رحلة جوليانا على سطح القمر للمبدعة السعودية الشابة هنادي العتيبي

‏قراءة انطباعية 

بقلم المبدع / نايف مهدي

 

‏بالأمس، انتهيت من قراءة قصة (رحلة جوليانا على سطح القمر)، والتي تنتمي إلى أدب الأطفال، وخرجت ببعض الرؤى التي تسلط الضوء على مكامن الجمال في هذا السرد المتماسك الذي التزم بأسلوب الحكاية لدى الناشئة وما يتطلبه من لغة واضحة وسهلة وإبحار في الخيال واستنطاق الجمادات وتبطين الحكم والدروس والقيم خلال سيرورة الحكاية بأساليب جميلة وغير مباشرة، وقد ابتعدتْ كل البعد عن المباشرة الفجة. وقد وظفت الكاتبة السجع في أغلب المتن دون تكلف وافتعال وإرباك للمعنى، فجاءت أواخر الجمل كأجراس موسيقية هادئة تجذب الانتباه وتتيح المشاركة للناشئة في تخمين وتوقع الكلمة الأخيرة في كل جملة، الأمر الذي يسهم نوعًا ما في خلق متلقٍ مشارك وفاعل إلى حد ما. وقد استخدمت الكاتبة القصة الإطارية، لتخلق لنا قصة سريالية تستولي على معظم صفحات الكتاب، ثم تعود برشاقة إلى القصة الأم حيث ينتهي المشهد عند فروغ الجدة من عملية القص ونوم الصبية.

 

‏تبدأ القصة بانتظار الجدة لأحفادها الذين ذهبوا إلى السوق، وقد كانت خلال ذلك الوقت تغيب في تأملات مشوبة باللوم والتحسر على أيام الشباب الفارطة ووهن ذاكرتها- وهو التدهور البيولوجي الحتمي الذي لا مفر للإنسان منه حينما يتقدم به العمر. وبعد فترة من الزمن، يعود الصبية إلى منزل الجدة فتقدم لهم وجبة العشاء، وخلال هذا الوقت القصير ترصد الجدة بعض السلوكات الخاطئة فتعالجها بطرق تربوية رصينة، ثم تبدأ في قراءة قصة جوليانا للصبية الذين يتحلقون حولها بدهشة وانبهار، وتدور أحداث القصة الإطار حول فتاة حسناء يغازلها القمر من شباك نومها، فيعرض لها صفقة مغرية بأن يقلها إلى رحلة فضائية للتعرف على الشمس وكواكب المجموعة الشمسية من كثب، فتمطي جوليانا القمر وتتشبث بحوافه فينطلقان إلى رحلة سريالية عجيبة، وقد برعت الكاتبة في أنسنة الكواكب فخلعت عليها صفة التحدث والإصغاء، والأبعد من ذلك، جعلتها مشحونة بالمشاعر الإنسانية فبعض هذه الكواكب حانق وبعضها منطلق مرح و فيهم الكسول والمتشائم، وحين تلتقيهم هذه الطفلة يقدم كل كوكب من هذه الكواكب الثمانية معلومات علمية شيقة وخفيفة تخص مناخاتها وتضاريسها وطبيعة تكوينها وأقمارها. خلال هذه الرحلة الساحرة تختبر الفتاة بعض التحديات والصعوبات، ولكنها توفق في التغلب عليهل، وأخيرًا، تستطيع العودة بصحبة القمر إلى غرفتها قبل أن تنقضي هذه الليلة، وكأن القصة تتناص وتتعالق جزئيًا مع قصة الإسراء والمعراج، وبعد ذلك تنتهي الحكاية الأم بنوم الصبية جميعًا وامتلاء الجدة بإحساس الألفة والرضا.

 

‏سُردت الحكايتان بواسطة السارد العليم الذي كان موفقًا ومراعيًا في عملية القص خصوبة الخيال التي لا بد من توافرها في أدب الأطفال وحكاياتهم. أما اللغة، فقد كانت موائمة وخفيفة وتطعمت بالسجع الخالي من التقعر اللغوي. يُحسب للكاتبة أيضًا، أنها رصعت متن الحكاية بمقاطع غنائية وشعرية طفولية من كتابتها، ما أضفى البريق والمرح والحميمية والتقارب مع النص، كما أن الأبيات الشعرية لم تكن بغرض البهرجة والزيادة الخاملة في الحكاية؛ فقد أفادت الطفلة جوليانا من هذه الأشعار في كسر رهبة الكواكب حينما ألتقتهم، وكانت مفتاحًا ملائمًا لفتح غوالق وتردد هذه الكواكب، ما أدى إلى تواصل سلس وفعال بينهما.

 

‏أخيرًا، أشيد بعمل الكاتبة الذي كان أنموذجًا مناسبًا لأدب الطفل، بالإضافة إلى كونه شيقًا ومشتملًا على بعض التوجيهات التربوية الحميدة والفاضلة. وهذا هو العمل الثالث لهذه الكاتبة الشابة المبدعة الأستاذة هنادي العتيبي، والتي نستبشر بوجودها وجودة حرفها الرصين في الساحة الأدبية، وسوف نلتقي بهذا الاسم مرات ومرات في سماء الإبداع المحلي في العديد من الأنواع السردية.