الضحايا
صمت الكلام _ فائزة إدريس
*إنزوى خالد في ركن قصي من فناء المنزل وهو ينتحب باكيا ، لم تجدي توسلات أمه في أن يكف عن البكاء ويعود إلى غرفته إلابعد جهد جهيد.
* نظرت ليلى إلى إبنها بإشفاق وارتسم الغضب على وجهها وهي تتصفح في ذاكرتها ذلك التمييز البادي للعيان الذي يفعله زوجها بين إبنيه خالد ومعاذ، الأمرالذي قاد إلى نتائج سلبية إنعكست على شخصية خالد ذو السبع سنوات والَتي من بينها إحساسه بالكراهية لأخيه معاذ الذي يقل عنه بعام.
*التمييز بين الأبناء من قبل الآباء والأمهات خطأ فادح يقع فيه البعض من الوالدين أحيانا، سواء كان ذلك عن عمد، أو بلا عمد، حيث يميز الوالدان أحد أبنائهم سواء كان في مرحلة الطفولة أو في المراحل التي تلي ذلك عن أبنائهم الآخرين، إن كانوا كثر، أو عن الآخر إن كانا إثنان.
* وينشأ ذلك التمييز لأسباب متباينة، منها مثلا أن ذلك الإبن المميز يتمتع بصفات جميلة تروق جدا لوالديه وتجذب محبتهما له،فعلى سبيل المثال وليس الحصر:
أن يكون متسما بالوداعة، يلبي طلبات والديه على الفور، مطيعا لهما، بينه وبين العناد دروب قصية، مجتهدا في دروسه فيأتي بنتائج مشرقة في الامتحانات عكس الآخرين أو الآخر،غير ذلك من المزايا الجميلة التي يتمتع بها.
*فهنا تشتعل جذوة التمييز وتتعمق في دواخل الوالدين فيجد ذلك الإبن المميز مايجد من الحنان والعاطفة الجياشة وحسن التعامل والإهتمام والتفضيل عن بقية إخوانه في أمور شتى، حتى وان كانت بسيطة فهي لها أثر سيئ جدا في نفس أخيه أو إخوته الذين يجدون معاملة مختلفة تماما عن أخيهم من قبل والديهم مما يتسبب في جرح عميق في نفوسهم.
*الغريب في الأمر أحيانا ليس في كل حالات التمييز تلك يكون السبب هو تمتع الإبن أو الإبنة بصفات حميدة، ففي بعض الأحيان قد لا يكون للإبن المميز بين إخوانه أو البنت المميزه بين إخواتها مايدعو لذلك التمييز من قبل الوالدين فهي أو هو مجرد مما يجعله يحظى بذلك التمييز وتلك المكانة دون أخوته أو أخواتها في قلب الوالدين.
*ومن أسوأ حالات التفرقة بين الأبناء حينما يمدح أحد الوالدين أوكلاهما إبنه أو إبنته ويثني عليه/عليها أمام أخوته أو إخواتها للغير، مما يجلب الألم والحزن في نفوس أولئك ويتمخض عن ذلك في أغلب الأحيان حقد وبغض من قبلهم ليس تجاه أخيهم/أختهم فقط ولكن للأسف ربما نحو الوالدان أيضا، مقرونا بإحباط نفسي يغمرهم و أمراض نفسية أخرى تنسج خيوطها في دواخلهم.
*فالتمييز بين الأبناء له مساوئ جمة يقع ضحيتها الإبن المميز و(المهمش) كلاهما، فالأول يمسى أنانيا ويبيت مغرورا وقد تنقلب الآية فبعد أن كان مطيعا لوالديه يصبح نتيجه لتدليلهما المفرط له (مشاكسا) صعب المراس لايلبي لهما طلبا، عدوانيا داخل وخارج المنزل مع أقرانه…
*بينما الثاني تحيط به هالة من الكآبة.،يظل منطويا، فاقدا للثقة في نفسه، يتملكه شعور الدونية، إضافة إلى ذلك، تللك الشلالات من الغيرة التي تصب في أعماقه نحو من ميزه والداه عنه نهارا جهارا..
*نستخلص من ذلك أن التفرقة بين الأبناء في الإهتمام والمعاملة سلوك غير سليم من قبل الوالدان وإجحاف وعدم رجاحة في العقل من جانبهما تجاه إبنهما أوإبنتهما، فيدمران حياته/حياتها ولو من غير عمد…
* فليتوخى الوالدان الحذر في أمر التفرقة تلك حتى لايتسببا في أذى نفسي فادح لأبنائهم من الجنسين ويصبح أولئك ضحايا لتلك التصرفات الرعناء من قبلهما.
*نهاية المداد
إذا كنت تريد أن يكون إبنك أتعس إنسان، فأعطه كل مايريد!
(جان جاك روسو)