لأنهم بلا ذاكرة تأريخية… يخرّبون مدينتى جبل اولياء(2-3)
مولانا :الفاتح بشير الوسيلة
*قد شكل بناء الخزان نقلة حضارية، جعلت من جبل اولياء مدينة عالمية المحتوى والشكل والعمران، اذ اصبح تخطيط الاحياء فيها أنموذجاً يحج إليها طلاب كليات الهندسة في دراستهم التطبيقية من جامعة الخرطوم وجامعة السودان، تزدان بوجودهم على ظهرانيها عام بعد عام، تزودهم ببراعة هندسة تخطيطها..
وجبل أولياء هي المدينة الوحيدة التي كل بيوتها تفتح على شارع في كل الأحياء.
*وكانت بها كل المرافق المتطورة من سكك حديد، وطريق بري يربطها بالخرطوم عرف بإسم طريق الجبل يبدأ من جوار داخلية البغدادي بالخرطوم، وخدمات الهاتف (الكول بوكس) (call Box) تنتشر في كل الأحياء تجدها تقف إلى جانب أكبر الدكاكين في الأسواق والأحياء.
*مدينة مكتملة بها نقطة البوليس، و الشفخانه والسلخانه و(الادب خانات العامة) ، تنتشر في اسواقها وشوارعها، ومكتب البريد والبرق، وأسواقها التي كانت قائمة دون انقطاع وكغيرها من مناطق.
*كان ينعقد فيها السوق يومي الأحد والخميس لتستقبل كل التجار الذين يدورون خلف هذه الأسواق الأسبوعية ويتزود منها كل أهالي الريف، قلعة اقتصادية تؤمّن كل مقومات الحياة لمن حولها، ولم تكتف بهذا بل كانت الرابط بين قرى النيل الأبيض إلى الدويم وكردفان بالخرطوم، ولن ننسى كيف كان أهل الدويم يمرون بها.. ويترجل عمنا عبيد حاج صالح (عليه رحمة الله) من بصات رومبيك والتوحيد التي تنقلهم من الدويم إلى الخرطوم عبر خزان جبل أولياء.
*إنها مدينتي الجميلة، لا يعلمون أن الكهرباء زينت مرافقك ومنازلك منذ العام 1934 وتضاء بها النوادي والأعمدة في الشوارع، و عرفت السينما قبل كل مدن السودان.. ويوم قررت الدولة نشر ثقافة السينما المتجولة كان على رأس العاملين فيها عمنا صالح بشير محمد جلي، وليأتي علي دربه المخرج التلفزيوني صلاح السيد عبداللطيف رائد الاخراج التلفزيوني بالسودان، ومن الاجيال الحديثة المخرج عبدالرحمن سوركتي، وحق لنا ان نذكر هنا المخرج سعيد حامد بن جبل أولياء غرب الذي احدث ثورة في السينما المصرية بتقديم باقة من النجوم الشباب بينهم (محمد هنيدي ومحمد سعد (اللمبي) ومنى زكى)،
وأن المياه سرت عبر الحنفية تتدفق من صهاريجها إلى منازلها في تزامن مع دخول الكهرباء.
*ولابد من أن نحدثهم إنك أول من عرف التعليم الحديث، فقد أنشئت مدارس البعثة التعليمية المصرية منذ العام 1944م فكانت المدرسة المصرية منارة تخرج فيها أبناء جبل أولياء،
فصاروا قادة التعليم، منهم استاذ ابوبكر الصديق عبد المجيد بيومي مدير معهد معلمي الدلنج، وفي الطب البروف أحمد حامد عبادي، والبروف عبدالله إبراهيم صالح الذي انشأ قسم أطفال الأنابيب بالمملكة العربية السعودية، والبروف عبدالله النعيم، وفي مجال الطب البيطري البروفسير عمر فضل وهو الذي صنف في الموسوعة العالمية من اميز مائة عالم في مجاله، وفي الصحافة شيخ الصحفيين الأستاذ محمد صالح يعقوب، وفي الزراعة ومكافحة الآفات دكتور خالد حامد عبادي، والشيخ عبد الرحيم محمد صالح خليفة السجادة الطيبية لام مرّحى، وفي كل مجالات الخدمة العامة تجد أبناء جبل أولياء يتبوؤن مقعد الريادة.
*ولا يعلمون مدينتي انك صاحبة الحق المطلق في رفد الخرطوم والسودان بأمهر البنائين والمقاولين يقدمون ابداعهم في العمران اينما حلو، وغيرها من ضروب المعرفة، وقدمت لجمهور السودان الشعراء والأدباء يزين قائمتهم استاذنا عبد الباسط سبدرات، وفي فن الغناء والطرب مازالت تقدم من لدن النعيم نور الدائم، الهادي حامد (ود الجبل)، الطيب مدثر، عافية حسن، مكارم بشير، عبدالمنعم أبو سم إلى عشه الجبل.
*وإلى جانب مدرسة البعثة المصرية انشئت المدارس السودانية، ويكفي انها احتضنت المدرسة الأميرية بداخلياتها التي تضم كل أبناء الشعب السوداني ومن مختلف مناطقه.
وكانت مدينتي إنموذحاً في التواصل مع دول العالم الخارجي، فهي كانت بوتقة تعتقت فيها العلاقات المصرية السودانية، فلم تكن تخلو قط من وجودهم فيها بالري المصري أو المدرسة المصرية مما أتاح لمواطنها ثقافة منفتحة على الآخرين، وممن تربوا على أرضها وعلى ظهرانيها الفنان المصري كمال الشناوي حيث كان والده مهندس في الري المصري، والممثل المصري الشهير عبدالرحمن ابولمعي فقد كان معلماً في المدرسة المصرية، والممثلة داليا البحيري.
نواصل