آخر الأخبار

صحفي مشهور يروي تفاصيل غريبة ومروعة عن إعتقاله وتعذيبه من المليشيا (1)

  • وجبات من التعذيب داخل معتقل المليشيا بالصالحة
  • أوثقوا يدي من الخلف بحجر يزن كيلو وعلقوني من خاصرتي عل خشبة مشنقة
  • قذفوا بي كالخروف داخل كونتينر ففوجئت بوجود عشرات المعتقلين تحولوا لهياكل عظمية من الجوع والتعذيب

 

كثيرون تعرضوا للإعتقال والتعذيب والقهر والقتل من المليشيا المتمردة لكن ما تعرض له الصحفي السوداني المشهور (بهاء الدين أبو القاسم عبد الله آدم) والذي عمل بالعديد من الصحف الورقية قبل الحرب ومحطته الإعلامية الأخيرة المستشار الإلامي للمجلس الهندسي بالخرطوم.. الصحفي (بهاء الدين) تعرض لصنوف من التعذيب والإيذاء الجسدي والنفسي يفوق الوصف.. 15 يوما قضاها داخل كونتينر في معتقل للمليشيا يطلق عليه (معتقل التعذيب) بصالحة جنوب غرب امدرمان ذاق خلالها ما يعجز القلم عن وصفه لبشاعة ما تعرض له من قهر وتعذيب وإساءة لدرجة أنهم هددوه إذا لم يعترف انه تابع للإستخبارات العسكرية فإنهم سوف يكسرون أصابعه التي تكتب عنهم وتسيئ لهم في مواقع التواصل الاجتماعي وفعلا نفذوا تهديدهم فضربوه في يديه خاصة اليمنى حتى شلت يده.. خص (أصداء سودانية) برواية ما حدث له أثناء إعتقاله بواسطة المليشيا المتمردة وتفاصيل وأساليب التعذيب التي مورست معه ثم مغامرة هروبه منهم حتى بر الأمان.. فلندعه يحكي بنفسه على حلقات تفاصيل هذه المأساة الموجعة.

 

رهن الإعتقال:


إعتقالي كان يوم جمعة عندما كانت مليشيا الدعم السريع تحتل منطقة صالحة جنوب غرب امدرمان، وكنت وقتها أستعد لصلاة العصر حيث انني مؤذن المسجد بالحي.. وبينما كنت أهم بمغادرة المنزل إقتحمه عدد من الدعامة المسلحين وكان معي بالمنزل أطفالي الصغار الثلاثة: (نادر ــ بكري ــ مصطفى)، وهم يرافقونني دائما للصلاة بالمسجد، بينما كانت أمهم زوجتي (هيام غريب الله يوسف) عند الجيران.. إقتحم المنزل حوالى 10 من أفراد المليشيا المتمردة المدججين بالسلاح، وقال لي قائدهم: (انت منو؟).. أجبته بقولي: (بهاء الدين ابو القاسم).. قال بلهجة غاضبة: عارف.. شغال شنو يا كلب؟.. وقبل ما أجيب عليه، قال: “صحفي ومستشار الإعلام بالمجلس الهندسي مش كده يا فلول، وأعرف ان المجلس الذي تعمل به تابع لمجلس الوزراء، ياكوز يافلول.. وكان يحمل كرة تنس في يده قذفها في بطني بقوة ومن شدة الضربة وألمها وقعت على الأرض، فاخذ أطفالي يصرخون ويبكون، فأخذهم أحد الأوباش بقسوة وعنف إلى خارج المنزل، حيث إصطحبهم أحد أبناء الحي لمنزله وهم يبكون.. بعدها عاثوا في المنزل فسادا (نكشوا) الهدوم من الدواليب وألقوها أرضا بحثا عن لبس كاكي او سلاح او بطاقات عسكرية، حسب قولهم، فلم يجدوا شيئا سوى كل ما يثبت انني مواطن سوداني، عثروا على أرقام وطنية وشهادات وموبيلات لابتوب وغيرها من المقتنيات الثمينة التي تخص زوجتي.. بعدها قاموا بعصب أعيني ووثقوني بحبل متين وقدفوا بي كالخروف في صندوق إحدى عرباتهم التاتشر مع الركل والضرب بوجهي وبقية أجزاء جسدي.
وجبات من التعذيب:
صارت العربة تنهب بنا الأرض نهبا من المنزل بـ(صريو) جنوب الجامعة الإسلامية بامدرمان، وجغرافيا تعرف بإسم (صالحة شرق) وهي قريبة من النيل.. وعرفت فيما بعد بأننا في ساحة الجامعة الإسلامية وهناك اقاموا لي حفل استقبال، ركلا بالأرجل وضربا بخرطوش أخضر يستعمل في توصيل المياه قد يكون سمكه٤ او٥ بوصة.. بعدها أنزلوني من صندوق التاتشر وأدخلوني داخل كونتينر شديد البرودة حيث كان إعتقالي متزامنا مع فصل الشتاء، فشاهدت داخله هياكل عظمية أشباح بشر كالاموات جراء الجوع والتعذيب، وهم من مختلف الفئات والأعمار، تجار،عساكر من الشرطة، وشباب.. قذفوا بي لداخل الكونتينر وأغلقوا الباب وراءهم وهم يتضاحكون، كان المهاويش سكارى ومساطيل بالمخدرات والحبوب المخدرة.
كنا نتلقى في اليوم 3 وجبات من التعذيب لدرجة ان بعض المعتقلين لم يتحملوا الضرب والإهانة والذل فدخلوا في غيبوبة، وكنت حقيقة أخشى كثيرا على حياتي لعدم إحتمال صمودي للتعذيب والقهر الذي كانوا يقدمونه بمعدل 3 مرات يوميا كما ذكرت، لأنني كنت مصابا بالسكري والضغط.. اما الوجبات الغذائية التي كانوا يقدموها للمعتقلين داخل الكونتينر فهي عبارة عن مكرونة فاسدة مسلوقة أضافوا لها كمية كبيرة من الملح، تفوح منها رائحة كريهة للغاية، واحيانا يستبدلونها بعدس غير ناضج تماما وهو فاسد أيضا، تفوح منه رائحة (العطن والعفن)، وهي وجبة واحدة في اليوم، وكنا نتناولها مجبرين غصبا عنا حتى لا نموت من الجوع.. وكنا نتبول داخل الكونتينر، اما أنا صراحة كنت اتبول أحيانا على ملابسي لإصابتي بالسكري كما ذكرت.. ورغما عن ذلك كان جميع المعتقلين يواظبون على الصلاة، كنا نصلي في أي وقت بتقدير وقت كل صلاة، فالجنجويد لا يصلون ولا يعرفون الله، وكنا نتيمم داخل الكونتينر بالتراب العالق بأرضيته، وللضرورة احكام.
وبين فترة وأخرى يفتحون باب الكونتينر ويقذفون بأحد المعتقلين أشبه بالجثة الهامدة لا يتحرك ولا يتكلم بل يكون جاحظ العينين من هول ما تعرض له بعد أن تلقى جرعة التعذيب الخاصة به وكان لا يقوي على الوقوف على رجلية من فرض الضرب والتعذيب بينما هم يتضاحكون وسيبوننا بالفاظ نابية لا يمكنني ذكرها لكم لأنها خادشة للحياء وللدين.. وبعد ان يدخلوا المعتقل الجديد لا ينسون تقديم وجبة دسمة لقدامى المعتقلين داخل الكونتينر من الضرب بالسياط وخراطيش المياه الغليظة، والركل والصفع، وإذا أصدر أحد المعتقلين ولو أنينا خافتا من الألم يفرضون عليه وجبة إضافية من الضرب والتعذيب.. وبعد إنصرافهم وإغلاق باب الكونتينر خلفهم بإحكام يقوم بعض المعتقلين ممن لديهم القليل من القوة بمساعدة المعتقلين الجدد على شرب الماء الملوث الذي يقدمونه لنا بكميات قليلة، بجانب مساعدتهم على تناول العدس والمكرونة الفاسدين حتى لا يموتوا من الجوع.

 تحقيق امام مشنقة:

مشنقة
التحقيق معي كان يتم داخل حرم جامعة امدرمان الإسلامية الموازي لشارع الأسفلت الذ يربط صالحة بالخرطوم.. هنالك رأيت مشنقة منصوبة عليها حبل غليظ وأمامها كرسي يجلس عليه المحقق، وكان وقتها يمسك سيجارة بنقو وبيده الأخرى علبة بيرة.. عندما وقفت امامه مكبلا لم يقل لي شيئا، بل كان ينظر لي شذرا بإحتقار وكراهية.. وفجأة قام بإطلاق مجموعة من الرصاص من مسدسه تحت أرجلي ثم نهض من كرسيه، وكان يترنح من السطل وأظن انه كان مخمورا أيضا، وقال لي بصوت تهديدي: انا هنا كاتل (10) من الفلول، انت من متين في الاستخبارات يا (إبلدة)؟.. فقلت له: (أنا صحفي ولا أنتمي للإستخبارات او أي جهة عسكرية أخرى).
هنا قال قائدهم الذي كان يحقق معي بنفسه: سأوفر لك كل الأجهزة لعمل فيديوهات تمتدح الدعم السريع، وتقلل من انتصارات الجيش.. فقلت للقائد الذي كان مشهورا بسفك الدماء: (لن أعمل معكم حتى لو طلبتم مني حفرت بنفسي.. وقتها كنت أردد بيني وبين نفسي: (فأما حياة تسر الصديق.. واما ممات يغيظ العدا)، وبعد رفضي أخذ يرمقني بعينين وكأنها من جمر بينما المسدس بيده وعلبة بيرة حجم عائلي كبير بيده اليسرى، ما عارف ملطوشة من اي سفارة، وما يغيظه أنني لم أرتعب او أذعن لمطلبه فرفع مسدسه وصوبه نحو رأسي، لحظتها أدركت أنني هالك لا محالة، فأخذت أردد في الشهادة عدة مرات في سري، وفجأة أنزل المسدس ولم يطلق منها رصاصة ولو أطلقها لكانت ستكون (رصاصة الرحمة) وتخليصي من العذاب والقهر
بعدها لم اشعر سوى بالخراطيش الغليظة والسياط المؤذية حيث كان على راسها يربطون صامولة تنهال على بقوة وقسوة على ظهري وصدري.. بعدها قام بعض أفراد المليشيا بربط يدي الاثنين إلى الخلف ثم وضعوا حجرا كبيرا ثقيلا على الحبل حتى يوثقوه بإحكام، ثم سكبوا على جسدي جردل ماء بارد وكانت درجة الحرارة متدنية وقتها فقد كنا في فصل الشتاء، ثم تركوني مقيدا وسط الفضاء الواسع، ارتجف من البرد حتى شعرت بأن روحي قد تفارق جسدي في لحظة لذلك كنت أردد الشهادة والتي كانت تخرج من فمي متقطعة بسبب إنهاكي من الضرب وتقييد الايدي والبرد.. وأحيانا كان يحقق معي شخص أجنبي لكنته عربية لكنني لم أعرف لأي دولة ينتمي.. سقاه وسقاهم الله من العذاب الذي عذبوني له، وشلت يداهم بعد ان تسببوا في شلل أصابعي.. فأصابعي العشرة تأثرت من ربط الأيدي من الخلف ووضع حجر كبير يزن أكثر من ثلاثين كيلو مربوط بحبل علي خاصرتي، ويتم رفعي بعدها بواسطة اثنين من عتاولة الجنجويد في أعلى خشبة المشنقة لأبقى معلقا أتارجح في الهواء، وقتها تلوت الشهادة كنت اعتقد أنهم سوف يشنقونني.. لكن كان ذلك لغرهابي فقط بهدف إنتزاع الاعتراف مني بأنني (كوز) وتابع للاستخبارات.. بعدها فقدت الوعي وأصبحت (خارج التغطية) تماما لا أحس بأي شيء من حولي، بعد ان أصبح جسدي لا يقوى على حمل الحجر ثقيل الوزن الذي ربطوه بيدي الاثنين حتى الإبهام قاموا بربطه بالحبل الثقيل وكان ذلك يؤلمني كثيرا لدرجة أنني أصبحت لا أشعر بيدي الاثنين خاصة، فأعادوني بعد هذه الوجبة الدسمة من التعذيب والتنكيل لمعتقلنا داخل الكونتينر البارد كثلاجة الفواكه.

نواصل