آخر الأخبار

شريان النيل.. نحو تكتل اقتصادي استراتيجي

شيء للوطن

م.صلاح غريبة

 

*بين القاهرة والخرطوم، لا تُرسم الحدود بالخرائط فحسب، بل تُصاغ بالمصالح المشتركة والروابط الأزلية التي تفرضها الجغرافيا والتاريخ. ومع انطلاق أعمال اللجنة التجارية الصناعية المشتركة في العاصمة المصرية، نجد أنفسنا أمام لحظة فارقة تتجاوز البروتوكولات الرسمية لتضع حجر الأساس لمرحلة جديدة من التكامل الاضطراري الذي تفرضه التحولات الإقليمية الراهنة.

*تكتسب هذه الاجتماعات أهميتها من كونها تأتي بعد انقطاع دام لأكثر من عامين. هذا التوقيت يحمل دلالات عميقة؛ فهو يعكس رغبة حقيقية في استعادة زخم التعاون الاقتصادي وتجاوز التحديات التي فرضتها الظروف السياسية والأمنية. إن عودة الفنيين والخبراء من مختلف القطاعات – من النقل والثروة الحيوانية إلى المواصفات والمقاييس- تعني البدء في تفكيك العقبات البيروقراطية التي طالما حدّت من تدفق السلع والخدمات بين ضفتي النيل.

*أحد أبرز ملامح هذه الشراكة هو السعي للاستفادة من الخبرات المصرية العريقة في المجال الصناعي لدعم تعافي الصناعة في الجانب الآخر.. إن نقل المعرفة وتوطين الخبرات ليس مجرد دعم فني، بل هو استثمار طويل الأمد في استقرار المنطقة.. الاقتصاد القوي هو الضامن الحقيقي للأمن المستدام، وتحويل المواد الخام إلى منتجات صناعية ذات قيمة مضافة هو السبيل الوحيد لرفع معدلات التبادل التجاري إلى مستويات تليق بمقدرات البلدين.

*لا يمكن لأي جهد حكومي أن يكتمل دون وجود قطاع خاص ديناميكي. وهنا يأتي دور (ملتقى المستثمرين) الذي يُعقد على هامش هذه الاجتماعات، ليمثل منصة حوارية دائمة. إن التحول نحو الاستثمار الذكي والمستدام ليس ترفاً، بل هو ضرورة لمواكبة المتغيرات العالمية.

*ونشدد على مقولة : إن حشد القطاع الخاص نحو مشاريع استراتيجية في الأمن الغذائي، والبنية التحتية، والطاقة، سيسهم في خلق شبكة مصالح معقدة تجعل من التكامل الاقتصادي واقعاً ملموساً لا يقبل التراجع.

*إن ما يمتلكه البلدان من مقومات -سواء في الأراضي الخصبة، أو الثروة الحيوانية، أو الخبرة الصناعية، أو الموقع الجغرافي المتميز- يؤهلهما لتشكيل تكتل اقتصادي إقليمي قوي.. المطلوب الآن هو تفعيل المعابر الحدودية وتسهيل حركة النقل لتقليل تكلفة التجارة البينية، مع توحيد المواصفات والمقاييس لضمان انسيابية السلع دون عوائق فنية، بالإضافة الى خلق بيئة تشريعية جاذبة تحمي الاستثمارات المتبادلة وتوفر الضمانات اللازمة لرجال الأعمال.

*إن اجتماع اللجنة التجارية الصناعية المشتركة ليس مجرد حدث عابر، بل هو إعلان عن إرادة سياسية واقتصادية لفتح صفحة جديدة. الصفحة التي نأمل أن تُكتب بأرقام النمو، وفرص العمل، والمشاريع الكبرى التي تعود بالنفع على المواطن في كلا البلدين. لقد حان الوقت لينتقل شريان النيل من رمزية الجغرافيا إلى واقع الاقتصاد.