الأجنبي في السودان.. فوضى وحكايات (1 ــ 2)

 
 
  • أكثر من (6) ملايين أجنبي بالسودان قبل الحرب
  • 70 % من اللاجئين بالبلاد من دولة جنوب السودان
  • عصابات أجنبية تبتر أطراف الأطفال وتستخدمهم في التسول
 
 
تحقيق- التاج عثمان:
ظل السودان يعاني من فوضى عارمة من الوجود الأجنبي سواء بالعاصمة الخرطوم او بقية المدن الكبرى الأخرى منذ سنوات طويلة ما أفرز كثير من السلبيات على كل مناحي الحياة في السودان الاقتصادية والإجتماعية والصحية والأمنية والديموغرافيه.. الجوازات والجنسيات السودانية أصبحت في متناول الاجانب فقط عليك ان تدفع الثمن! .. والمصيبة الكبرى مشاركة المئات منهم في الحرب ضمن صفوف مليشيا الدعم السريع.. (أصداء سودانية) تقتح ملف فوضى الوجود الأجنبي عبر هذا التحقيق الإستقصائي
سيولة امنية:
6 ملايين و244 ألف أجنبي بمن فيهم اللاجئون يقيمون بالسودان قبل الحرب، يمثل لاجئو جنوب السودان 70% من العدد الإجمالي للاجئين بمختلف جنسياتهم.. إلا ان بعض المراقبين يرون ان الرقم السابق متواضع للغاية ويقدرون عدد الأجانب في السودان قبل الحرب بنحو 11 مليون اجنبي، معظمهم من دول القرن الأفريقي تسللوا للبلاد بطرق غير شرعية عبر الحدود الشرقية والغربية.. ويلاحظ انهم يتركزون بصورة أساسية بولاية الخرطوم خاصة العاصمة الخرطوم حيث بلغ عددهم بالعاصمة فقط، قبل الحرب طبعا، بنحو 4 ملايين و683 الفا، منهم حوالي مليون و138 الف فقط يقيمون بصورة شرعية، مقابل 3 ملايين و683 غير شرعيين.
اللاجئون الذين كانو يقيمون بالخرطوم بطرق غير شرعية خليط من البشر: متسولون ومتسولات، نشالين ونشالات، محتالين ومحتالات، دجالين ومشعوذين، أطفال مشردين يسكنون مجاري وأنفاق الامطار.. لصوص منازل.. لصوص متاجر.. عصابات متخصصة في خطف الموبايلات خاصة من فتيات الجامعات.. قطاع طرق من نوع تسعة طويلة حاملو السواطير.. سارقو سيارات ومواتر.. مزورون.. باعة رصيف يتاجرون في المساويك والمناديل والعروق والاحجبة والبخرات والطقوس الشيطانية.. بائعات شاي.. بائعات هوى.. صناع وباعة خمور بلدية ومستوردة: (عرقي ــ جن ــ ويسكي ــ انشا).. مروجو مخدرات يعملون مع شبكات عصابات المخدرات بانواعها المختلفة: (بنقو ــ قات ــ شاشبندي ــ هيروين ــ كوكايين ــ آيس).. خليط من الإجرام والمجرمين كانوا يسرحون ويمرحون في العاصمة ومدن البلاد الأخرى في حرية مطلقة لا يجدون من يردعهم ويوقفهم عند حدهم حماية للمجتمع من خطرهم، اللهم إلا عند زيارة رئيس دولة للسودان او في المناسبات الوطنية حيث تشن بعض الكشات عليهم لكنها تتوقف سريعا.
ادفع وادخل:
بعد وقوفنا على أرقام الوجود الأجنبي غير الشرعي في البلاد قبل الحرب، يتبادر إلى أذنها البعض سؤال محوري هام: كيف نجح كل هذا العدد الكبير التسلل للبلاد من دولهم المختلفة؟.. الإجابة ببساطة متناهية كما ذكر لي خبير أمني تتمثل في (السيولة الأمنية) سواء على الحدود او داخل المدن وإطلاق العنان لهم يفعلون ما يشاؤون.. او بواسطة المقولة التي إشتهرت آنذاك: “أدفع وادخل”، أي بصريح العبارة (الرشوة).. بائعة شاي أثيوبية جلست معها عدة مرات بحجة تناول فنجان قهوة فإستدرجتها في الحديث وبعد ان إطمأنت لشخصي لكوني اصبحت زبونا دائما لها دار بيني وبينها هذا الحوار السريع مشترطة عدم ذكر إسمها او تصويرها:
*سالتها.. كيف ومتى دخلت السودان؟..
ــ تفاجأت من السؤال لكنها اجابت: لي 3 سنوات في السودان منها سنة قضيتها في مدينة القضارف.. وبالطبع دخلت عبر التهريب من الحدود الشرقية جهة المتمة الاثيوبية.
*هل تمت عملية التهريب عبر شبكة ام افراد؟.
ــ بواسطة شبكة مهربين من اثيوبيا والسودان شحنونا في دفار كالأغنام وسلكوا بنا طرقا نائية غير مطروقة وبعضها وسط الجبال وعانينا كثيرا في الطريق لا ماء ولا طعام وبعض الاثيوبيات كان معهن اطفالهن الصغار ومنهم من لقى حتفه من الجوع والعطش والإرهاق وتم دفنهم وسط الجبال.
*ما هي المحطة الأولى التي وصلتم إليها في السودان؟.
ــ مدينة القضارف، وهناك حجزنا المهرب داخل منزل مهجور لعدة أيام، بعدها طلب من اللاتي يرغبن البقاء في القضارف المغادرة فتوجهن لبعض معارفهم من الاثيوبيين، ومن كانت وجهتها الخرطوم فهذه مرحلة أخرى لها ثمنها المنفصل ومن لا تدفع للمهربين تبقى في القضارف لحين تدبير رحلة تهريبها للخرطوم، وكانوا يأخذون من الواحدة 500 دولار، وجلبوا دفار آخر حملنا للخرطوم.
*كم كان عددكن منذ مغادرة اثيوبيا؟.
ـ اكثر من مائة بجانب عشرات الأطفال وعدد قليل من الرجال.
*وكيف وصلتم للعاصمة السودانية الخرطوم؟.
ــ كنا نمر ببعض التفاتيش على طريق القضارف ـ الخرطوم وكانوا يوقفوننا ويقومون بتفتيشنا تفتيشا دقيقا، ولكن في النهاية يسمحون لنا بمواصلة الرحلة للخرطوم.
*الم يطلبوا منكم الأوراق الثبوتية وتأشيرات الدخول للسودان؟.
ــ يا أستاذ، أوراق ثبوتية وتأشيرات شنو، أقول لك إننا دخلنا الأراضي السودانية عبر التهريب وليس لدينا أي هويات دخول سوى ملامحنا الاثيوبية!.
عاملات مترفات:
هناك نماذج من الفتيات الاثيوبيات اللاتي يتميزن بجمال آخاذ وهن غالبا يعملن في منازل الأسر الثرية، ومن تتكلم الإنجليزية تلتحق بالعمل بمنازل الدبلوماسيين الأجانب ويقبضن أجورهن كل شهر بالدولار.. هذا الصنف من الفتيات الأجنبيات عملن ما عملن في نشر الدعارة وتلويث أخلاقيات بعض شبابنا، يخرجن عادة في عطلتهن الإسبوعية حيث يكون لديهن عمل إضافي (ليلي) ينتظرهن، وهن يرتدين ملابس خليعة مغرية يتجولن بشارع النيل ووسط أحياء العاصمة الخرطوم الراقية لإصطياد بعض الشباب السوداني الطائش لقضاء سهرة حمراء معهم والدفع بالدولار.. اما العاملات من الدرجة الثانية الأقل حظا في الجمال فيعملن في بيع القهوة والشاي او عاملات بالمنازل بأحياء العاصمة الشعبية ويقبضن أجرهن الشهري بالجنيه السوداني ويقمن بتحويله في السوق السوداء لدولارات ويرسلونها لأهلهن بأثيوبيا.. إحداهن كشفت لي أنها من دخل عملها بمنازل الاسر السودانية لمدة 3 سنوات إشترت منزلا ومتجرا بقريتها باثيوبيا ومن ثم غادرت السودان لقريتها.. مشيرة انها لم تكن تنفق من دخلها سوى القليل حيث كانت تنام وتأكل داخل منزل مخدمها وإذا مرضت يعالجها صاحب المنزل الذي تعمل به.
وهناك فئة أخرى عندما تدخل السودان والخرطوم على وجه الخصوص تستعجل جمع المال وتسلك لذلك طريق الحرام حيث تصبح فتاة ليل محترفة.. قالت لي واحدة منهن:”لم أجد عملا في الخرطوم بينما أسرتي تنتظرني في اثيوبيا لا حول لها المال فوالدي متوفى ولا أخ لي ولذلك أصبحت مسئولة من إعاشة شقيقاتي الأربع الصغار، ولذلك سلكت هذا الطريق والذي اعرف انه حرام حيث انني مسلمة.
مستعمرة المتسولين:
ناشط في العمل الاجتماعي وموظف حكومي بوزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية بالخرطوم أوضح لي ان المتسولين والمتسولات بشوارع العاصمة ليسو من السودان بل من بعض الدول الافريقية، خاصة تشاد ونيجيريا دخلوا السودان عبر عصابات التسول الأفريقية ومنهم أطفال، والأمر الذي لا يعرفه الكثيرون ان العصابات تلجأ لاساليب غير إنسانية لإستدرار عطف السودانيين لدرجة انها تقوم ببتر الأطراف أرجل او ايادي الذين يرغبون التوجه للسودان من اجل التسول.. هذه العصابات الإجرامية تعلم جيدا طيبة السودانيين وعطفهم وإحسانهم على الفقراء والمساكين ولذلك تستغل طيبتهم أكثر ببتر اطراف الأطفال والنساء ثم ترسل بهم لسوق التسول (الكبير) بالخرطوم والمدن الأخرى، ونهاية دوام التسول اليومي يقومون بتوريد العائد لزعيم او زعيمة عصابة التسول مقابل توفير الإقامة ووجبة ليلية للمتسولين، (بوش)، وحفنة من الجنيهات السودانية.. كمثال هناك امرأه أجنبية تجمع صغار الأطفال المشردين الشماسة وتسكنهم بمنزل مهجور بأحد احياء شرق النيل وكل صباح تجلبهم بعربة امجاد لتوزعهم امام التقاطعات المرورية بشارع الستين وعند المغيب تعود بهم للسكن مقابل وجبة بوش ونسبة قليلة من عائد التسول وتحظى هي بالكثير.
وهناك فئة من النساء الأجنبيات يقمن بتأجير اطفالهن للفتيات للتسول بهم إستدرارا لعطف المارة وغالبا يكون الطفل رضيع تقف به تحت شمس الخرطوم الحارقة في الصيف وحتى تتفادى بكاء الطفل تقوم بسقيه جرعة دواء منوم فيظل في سبات عميق طيلة النهار، ونهاية اليوم تعود به لوالدته جائعا مرهقا.. هذه الشريحة من الفتيات اللاتي يتسولن بالأطفال الرضع يتواجدن عادة امام إشارات المرور، واذكر ذات يوم اوقفت السيارة على إشارة الطريق المؤدي لنفق الفتيحاب فاطلت فتاة برأسها من النافذة وطلبت الإحسان وقصدت تظهر الطفل النائم او المخدر حتى أشاهده، لكنني فأجاتها بالسؤال: هل دة ولدك؟..اجابت بسرعة: (ومال ولدك إنت).. ثم إنسحبت بسرعة من السيارة وظلت ترمقني بنظرة إستنكار وغيظ لعلمها أنني أعرف سر الطفل الذي تتسول به.