
أبو لؤلؤة زمانه.. حين يتجسّد الحقد في وجه إنسان
د. إسماعيل الحكيم
Elhakeem.1973@gmail.com
رأينا في مدينة الفاشر الجريحة، حيث اختلط أنين النساء ببكاء الأطفال وصمت الشيوخ المذعورين، ظهور وجهٌ كالح ٍجديد من وجوه البشاعة الإنسانية.
مجرم من مليشيا آل دقلو الإرهابية، يلقّب نفسه بـ أبو لولو، يتفاخر أمام الكاميرا بأنه لا يعرف للرحمة طريقًا، وأنه جاء ليقتل الأبرياء، من النساء والأطفال وكبار السن. ويقولها بثقةٍ متغطرسة، كأنما يؤدي عملاً بطوليًا، بينما يده تقطر دمًا بريئًا يرسم في أرض الفاشر لوحة الثبات على الحق..
ذلك المشهد لم يكن مجرد لقطة عابرة من مشاهد الحرب، بل مرآةٌ مكشوفة لجوهر هذه المليشيا التي تحولت من مجموعة متمردة مسلحة إلى آلة للقتل والإبادة الجماعية.
فما يفعله هذا القاتل ومن معه، يشبه تمامًا ما فعله أبو لؤلؤة المجوسي عندما غدر بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاغتال العدل والإيمان في لحظةٍ واحدة.واغتال مع عمر ستة من خير البشرية بعد نبيها صلوات ربي وسلامه عليه..
وهذا الذي يسمّي نفسه “أبو لولو” اليوم، يُعيد الفعل ذاته، وإن اختلف الزمان والمكان، فهو يقتل كما قتل ذاك، ويغدر كما غدر ذاك، ويعلن عن حقده على الأبرياء كما أعلن المجوسي عن بغضه للخلافة والحق والرحمة.
في الفاشر اليوم، لا تُدار معركة بين جيشٍ ومليشيا، بل مجزرةٌ مفتوحة ضد المدنيين العزّل.
فقد انتقلت الحرب إلى مربعٍ جديدٍ مظلم، حيث أصبحت الأحياء السكنية ميادين للقتل، والمنازل مقابر جماعية، والمساجد والمستشفيات ساحاتٍ للدماء واصبح الفضاء الأثيري متنفساً لسموم القتل والعذاب..
أما شعار المليشيا، فبات واضحًا العدوّ هو إنسان الفاشر نفسه، فهو هدفهم المشروع.
أمام هذه الجرائم الموثقة بالصوت والصورة، يصمت العالم — صمت القبور ذلك العالم الذي ادّعى يومًا أنه حارس القيم وحامي الحقوق. فأين منظمات حقوق الإنسان؟ وأين هي الأصوات التي كانت تملأ الشاشات بكاءً على أوكرانيا أو شجيجاً غزة أو صراخاً في أي نزاعٍ آخر؟
أين مبادئ العدالة التي يتغنون بها صباح مساء؟
إن صمتهم اليوم جريمة لا تقل عن القتل نفسه، بل هو الوجه الآخر للمؤامرة والشراكة، لأن من يرى الدماء تسيل ولا يتكلم، إنما يوقّع بيده على استمرارها.
فالعالم الذي يسكت عن الفاشر، شريك في دماء الفاشر، والعالم الذي يغض الطرف عن المذابح، مساهم في الجريمة بقدر ما يصمت عنها.
وليعلم الجميع أن التاريخ لا ينسى، وأن كل أمةٍ سكتت عن هذه الإبادة، ستُسجّل في صفحات العار إلى جوار القتلة. أما السودان، فسيبقى رغم جراحه بإذن الله ، كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه — رمزًا للعدل والصبر والإيمان، لا تقتله الخناجر، ولا يهزمه الغدر، ولا تميت روحه آلة قتلٍ عمياء.