مواطنو ولاية سنار لن ترهبهم مسيرات الدعم السريع
بأقلام القراء
فتح الرحمن صلاح الشريف
في زمنٍ تهاوت فيه المدن تحت وقع الرصاص، وتبددت الطمأنينة في كثيرٍ من بقاع الوطن، وقفت ولاية سنار شامخةً كجبلها الأشمّ، ترفض الإنكسار وتقاوم الخوف بالصبر والإصرار.. لم تهتزّ عزيمة أهلها رغم وقوع المسيرات بل أصرّوا أن تكون الحياة أقوى من الموت، وأن يبقى الأمل سيد الموقف، بينما توقّع البعض أن تنكمش المدينة في ظلال الخطر، خرج أهل سنار إلى أسواقهم، فتحت المدارس أبوابها، وتعالت الزغاريد في ليالي الأعراس، وكأنّهم يقولون للعالم: لن تُرهبنا المسيرات، ولن تُطفئ الحرب ضياء حياتنا.. هكذا قدّمت سنار درساً بليغاً في الصمود، وأثبتت أن البطولة ليست دائماً في ساحات القتال، بل في قدرة الإنسان على ممارسة حياته في وجه الخوف، وعلى تحويل المعاناة إلى طاقةٍ للمواصلة والعطاء.. لقد أثبت مواطن ولاية سنار أنّ الصمود لا يُقاس بالبندقية ولا بعدد الحواجز، بل بقدرة الإنسان على الحياة وسط العاصفة، فبرغم الاعتداء الغاشم ومسيرات الفوضى التي أرادت بثّ الرعب في النفوس، ظلّ المواطن السناري ثابتًا في أرضه، منخرطًا في تفاصيل يومه، يفتح متجره مع طلوع الشمس، يرسل أبناءه إلى المدارس، ويُقيم الأفراح في ليالي القرى والمدن.. ذلك المشهد لم يكن اعتياديًا، بل كان إعلانًا صريحًا بأن الحياة في سنار أقوى من الموت، وأن إرادة الإنسان فيها لا تُهزم مهما اشتدّ الخطب.
واجه أهل ولاية سنار سلسلةً من الأزمات: انقطاع الكهرباء، تردّي خدمات المياه، إنتشار البعوض، وغيرها، وأخيرا المسيرات، ومع ذلك ظلّت الإبتسامة لا تفارق الوجوه، وظلّ الناس يتعاونون فيما بينهم لتجاوز كل عثرة.. ذلك الصبر اليومي هو بطولة صامتة، لا تُكتب في الأخبار لكنها تُحفر في وجدان التاريخ، لأن من يعيش على الكفاف ثمّ يشارك غيره لقمة العيش، إنما يصنع وطنًا لا يُهزم.. إن ما فعلته ولاية سنار ليس حدثًا عابرًا، بل رسالة وعيٍ وكرامة إلى كل السودان: الحروب لا يمكن أن تُطفئ جذوة الحياة، وأن المواطن أقوى من المليشيا ومسيراتها، وأنّ سلاح الإرادة لا يُقهر.. لقد فهم أهل سنار أن بقاءهم في أعمالهم ومدارسهم ومناسباتهم هو أسمى أشكال المقاومة، وأنّ التمسك بالحياة في وجه الموت هو نصرٌ من نوعٍ آخر.
وهكذا سطّرت سنار صفحةً مضيئة في سجل الصمود السوداني.. لم تهزمها مسيرات المليشيا ولا حملات الرعب، لأن في قلوب أهلها إيمانً عميقً بأن الله ناصر الحق، وأن الوطن لا يُبنى إلا على صبر الرجال وثبات النساء..
لقد قهرت سنار (المسيرات) بالخُلق، و(الرصاص) بالوعي، و(الخوف) بالأمل، لتقول للعالم أجمع: نحن أبناء هذه الأرض، نعيش فيها بكرامة، وسنموت من أجلها بثبات وعزة أن دعا القدر.
فتح الرحمن صلاح الشريف/ أم سنط/ ولاية سنار