د.عبد الرحمن الغالي لـ(أصداء سودانية): “فرضية اغتيال الإمام واردة”

الدكتور عبد الرحمن الغالي القيادي السابق بحزب الأمة:

  • الدعم السريع كان دولة داخل دولة وكان يسعى للإستيلاء على السلطة
  • نبهنا إلى أن هناك عيوب كبيرة في الاتفاق الإطاري يجب الإنتباه لها حتى لا تحدث الحرب
  • الإمام الصادق المهدي تدخل في أكثر من مرة من أجل تجنب الصدام بين الجيش والدعم السريع
  • لا نستبعد فرضية إستهداف إغتيال الإمام الصادق لأنه كان يمثل صمام الأمان للسودان
  • الإتفاق الإطاري خلط الصورة في المشهد السياسي و(قسم المقسم) وحزب الأمة كان جزء من هذا الإنقسام
  • (بيت) الإمام ليس له صفة تجعله يقدم شخص لمنصب
    حوار – ضاء الدين الطيب:

ألقت الأزمة الإقتصادية بظلالها السالبة على المستوى المحلي و العالمي و أدت الى بروز كثير من الإتجاهات الفكرية التى انقسمت بين مؤيد ومعارض ، أصداء سودانية حاضرة في المشهد بحثا و متابعة تلتقي بقادة الفكر و الرأي والسياسة في هذه المساحة نستضيف القيادي بحزب الأمة القومى الباحث و السياسي الدكتور عبد الرحمن الغالي لإستنطاقه في عدد من الأحداث المهمة التى تشهدها بلادنا

*دعنا نتحدث في البداية عن حدث مهم وهو رحيل الإمام الصادق المهدي الذي كان له أثر كبير على الأمة العربية و السودانية ؟
-الحبيب الإمام كان أمة بالنسبة للسودان ولكل الأنصار و حزب الأمة والعالم الاسلامي, إنسان متعدد الجوانب، و فقده فقد للامة الإسلامية والانصار و حزب الأمة ، وكان له مشروع فكري ضخم في مناحي الإنسانية ، وكان له دور كبير في التعايش بين الحضارات و بين المسلمين و بين أبناء الوطن, وهو مشروع قومي شامل لا يقصي أحد
*هناك الكثير من التساؤلات حول وفاته التي كانت غامضة .. ماهو تعليقكم ؟
-الحبيب الإمام شخصية مهمة هو صمام الأمان للسودان بتجربته وإرثه و قاعدته الشعبية ووزنه الفكري و السياسي ، وكل من أراد للسودان شر يفكر في ازاحته و التخلص منه ، رغم المحبة الكبيرة التي يتمتع بها، لذلك ما حدث يحتمل كل الاحتمالات وهو أشار في حديث أسري لهذه الفرضية، أن يكون مستهدف بسبب مواقف تتعارض مع أصحاب الأجندات الخارجية التي تريد أن تشكل الإسلام والسودان، لذلك أشار إلى أن يكون هذا المرض مستهدف به وهذه الاشياء لا يمكن اثباتها دون أدلة, ولكن قرائن الأحوال تشير إلى أن شخصية بهذا الزخم وفي بلد مثل السودان والصراع الخارجي في القارة الأفريقية و البحرالأحمر ، إضافة للثروات الطائلة و صراع الموارد ، ومستقبل السودان, و أجندة خارجية كبيرة تريد أن تستولي على السودان لذلك هذه فرضية لابد أن نضعها في الإعتبار.
*هل إذا كان الإمام على قيد الحياة سيكون المشهد السياسي السوداني بهذا الشكل ؟
– مؤكد أن وجود الإمام كان يعتبر صمام أمان، والسودان كان على شفا حفرة من الحرب, في فترات كتيرة تدخل الإمام ومنع قيام هذا المصير المشؤوم الذي وقعت فيه البلاد, وهذا بإعتراف كل الناس إنه كان يتدخل لتجنب الصدام, على سبيل المثال بين الجيش والدعم السريع أكثر من مرة ، ولأنه كان مسموع الكلمة وله رصيد واسع ، كان نهجه قائم على الحوار وامتصاص الصدمات حتى لا تصل الأمور إلى حافة المواجهات ، وقد نبه لذلك في كثير من خطبه خلال الفترة الإنتقالية ، كأنه يقرأ من كتاب مفتوح, نبه للمخاطر الداخلية والعثرات التي تواجه الفترة الإنتقالية, وأقترح خارطة طريق ، بعضها قبل وساهم في تأخير الكارثة وبعضها لم يقبل ووصلنا إلى فشل الفترة الإنتقالية ثم الإنقلاب عليها ثم الحرب وهذه أشياء لو كان المجال يسمح لعددتها كلها.
*دعنا ننشر معلومات تقال لأول مرة في محور السيد الإمام.. حدثنا عن اللحظات الأخيرة و تواصلكم معه ؟
-ما كنت أود الخوض في هذه الأشياء لأنها في النهاية هي أشياء خاصة ، ولكن ما يهم السودانيين والشعب أن كان بينهم شخص دفع حياته كلها في سبيل السودان, وسخرهذه الأشياء للقضية التى يؤمن بها ، والإنسان صاحب الرسالة مؤكد يتعرض لأشياء كثيرة في هذا الطريق الشائك ، وقد نال الإمام نصيبا وافراً من الإغتيال المعنوي لأن أصحاب الأجندة المختلفة حتى من كان حليفه ، كانوا في بعض الأحيان يصابون بالغيرة والحسد و الرغبة في الاستئثار بالمكان, وتعرض الإمام لهجوم كبير في الفترة الإنتقالية غير مستحق ، ولتشويه صورته ، لأنه كان يصدع بقول الحق والجهر بالنصحية ، وإصلاح الإعوجاج في الفترة الإنتقالية و تبيين المخاطر.
*ماهي تلك المخاطر التي تقصدها ؟
-مخاطر المواجهات العسكرية المدنية ، ومخاطر إنقسام الجسم المدني ، ومخاطرإختلاف الأفكار، وموازين القوى.
*السيد الإمام هل ترك خليفة من بعده ؟
-الإمام سعى فى مشروعه كله ليخلق مؤسسات ، وحتى مسألة الإمامة والمؤسسات الدينية عمل لها مؤسسات مثل هيئة شؤون الأنصار فيها مؤتمرعام ينتخب مجلس شورى و الشورى تنتخب المجلس والمجلس ينتخب أمين عام و مكتب تنفيذي, والإمام نفسه جاء بإنتخابات على إختلاف ما هو شائع في الطرق الصوفية والجماعات الدينية, أما في الحزب فالمؤسسية بدأت منذ الستينات بأن يكون حزب قائم على أسس غير الوراثة والتقليد، والصراع الأول في حزب الأمة كان بين المؤسسة ومجلس الوزراء بإعتبار أن المؤسسة كان لها دور في محاسبة رئيس الوزراء وقتها محمد أحمد محجوب عليه الرحمة ، وكان (يشوفو) في ضعف في الأداء التنفيذي, لابد من محاسبة المؤسسة لرئيس الوزراء، وهذا كان مفهوم جديد في ذلك الوقت و هو ما قاد للخلافات ، والمؤسسية بالنسبة لخليفته تركها المؤسسات( نواب رئيس ومكتب تنسيق أعلى ، والمكتب القيادي و المكتب سياسي و الهيئية المركزية والمؤتمر العام) ، لذلك ألية الخلافة تنظم عبرهذه المؤسسات ، وليس هناك شخص معين هو عينه ليكون خليفته حتى النواب بوظائف محددة ، كان له أربعة نواب كل واحد منهم يعمل في مجاله و يخضع للمؤسسة.
*أنت رجل كنت نائب الأمين العام وكنت الأمين العام و تدرجت ، وأصبحت مخزن للأسرار وككاتب و باحث صدحت بأراء جريئة وقوية, و نحن حريصون في منصة أصداء سودانية بأن نصدر هذه الأراء للمتلقي ، ماذا عن جانب (البيت) و أنجاله الموجودين بالنظر إلى الزيارات التي قام بها نجله عبد الرحمن الصادق لعدد من الولايات ، وحظي بإستقبال كبير ، هل هناك خليفة داخل البيت ؟
-فكرة الإمام أن الأشياء تكون عبر المؤسسية و( البيت) ليس له صفة تجعله يقدم شخص لمنصب, وحتى لو اتفقوا الناس لتقديم شخص يكون تقديم كأي إنسان الناس تتفق عليه, والمؤسسات هي من تختار شاغلي المناصب فيها ، لذلك أنا اعتقد أن الوضع السياسي السوداني فيه تحولات كبيرة, و الإمام كان مهتم بمحاربة الأسس التقليدية في تولي المناصب العامة، وكان يحارب مسألة الطائفية والتوريث, و كتب مقال في الشرق الأوسط عن الطائفية, و قال إن السودان أقل طائفية من دول أفريقيا والشرق الأوسط ، لذلك كان الإمام مهموم بتحديث الكيانات الصوفية والإدارة الأهلية في السودان ، وكان له رؤية في تطويرها بإدخال عامل الشورى والانتخاب، لذلك ما وارد أنه الناس (ينتكسو) و المنطقة كلها فيها ( إنتكاسة) ، والأن الأحزاب العلمانية التقدمية مثل حزب البعث إنتهى بوفاة صدام حسين وأبناءه قصي وعدي, وحافظ الأسد ورث ولده, وحتى في عهد حسني مبارك واحدة من هواجس الثورة المصرية أنه حاول توريث أولاده علاء و جمال ، وهكذا .. والإمام كان همه يعمل ترقية و تطوير و تحديث.
*ممكن نقول أن الإمام كان ضد التوريث ؟
-نعم .. ومع المؤسسية الحزبية.
*بوصفك كاتب وباحث، لا ينفصل بيت الإمام ومعروفة الزعامة لأل المهدي منذ تاريخ السودان وحتى الأن ولابد أن يكون هناك تأثير لهذا البيت وحزب الأمة ، كيف تنظر لهذا الجانب ؟
-الحرب عملت انقسام كبير في الجسم السياسي السوداني ، وهذا أضر بالبلاد كثيرا, الانقسام السياسي ترجع جذوره إلى الحكم التركي 1821 ، وبعد أن أتت المهدية حدث إنقسام من الشعب, و لما جاء الاستعمار الثنائي وجد الناس لديهم قابلية أن يكونوا أقل حماس في معارضته من الأنصار مثلاً أو من المهدية, والإنقسام استمر وجاء في مؤتمر الخريجين والحركة الاتحادية, والإنقسام في المجتمع السوداني موجود ، والفترة الانتقالية بدأت بقوى الحرية والتغيير وكانت يضم أغلبية القوى المعارضة للانقاذ ولكن بعد فترة قليلة انقسم هذا الجسم وتشظى و وخرج منه الحزب الشيوعي ووحزب الأمة, وإنشق تجمع المهنيين, وبعد الإتفاق الإطاري خرج حزب البعث ، والاتفاق الاطاري نفسه إنضم له المؤتمر الشعبي الذي كان مع النظام السابق ، وفي ناس كانوا في إنقلاب 25 أكتوبر مثل ناس الطاهر حجر والهادي إدريس جاءوا في الإطاري, وفي ناس كانوا من قوى الثورة أصبحوا ضد الإطاري, والحرب جاءت (قسمت المقسم) ، الأن حزب الأمة جزء من القيادات مؤيدين (تقدم) وماشين معاها و جزء في مؤسسة الرئاسة لديهم تحفظات على (تقدم) و وقدموا مذكرة, والاتحادي المعارض جزء مع (تقدم) وجزء ضدها, و(تقدم) نفسها في عدد من الأجسام قدمت مذكرات اعترضت فيها, أخرها التيار الثوري (ناس ياسر عرمان ومقدم نقد) و قبلهم الجبهة الثورية, يوجد انقسام كبير
*هذا الانقسام كما ذكرت طال حزب الأمة .. إلى أي المعسكرين تميل ؟
-أنا منذ 2015 خارج مؤسسات الحزب وبإتفاق مع الحبيب الإمام إتفقنا أن أكرث جهدي في المجال الفكري و البحثي, وكانت الفكرة أن نعمل مركز دراسات نرفد به حزب الأمة بالأفكار والبرامج, وتكون فكرة قومية ونفتح المجال لكل السودانيين لرسم سياسات بديلة للسودان في الاقتصاد والعلاقات الخارجية والزراعة وغيرها, وأنا الآن خارج الأطر المؤسسية, وهذا باتفاق وأنا ما برجع عن ذلك.

*ماهي دواعي الإختيار هذا ؟
-ما يمكن أن أقدمه أنا في المجال التنظيمي والسياسي قمت به منذ أن كنت طالبا في الجامعة عام 1980 م ، 35 سنة شغل سياسي، وعملت في عدد من مؤسسات الحزب ومافي داعي أفصل فيه الآن ، وتدرجت في مؤسسات الحزب وكنت مقرر المجلس القيادي 12 عام ، لذلك الأن يمكن أن نفتح المجال لآخرين و نرفع البلد في مجال آخر
*أول مرة رجل بهذه الإمكانيات يفضل الإبتعاد عن العمل السياسي ، ويتجه نحو العمل الفكري والبحثي وهذه سابقة في تاريخ الأحزاب السياسي؟
-المدخل للعمل السياسي لمعتقدات معينة ، وهو واجب و ضريبة وطنية ، وأنا ما بدخل مكان إلا بهدف (سد الفرقة) وأنا اصلا منذ أن تركت العمل التنظيمي لم يحدث أن رشحت نفسي لمنصب والحمدلله ، وما بنظر ليها كأنها تشريف بل هي تكليف ، وأنا وجهة نظري بالنسبة للحرب لدي تصور حولها.

*ماهو تصورك ؟
-الحرب قبل أن تقوم كان يمكن منع قيامها حسب قراءتي ، الفترة الانتقالية كانت ماشة في طريق الفشل والإمام نبه لهذا الأمر كثيرا ، وقال لابد أن يكون هناك توازن للقوى وهو الشارع السوداني الذي اسقط الانقاذ والشعب يريد الحريات والعسكر عندهم السلطة و السلاح و لديهم سند اقليمي و دولي لذلك أي حل (راديكالي) كان الناس انتصروا وخلوا المواجهة مع المكون العسكري لذلك كان يقول الإمام نحن دايرين ناس يطمئنوا العساكر، والمكون العسكري ارتكب انتهاكات بفض الاعتصام وغيرها ، وكان فكرتي أن نصل لصيغة تطمين العسكر لأنه ما ممكن هم لهم السلطة والسلاح وانت تقول لهم إننا سنحاكمكم بالتأكيد لن يترك لك السلطة, هذا الكلام في القرآن موجود ، الإنسان إذا قدرت عليه ممكن تعمل (الدايرو) ولكن قبلها إستثناء ودا كان خطأ كبير، و الاقصاء مشكلة ، لذلك وقع الانقلاب ثم جاء الإتفاق الاطاري وكان فيه عيوب كبيرة و نبهنا لتصليحها حتى لا تقع الحرب ، أذكر (جوني) ناس زيارة من حزب الأمة قبل الحرب و تناقشنا حول الأولوليات والتحول المدني الديمقراطي وقلت لهم إن الاولويات يجب أن تتغير ، أولها عدم قيام حرب ، أو تدخل أجنبي أو أي إقليم يطالب بالإنفصال ثم بعدها المطالبة بالحكم المدني الديمقراطي ، ورفضهم جاب الحرب ، لأن الاتفاق الإطاري كان الحرب ممكن أن تقوم قبله, لأن الدعم السريع كان دولة داخل دولة وساعي للسلطة ، وتقرير خبراء مجلس الأمن في يناير 20202 م ، منشور وأشار إلى قائد المليشيا تحدث عن أن أبناء دارفور في الحركات ينقلبوا معه على السلطة ، وكان ممكن الناس يتعاملوا بحكمة ونزع هذه الألغام.