آخر الأخبار

السودان يودع عاما من التحولات العسكرية ويستقبل آخر بأمل في وقف النار

 

النور أحمد النور

الخرطوم- يودع السودان عاما بقيت فيه الحرب مستمرة في البلاد، وزادت معاناة الشعب حزنا وألما وتشردا وشظفا في العيش، بعد انتقال المواجهات العسكرية من عاصمة البلاد ووسطها إلى غربها، ليبقى التفاؤل حذرا بأن يحمل العام الجديد أملا في بلوغ الأمن والسلام رغم قتامة المشهد العسكري والسياسي.

 

وشهد العام 2025 تحولات جوهرية في خريطة السيطرة الميدانية، حيث انتقل النزاع من الاشتباكات وتبادل السيطرة إلى مرحلة الترسيخ الإقليمي، مما أدى إلى واقع إداري وجغرافي جديد.

 

وخلقت التفاعلات العسكرية كتلتين في شرق البلاد وغربها، حيث بات الجيش السوداني مسيطرا على ولايات الشمال والوسط والشرق والعاصمة، بينما تنتشر قوات الدعم السريع في إقليم دارفور وأجزاء من ولايات كردفان الثلاث.

 

ومع اقتراب الحرب من نهاية عامها الثالث، تصاعدت الاتهامات بالتدخل الخارجي المباشر في حرب السودان، مما دفع قوى دولية وإقليمية ومراكز بحث إلى توصيف ما يجري بأنه حرب بالوكالة، حيث دخلت البلاد أسلحة متطورة وأعداد كبيرة من المرتزقة الأجانب، وبات الصراع يهدد الاستقرار الإقليمي وأمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي وساحله.

من الدفاع للهجوم

استطاع الجيش خلال 6 أشهر -منذ تحوله من حال الدفاع إلى الهجوم- أن يحدث تحولا عسكريا لافتا بإعادة السيطرة على ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة في وسط البلاد في يناير/كانون الثاني 2025، بعد أكثر من عام على دخول قوات الدعم السريع للمدينة.

 

وبعدما كانت قوات الدعم السريع تنتشر في أكثر من ثلثي مساحة ولاية الخرطوم، وتسيطر على مواقع عسكرية وسيادية أبرزها القصر الرئاسي، وأخرى حكومية مثل مجلس الوزراء وأغلب مقار الوزارات، تمكن الجيش من طردها منها خلال 3 أشهر، حتى خرج منها آخر مسلح في مايو/أيار 2025.

 

وخلال الفترة ما بين يناير/كانون الثاني ومايو/أيار الماضيين خرج الجيش منتصرا من معارك العاصمة وولايتي الجزيرة وسنار، مستفيدا من تراجع قوات الدعم السريع وتدهور الروح المعنوية لمقاتليها.

كما تمكن من إحراز تقدم سريع، واستعاد سيطرته على مناطق مهمة، منها مدينتا أم روابة والرهد، وفتح الطريق القومي بين الأبيض حاضرة ولاية شمال كردفان وولاية النيل الأبيض في وسط البلاد، حتى وصل إلى مدن كازقيل والحمادي والدبيبات في ولاية جنوب كردفان وهو في طريقه لفك الحصار عن الدلنج ثاني أكبر مدن الولاية.

 

ومع الزخم الذي صاحب العمليات في إقليم كردفان، توجّهت العمليات بكاملها إلى أم صميمة والخوي والنهود في ولاية غرب كردفان والجنوب من مدينة الأبيض، وباتت التوقعات تشير إلى اقتراب الزحف نحو دارفور لإنهاء حصار الفاشر من قبل قوات الدعم السريع.

غير أن عمليات الجيش شهدت جمودا في كردفان استمر نحو 3 أشهر، حسب الخبير العسكري أبو بكر عبد الرحيم، الذي أرجع ذلك إلى احتمالات أبرزها:

 

خطأ في تقديرات غرفة القيادة والسيطرة بإعداد قوات جديدة، وتجميع القوات التي شاركت في معارك العاصمة وولايتي الجزيرة وسنار.

نقص في الأسلحة والمعدات والعسكرية والمركبات القتالية، والقيام بعمليات تكتيكية انتظارا لوصول الإمداد العسكري.

الركون إلى مساع خارجية بطرح وساطات لوقف الحرب، مما أدى إلى تباطؤ العملية العسكرية والتراخي في التعبئة بعد تحرير الخرطوم.

ويرى الخبير العسكري عبد الرحيم في حديثه للجزيرة نت أن الجيش كان بإمكانه التوغل في عمق غرب كردفان وجنوبها والوصول إلى الفاشر إذا استغل انهيار قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة ثم هروبها من الخرطوم، لكنه سمح لها بالتقاط أنفاسها وترتيب أمورها والحصول على أسلحة متطورة، مما مكنها من تحقيق اختراقات مؤثرة في دارفور وكردفان.

مكاسب وخسائر

كان الحدث العسكري الأبرز في الربع الأخير من العام هو استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد حصار استمر نحو عامين، مما أدى الى إحكام سيطرتها على الإقليم عدا 3 محليات في شماله لا يزال الجيش والقوة المشتركة مسيطرين عليها، إضافة لمواقع أخرى توجد بها قوات حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.

 

لكن ما حققته قيادة الدعم السريع من مكاسب عسكرية في الفاشر دفعت ثمنه سياسيا وأخلاقيا، بإدانات دولية واسعة واتهامات بتصفية عرقية إثر ارتكاب قواتها مجزرة راح ضحيتها أكثر من ألفي مواطن خلال يومين، وارتفع العدد إلى 15 ألفا حسب تقديرات حكومة الإقليم.

 

وحفزت السيطرة على الفاشر قوات الدعم السريع على التقدم والسيطرة على مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان في أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري، قبل انسحاب الجيش من منطقة هجليج النفطية، الأمر الذي أدى إلى خروج الولاية من قبضة القوات العسكرية السودانية وتحولها إلى أول ولاية في إقليم كردفان تخضع لسيطرة كاملة للدعم السريع.

 

هذا التطور أعاد رسم ميزان القوى في كردفان، وفتح الباب أمام تصعيد عسكري في الإقليم الحيوي الذي يربط العاصمة وولايات وسط البلاد مع دارفور، حيث بدأت قوات الدعم السريع بنقل تعزيزات كبيرة إلى الجنوب، الذي يشهد بالفعل عمليات قصف وهجمات مشتركة مع الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، لاستهداف مدينتي الدلنح وكادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان المحاصرتين.

ولا تزال قوات الدعم السريع تنتشر في بارا وأم قرفة وجبرة الشيخ وأم سيالا شرق ولاية شمال كردفان، وتسعى لإعادة حصار مدينة الأبيض التي صارت مركز قيادة متقدم للجيش، وتستهدف أيضا قطع الطريق القومي الذي يربط المدينة مع ميناء بورتسودان لخنقها على طريقة الفاشر.

 

ويبدو أن الجيش يعد لعملية شتوية لقلب الطاولة، حيث أعلن عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للقوات المسلحة ياسر العطا، أنهم يعدون أكبر قوة عسكرية لتحرير إقليمي كردفان ودارفور، مؤكدا امتلاك الجيش أسلحة نوعية قادرة على إحداث تحول في مسار المعارك.

 

وأوضح العطا في خطاب بثه في 16 ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن “تدمير العدو أصبح بيدنا”، مشيرا إلى أن البلاد ستشهد أحداثا كبيرة خلال الأيام المقبلة، وأن الشعب السوداني مدعو للاستعداد للاحتفالات القادمة، في إشارة إلى ما وصفه بالانتصارات المرتقبة على أرض المعركة.

عام المسيرات

أظهرت العمليات العسكرية خلال الشهور الماضية استخدام قوات الدعم السريع طائرات مسيرة متطورة على نطاق واسع، مما حقق لها تفوقا نوعيا، كما حصلت على منظومات تشويش ودفاع جوي حيدت طيران الجيش المقاتل في سماء دارفور، وأسقطت طائرات شحن عسكرية فوق الفاشر وبابنوسة.

 

وأوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد حاتم كريم الفلاحي لقناة الجزيرة أنه خلال العام الأول للحرب 2023 نفّذ الجيش السوداني 280 ضربة بالمسيّرات على مواقع الدعم السريع، مقابل 10 ضربات فقط نفّذتها الدعم السريع.

 

لكنّ الوضع تبدّل بين عامي 2024 و2025، حيث تمكّنت الدعم السريع -بفعل المساعدات التي حصلت عليها- من تنفيذ ضربات على أماكن بعيدة وصلت حتى سواحل البحر الأحمر، مما يؤكد أن قدراتها وإمكاناتها العسكرية اختلفت وتطورت خلال هذه الفترة.

 

ووفقا للفلاحي، فإن الصور الفضائية التي أظهرت أنواعا مختلفة من المسيّرات المصنوعة في الصين، تجعل احتمال حصول الدعم السريع عليها بواسطة دول تتعامل مع الصين في مجالات التسليح واردا جدا، رغم أن صفقات التسليح بين الدول تحمل شروطا واضحة تحدد كيفية استخدام هذه الأسلحة.

 

ولفت إلى تقارير تؤكد حصول قوات الدعم السريع على مسيّرات معدّلة من صربيا، إضافة إلى الدعم الذي كان تتلقاه من مجموعة فاغنر الروسية منذ العام 2023 حتى منتصف 2024.

كما كشفت منصة القدرات العسكرية السودانية القريبة من الجيش أن الدعم السريع استخدمت في هجومها الأخير على الفاشر، طائرات مسيرة تم توجيهها بتقنية الألياف البصرية عبر “كيبل فايبر” دقيق يستطيع أن يمتد من الأرض حتى الهدف لأقصى مسافة تصل حتى 20 كيلومترا، لتدمير الدفاعات المتقدمة للقوات الصامدة بدلا من طرق التوجيه التقليدية.

 

وأكدت المنصة انتقال عناصر وخبرات قتالية غير نظامية من الساحة الأوكرانية إلى داخل السودان، وهو ما يعرف بانتقال الخبرة القتالية، وهي انتقال التكتيكات وأساليب القتال والخبرات التشغيلية للمنظومات من ساحة حرب نشطة الى أخرى عبر أفراد ومجموعات شاركت بالفعل في القتال في أوكرانيا.

 

وترى المنصة العسكرية المتخصصة أن النقل السريع للتكنولوجيا أدى إلى:

 

تسريع قدرات قوات الدعم السريع دون المرور بالمراحل التطويرية البطيئة التي تخضع لها الجيوش النظامية.

اختلال ميزان المعركة في بعض الجبهات نتيجة انتقال خبرات “ميدان ساخن” إلى بيئة جديدة أخف حدة.

تحويل السودان إلى ساحة اختبار لتقنيات قتالية وشبكات مقاتلين عابرة للحدود، وهو سلوك يهدد الأمن الإقليمي والدولي.

توسع قدرة المليشيا على تنفيذ ضربات دقيقة وعمليات نوعية، كانت تتطلب سابقا تدريبا ووقتا وإمكانات صناعية غير متوفرة محليا.

وفي المقابل حصل الجيش السوداني أيضا على طائرات مسيرة جديدة خلال العام، مكنته من استهداف خطوط إمداد قوات الدعم السريع في منطقة المثلث التي تربط السودان بليبيا ومصر، مما دفعها إلى تحويل خطوط إمدادها إلى تشاد.

كما أوقعت مسيرات الجيش خسائر بقوات الدعم السريع، خاصة وسط القادة الميدانيين في دارفور وكردفان، مستهدفة طائرات شحن في مطار نيالا ومستودعات أسلحة وأنظمة دفاع جوي وتشويش، ومعسكرات لتدريب المقاتلين الجدد.

 

سيناريوهات محتملة

يقول الخبير الأمني إبراهيم عبد القادر إن الطرفين استنزفا قدرتهما على تحقيق حسم عسكري شامل، وتوقع أن يبدأ الجيش حملة عسكرية خلال أسابيع في كردفان لتحسين موقفه التفاوضي، تزامنا مع الحراك الدولي والإقليمي لوقف الحرب.

 

ويقول الخبير الأمني للجزيرة نت إن المؤشرات تتجه إلى استخدام أكثر للمسيرات لخلق تفوق جوي، مع منع تقدم الجيوش في مختلف المحاور، مما يعني شل حركة الطرف الآخر.

 

وحسب الخبير فإن مطلع العام الجديد سيشهد تغييرا في طبيعة الحرب، سواء من الاستنزاف وضرب خطوط الإمداد، أو من التمدد على الأرض في المدن وتأمين نفوذ سياسي وجغرافي.

انتعاش سياسي

وعلى الصعيد السياسي انتعشت الجهود السياسية لوقف الحرب بعد جمود أكثر من عام، منذ تعليق مفاوضات جدة في نهاية العام 2023.

 

وفي 12 سبتمبر/أيلول الماضي، طرحت المجموعة الرباعية -التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات- خطة تدعو إلى هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تقود إلى وقف دائم لإطلاق النار، ثم عملية انتقالية جامعة وشفافة خلال 9 أشهر، تحقق تطلعات الشعب السوداني نحو حكومة مدنية مستقلة.

 

وفي السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت قوات الدعم السريع في السودان موافقتها على الهدنة، في حين ردت الحكومة السودانية برؤيتها التي سلمتها إلى الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي، وحملت مطالبها للسلام.

 

وبطلب من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تحدّث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن قضية السودان أمام منتدى الاستثمار الأميركي السعودي، الذي استضافته واشنطن في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث قال ترامب إن الأمير طلب منه أن يتدخّل لحلّ قضية السودان بشكل قوي جدا.

 

وزار رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الرياض ثم القاهرة في منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري، وناقش مع ولي العهد السعودي مقترحات جديدة لإنهاء الحرب في البلاد، كما بحث مع الرئيس عبد الفتاح السيسي فرص تسوية الأزمة.

 

ويرجح مراقبون أن تشهد الشهور الأولى من العام الجديد تطورات إيجابية نحو توقف البنادق، وإقرار هدنة تفتح الباب لإنهاء الحرب وإنجاز ترتيبات أمنية وعسكرية وسياسية تعبر بالبلاد إلى مرحلة جديدة.

حكومة الأمل

ظل منصب رئيس الوزراء في البلاد خاليا منذ استقالة رئيس الحكومة عبد الله حمدوك في بداية عام 2022، وخلال هذه الفترة تقاسم أعضاء مجلس السيادة العسكريون والمدنيون الإشراف على الوزارات، التي كلّف غالبية وكلائها بتسيير مهام الوزراء، بينما ظل 5 وزراء يمثلون الحركات المسلحة في مواقعهم.

 

وسبق اختيار منصب رئيس الوزراء مصادقة المجلس التشريعي المؤقت -المكون من مجلسي السيادة والوزراء- على تعديلات على الوثيقة الدستورية أقرت في فبراير/شباط الماضي، سمحت لرئيس مجلس السيادة المؤقت عبد الفتاح البرهان تسمية رئيس وزراء مع امتلاك سلطة عزله.

 

وفي 31 مايو/أيار الماضي، أدى كامل إدريس اليمين الدستورية رئيسا جديدا لمجلس الوزراء أمام البرهان، الذي أصدر في 19 من الشهر ذاته مرسوما بتعيينه.

 

وبعد شهور على تسلم إدريس مهامه، تصاعدت في المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي انتقادات لأداء الحكومة الجديدة التي أطلق عليها إدريس “حكومة الأمل”، في تطور يعكس الفجوة بين تطلعات المواطنين ودور الحكومة بتحسين أوضاعهم التي تأثرت بالحرب المستمرة في بلادهم.

 

الوضع الإنساني

بحسب أحدث بيانات الأمم المتحدة، يواجه ما لا يقل عن 21.2 مليون شخص مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما نزح 9.5 ملايين داخليا، وفرّ ما يزيد عن 4 ملايين و35 ألف شخص إلى خارج البلاد، في حين حُرم نحو 10 ملايين طفل من التعليم، بعد تدمير المدارس أو احتلالها أو تحولها إلى مناطق غير آمنة.

بينما أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث عن انخفاض عدد النازحين داخليا في السودان بنسبة 19%، مقارنة بأعلى مستوى سبق تسجيله، ومشيرة إلى أن الانخفاض شمل 12 ولاية من أصل 18.

 

كما ارتفع عدد العائدين بنسبة 16% مقارنة بشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث سجلت المنظمة عودة نحو 2,4 مليون شخصا من النزوح الداخلي، وهو ما يمثل 21% من أعلى عدد مسجل للنازحين داخليا في السودان.