الاستعمار واحد من السودان إلى فلسطين

أصداء عالمية _  عادل الهادي الحامدي

 

 

* وتستمر محنة السودان في مواجهة ليس آلة القتل والتدمير الممنهج فقط، وإنما في معاندة إرادة الموت التي تنفذها ميليشيات هي أشبه بالمرتزقة في مواجهة حلم سوداني بالسيادة والنهوض وتعمير الأرض تحقيقا للاستقرار والأمن ومن ثم الاستخلاف في الأرض.

 

*ذات الحصار الذي فجر حرب الإبادة التي يقودها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة لأكثر من عشرة أشهر، هو الذي عاناه السودان على مدى العقود الماضية من عمره السياسي الحديث والمعاصر.. لم يترك المستعمرون القدامى والجدد سبيلا للتنكيل بالسودانيين إلا فعلوه، فمن اتهام بالإرهاب ومساعدته إلى محاولات الاغتيال التي طالت عددا من قيادات السودان الفاعلين إلى الوقيعة بين قيادات السودان الحديث، ثم أخيرا وليس آخرا إلى إسقاط نظام الإنقاذ تحت شعار الثورة بينما ما يجري في الخفاء هو أقرب للثأر منه إلى الثورة.

 

*ثورة شعبية انتقلت أواخر العام 2018، شعارها الرئيسي إنهاء الحكم العسكري والإطاحة بحكم الإسلام السياسي، والتوافق على بناء دولة ديمقراطية مدنية يحتكم فيها الناس إلى القانون والمؤسسات.. اجتمع غالبية السودانيين على كلمة سواء، إلا من عزل نفسه، وبدأ الجميع في بناء سلطات حكم انتقالي تكون الكلمة فيه إلى الشعب، لكن سرعان ما انحرفت البوصلة، وغدت الثورة مقصلة لتيار سياسي وثأرا منه بالنيابة عن قوى إقليمية دولية لم تكن ظاهرة على السطح وقتها في منطلق الثورة لكنها سرعان ما كشفت عن أنيابها ليس فقط عبر المحاكم والسجون التي فتحت على مصراعيها لمحاكمة مرحلة سياسية كاملة، وإنما بالاستقواء عليها بالاحتكام إلى السلاح بعد أن تبين لها أن طريق الرهان على الحوار والمؤسسات لا ينجز المطلوب.

 

*انخرطت في المعركة السودانية قيادات سياسية يسارية استئصالية معزولة شعبيا لكنها مدعومة ماليا من منظمات غربية، قبل أن تتمكن دول إقليمية من اختراق الجسد السياسي والأمني السوداني والتمكن من السيطرة على قرار مجموعات عسكرية تربت في أحضان المؤسسة العسكرية السودانية، واعتاشت من ثروات السودان ومخزوناته، قبل أن تتلقفها أنظمة إقليمية ذات مصلحة في الهيمنة على بوابات العالم العربي والإسلامي الرئيسية.

 

*كانت الحرب ضد السودان اقتصادية وسياسية ودبلوماسية على مدى العقود الماضية، لكنها تحولت منذ منتصف نيسان / أبريل من العام الماضي إلى حرب عسكرية مباشرة، اختار القائمون عليها الانطلاق فيها من العاصمة الخرطوم لإسقاط الدولة بالكامل، وتحويل السودان القارة إلى مجموعة من الجماعات المسلحة المتقاتلة في حرب تم التخطيط لها لتستمر وتعمر لا لتسقط حكما سياسيا وتنتهي.

 

*عشرات الآلاف من الضحايا ذهبوا حتى الآن تحقيقا لهذا المخطط الغادر بالسودان وأهله وبإفريقيا وبالعالمين العربي والإفريقي ثم الإسلامي، وملايين النازحين السودانيين يجوبون الدول المجاورة لبلادهم، وتقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية تحذر بأن المقبل من الأيام سيكون أشد فتكا بالسودان وأهله إذا لم تنتصر إرادة الحياة ثم حكمة العقلاء بأن يجتمعوا على الكلمة السواء التي تعلي من قيم السيادة والوطنية، وتحيي قيم عظماء السودان الذين سجلوا أسماءهم بأحرف من ذهب على سجل التضحية بالمكاسب العابرة لصالح السودان الباقي.

 

*يخوض الفلسطينيون حربهم المكشوفة مع محتل غاصب ويدفعون ثمن ذلك دماء أبنائهم الزكية في معركة أعادت تقديم القضية الفلسطينية للعالم ووضعها على سلم الأولويات، بينما يواجه السودانيون مرتزقة يحاربون بالنيابة عن القوى الاستعمارية الكبرى التي يسيل لعابها على ما تختزنه أرض السودان من ثروات هائلة.. وفي المعركتين فإن التاريخ يعلمنا أن النصر لأهل الأرض مهما طالت الحرب وتعمقت جراحها..

 

*كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن