سوق عكاظ في نيويورك.. أين موقع العرب؟
عادل الحامدي
*تشرئب أعناق النخب السياسية العربية والعالمية هذه الأيام تجاه نيويورك وهم يتابعون خطب السياسيين الذين لا يتغيبون على مثل هذه المناسبات لأسباب وأهداف متباينة، ليس أملا في أن يخرج عن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات ذات أهمية في وقف نزيف الدماء السائلة بغزارة في وطننا العربي والإسلامي خاصة، وإنما فقط لمتابعة فصل جديد من فصول مسرحيات كوميدية يصر أقوياء العالم على رعايتها وبذل الأموال من أجل استمرارها.
*لم تترك دولة الاحتلال المارقة عن كل الأعراف الدنيوية فضلا عن السماوية سلاحا إلا واستخدمته ضد المدنيين العزل في غزة الصامدة ثم في لبنان، كما لم يترك الأمريكيون والغربيون سلاحا مدمرا إلا واخترعوه وبعثوا به إلى هذا الكيان ليزيد من قتله وإرهابه.. دون أن ينسوا التقيد ببعض الشروط في مد الكوميدي الأوكراني بالسلاح في مواجهة الدب الروسي الرافض للاستكانة للولايات المتحدة الأمريكية.
*الدول المتحكمة في أعمال الأمم المتحدة وجمعيتها العامة ومجلس أمنها، وفي القرارات الصادرة عن باقي المؤسسات الدولية تعتبر أن من حق دولة الاحتلال أن تدافع عن نفسها، وترفض الاعتراف لأصحاب الأرض من الفلسطينيين واللبنانيين أن يدافعوا عن أرضهم تماما مثلما هو حق الأوكرانيين في الدفاع عن أرضهم في مواجهة الغزو الروسي.. والسبب واضح للجميع ولا يحتاج لعناء طويل من أجل اكتشافه.. فسحنة الأوكرانيين الأوروبية غير سحنة الفلسطينيين واللبنانيين بل وحتى السودانيين من السواعد السمراء الذين قامت على كواهلهم أعرق الحضارات العالمية وأقدمها وأشدها رسوخا ليس فقط لإنجازاتها وإنما أيضا لقيمها الإنسانية العادلة..
*مازلت أذكر الزعيم الليبي الراحل العقيد معمر القذافي، رحمه الله، وقد أفضى إلى ما أفضى إليه، قبل رحيله بأشهر قليلة، وهو يتحدث في نيويورك في ذات المناسبة عن ميثاق الأمم المتحدة، وينعته بكل النعوت السلبية، ووصل به الحد أن مزقه أمام العالمين، قبل أن ينتهي ممزقا في صحراء ليبيا بأيدي الليبيين على شاكلة ما مزق به ذاك الميثاق المؤيد للاستعباد والعلو والاستكبار.
*فأن تذهب إلى سوق عكاظ في نيويورك لا تحتاج إلى البلاغة اللغوية ولا إلى تعلم الأنجليزية ومخارج حروفها، ولكن أن تكون مسنودا بقوة الحق والواقع معا.. مسنودا إلى شرعية شعبية وقوة مادية تجعلك في غير احتياج لأي غطاء دولي يمنحك الشرعية.. لذلك كان الحضور أو المتابعون لخطب العقيد القذافي يتسامرون بها ويضحكون ولا يأخذونها بمأخذ الجد، ليس لأن ما فيها غير صحيح، وإنما لأنها تصدر عن جهة لم تستعد بما يلزم لمواجهة سنة التدافع مع باقي القوى الدولية.
*وإذا قسنا الشاهد على الغائب، فسيذهب الرئيس محمود عباس بعد حصوله على إذن من الاحتلال إلى نيويورك، وربما سيشكو نزيف دم شعبه في غزة إلى العالم، وهو يعلم قبل غيره، أنه كان جزءا أصيلا من حصار غزة والتحريض عليها على مدى سنوات الحصار التي انتهت إلى الطوفان.
*وسيذهب وزير الخارجية اللبناني كذلك ليشكو الاحتلال إلى داعميه، ويطلب منهم كبح جماحه في قتل الأبرياء من المدنيين العزل.
*أما رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان فسيشكو عداء الأقربين من أبناء الإمارات وتقطيعهم لأوصال بلاده وزرع الفتنة بين أبنائه.. كل من هو مظلوم وستظل صرخته من دون جواب.
*والحقيقة أن أساس العدل دوما هو امتلاك القوة التي تحمي الحقوق وتدفع المخاطر، تماما مثلما تفعل كل الدول القوية، أما الشكوى فهي سلاح الضعفاء.
ورحم الله المتنبي إذ يقول:
كُلُّ حِلمٍ أَتى بِغَيرِ اِقتِدارٍ
حُجَّةٌ لاجِئٌ إِلَيها اللِئامُ
مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ
ما لِجُرحٍ بِمَيِّتٍ إيلامُ
*كاتب وإعلامي مقيم في لندن