في ذكرى رحيله الرابع عشر ..إمام علي الشيخ.. فتى أخلاقه مثل

  د. محمد خليفة صديق

 

مرت خلال الأيام الماضية الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الشاعر الكبير والمربي الفاضل والمؤرخ والمهندس إمام علي الشيخ ، أحد رموز الحركة الاسلامية في السودان، والأديب القومي، وأحد أعلام الشعر العربي الفصيح، وواحد من أهم ركائز الأدب الإسلامي والملتزم في تاريخ السودان الحديث، يشهد له الجميع بتبحره في الثقافة الإسلامية والحياة السودانية وتاريخ السلطنة الزرقاء، وقد أهلته هذه الثقافة الواسعة والتأهيل العلمي الرفيع لتولي أهم المناصب في مجالات الاعلام والثقافة، حيث تقلد منصب الأمين العام لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، والأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، ومستشار وزير الثقافة والإعلام، والعديد من المناصب البرلمانية في برلمان ولاية الخرطوم، وهو من مؤسسين العمل النقابي للإذاعة والتلفزيون وغيرها كثير.

ولد إمام علي الشيخ ولد عام 1935 في حلة العرب بالبركل، مركز مروى، شمال السودان. أنهى المرحلة الأولية في مدينة كريمة, والوسطى في أم درمان, ثم التحق بمدرسة سلاح الإشارة الهندسية وتخرج فيها, ثم أرسل في بعثة دراسية للولايات المتحدة الأمريكية، وعاد بعدها ليعمل مهندساً لأجهزة الإرسال في سلاح الإشارة، ثم في الإذاعة السودانية , ثم صار نائباً لمدير مصلحة الثقافة, فأميناً عاماً للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات , وأخيراً أميناً عاماً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، كما كان أميناً عاماً لاتحاد الأدباء في السودان.

أم دواوينه الشعرية فهي: أجنحة من نور 1960، الليل الأبيض 1970، النجوم الشوارد 1986، وله قصائد كثيرة كان سيودعها ديوان واحد لكن الموت عاجله، أما مؤلفاته فأبرزها : تأملات في الفن والجمال من منظور إسلامي ، وكتاب: مذكراتي حول ثورة ١٩ يوليو، وكتاب الإسلام والفونج وغيرها.

منحته جامعة أم درمان الإسلامية درجة الدكتوراة لفخرية في الآداب، كما حصل رحمه الله على العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة منها: الجائزة الأولى في مسابقة الإذاعة السودانية 1963, ومسابقة المركز الإسلامي الإفريقي1987 , ومسابقة البنك الزراعي السوداني 1992.

تميزت حياة إمام بمميزات يندر نظيرها في زماننا، فهو قد بدأ حياته العملية في مدرسة سلاح الإشارة، وعمل به لسنوات عديدة، أيام المرحوم اللواء عمر الحاج موسى الذي أهتم بالعلم وطلابه من العسكريين، فكان يشجع الضباط والصف والجنود على الالتحاق بالجامعات وتلقي كافة ضروب العلوم الهندسية والثقافية والادبية، وأنشأ أكبر مكتبة بسلاح الاشارة وزينها بمؤلفاته بجانب نفائس المؤلفات والمخطوطات والدوريات والمراجع في شتى انواع العلوم والفنون، فكان إمام علي الشيخ أحد رموز الأدب والثقافة والصحافة الذين خرجوا من رحم سلاح الإشارة.

اشتهر وسط اهله وعارفيه بأن بابه كان مفتوحا في كل وقت للأهل وطلاب العلم وحتي الهاربين من بطش الانظمة، ومن أبرز من اختبأ بمنزله أيام نميري البروفسور جعفر شيخ ادريس وغيره من قيادات الإسلاميين، وكان إمام علي الشيخ يقود العمل التنظيمي في الحركة الإسلامية في أحلك الظروف عندما تكون قيادة الحركة الإسلامية في السجون، ويشهد له أنه قاد كل التظاهرات وحرك المساجد خلال انقلاب 19يوليو عندما حاول الحزب الشيوعي الانفراد بالسلطة بعمل انقلابي بقيادة هاشم العطا.

لم تنسيه أعماله الرسمية والتثقيفية والتنظيمية واجبه الدعوي الارشادي إذ كان داعية بحق، يتمثل كل قيم الدين في حياته، وكان محافظا وحريصا أشد الحرص علي درسه الاسبوعي يوم الخميس في حوش منزله بأم بدة الحارة الأولى حتي في أوقات مرضه.

سار إمام علي الشيخ في دروب الحياة دون أن يفوز من الدنيا بشيء، وهو من قلة نادرة بين أخوانه وأقرانه مَنْ لم تتغير طوبة في منزله الذي ورثه من والده بعد الإنقاذ، وهو يرى بؤس الانزلاق في درك نعيم الفانية، كما ظل حريصا علي التبرع بجاهه في كل أمور الخير فساعد في توظيف عشرات الشباب والشابات في مختلف مواطن التوظيف والعمل، واليوم بيوتهم مفتوحة، ويلهجون بالدعاء له والثناء عليه.

رحل الأستاذ إمام علي الشيخ تاركاً وراءه تاريخاً ناصعاً وذكراً طيباً، وشعراً رصيناً خالداً يجري على لسانه عذباً سلسبيلا حتى وإن كان ارتجالاً ، وقد قال لي صديقي الشاعر والدبلوماسي خالد فتح الرحمن أن أفصح وأنصع شاعر سوداني في تلك الفترة هو إمام علي الشيخ.

بدأ الراحل الأستاذ إمام علي الشيخ في كتابه مذكراته حول مسيرة العمل النقابي والإداري والدعوي والثقافي لشخصه الكريم في صحيفة الانباء، وهي مذكرات ينبغي أن تري النور لما فيها من علم غزير وفكر ثاقب ومعلومات لن تتوفر لأي أحد، ونرجو أن يقوم باحث صاحب عزيمة بجمعها وتحقيقها، وإن شاء الله تكون دار الوثائق القومية بخير بعد إستعادة الخرطوم من غزو الجنجويد ليتم هذا الأمر.

إلا رحم الله الشيخ المجاهد إمام علي الشيخ وأسكنه فسيح جناته وألهمنا الصبر والسلوان، فقد كان حقا كما قال في قصيدته المشهورة:

فتىً أخلاقُهُ مُثُلُ وملءُ ثيابه رجُلُ

يعج الحق في دمه … و يزحم صدره الامل …

تراه الصبح مبتسما كان حياته جدل ….

ينم سلوكه عنه ويتبع قوله العمل …

وان دارت معاركها فلن يتزحزح الجبل …