في الملامح..قصص وحكايات تروي والجاني واحد.. نعم هؤلاء ربما الأوفر حظا من ساقه القدر للغدر بكافة أنواعه من قتل وأسر أو إعتداء آثم. كعادة الناس في بلادي يبدأ التعارف سريعا ثم الاندماج في رفقة السفر. ليت لي شئ من ملكة ود المكي الشعرية ماذا لو كان معنا هنا وكتب علي منوال (أمتي )والخلاسية وبعض الرحيق والبرتقالة انت وأحال هذه الآهات الي نصوص شعرية تسرد وتترجم فظائع حرب لم تخطر علي خيال بشر.
*يمضي القطار ويتخطي مدن وقري صعيد مصر. مدن تنهض وتقوم وريف مصر يتمدد خضرة وازدهار..زرع وضرع وبنيات تحتية وترع طويلة وممتدة بمحازاة الشريط الحديدي. تمضي الساعات ونحن جلوس ووقوف وحركة بين الممرات التي طالها الازدحام بالحقائب والشنط والتي هي عنوان بداية جديدة ومشوار لإعادة وتعمير البيوت الخالية والمنهوبة هناك.
*الآن الواحده صباحا يوم الخميس ..القطار يتوقف عند محطته الأخيرة السد العالي..أحد المشرفين من شباب المنظومة يتحدث قائلا (حمد الله علي السلامه..لما ننزل اعملوا حسابكم الرصيف عالي..اي زول يتأكد عفشه وصل ..بعدها الإتجاه نحو البصات ..بعدها نزلنا ..تاكدنا من العفش والذي تم شحنه في (دفارات) إضافية مرافقة للبصات والتي انطلقت بعد ساعتين من انتظار آخر راكب إطمأن علي وصول شنطه معاه. الفجر يتسلل بين ثنايا العتمة والبصات تتهادي في طريق مسفلت وسريع وحديث ..يبدو الطريق شبه خالي ..بعد ساعتين كنا هناك في المعدية التي ستنقلنا للضفة الأخري من بحيرة السد ومنها للمعبر..وصلنا عند السادسة صباحا وكان علينا الانتظار قرابة الساعه إلى حين بدء العمل..المكان هادي..توجد بعض الشاحنات في انتظار الدور..اكتمل وصول البصات. تتوزع بعض المرافق الحكومية ..وثمة بصات تروح وتجئ تحمل السواح..المنطقة ذات جذب سياحي فهنا الآثار والبحيرة..يوجد مقهي ..واستراحه وحمامات وثمة زحام حولها من النساء والأطفال. صلينا الصبح..ثم جلسنا لتناول الشاي والقهوة..والبعض زاد عليها بشيشه. المكان يغري بالمكوث أياما.. فكرت في العودة ذات يوم كسائح..عبرت بعض البصات..وعندما جاء دورنا في البص رقم(١٥) طلب منا الانتظار. فالعدد اكتمل..فانتظرنا زهاء الساعتين وهو الزمن الذي تستغرقه رحلة العباره جيئة وذهابا،عدنا أدراجنا للمقهي،وجلسنا نقطع الوقت في الثرثرة،،وصلت العبارة وعبرنا هذه المره ..البحيرة عالم من الجمال ..التقطنا صورا تذكارية . ثم خرجنا في طريقنا للمعبر المصري. هناك توقف البص ..دقائق ونلقي نظرة الوداع مودعين أرض مصر الرحبة..استلم الجندي المصري قائمة الركاب. وودعنا بابتسامة عريضة. توقف البص المصري في المنطقة المحايدة التي تفصل بين المعبرين المصري والسوداني. لاحت لنا البوابة السودانيه وعلم السودان يرفرف. صعد جندي سوداني وبعد كلمات الترحيب طلب منا إبراز اوراقنا الثبوتية..ثم دخلنا أرض السودان..وجدنا عفشنا وأمامنا البصات السودانيه..وتوزع الناس كل ووجهته. عطبرة. .دنقلا.. الخرطوم..تحركنا عند الأصيل. ووصلنا عبري عند الثامنه مساء الخميس توقف البص للمبيت بحجة حظر
التجول..المكان مطعم كبير يقدم الوجبات للمسافرين..اشترينا ماركة للفول واخرى للسرير(على عدس) أجرة السرير جنيهين وكذلك طلب الفول. توزع الركاب في جنبات المكان..وعند الثالثة صباحا تحركنا ..مضت الرحلة بذات السلاسة بيد انها تتوقف كثيرا بين الارتكازات الكثيرة والمنتشرة علي طول طريق شريان الشمال..وصلنا الميناء البري عطبره عند الثالثة عصر الجمعه وقد بلغ منا التعب مبلغه في رحلة بدأت عند ظهيرة الأربعاء من محطة رمسيس في القاهرة لتنتهي ظهيرة الجمعه في الميناء البري..هي رحلة تغطت بالتعب ولكنها ستبقي في الذاكرة طويلا
*شكرا مصر..شكرا الصناعات الدفاعية..شكرا لسائقي القطارات والبصات والعبارة وللسلطات في البلدين ولكل من جعل عودة السودانيين من مصر سهلة وميسورة.