إمام ومؤذن يرتكبان جريمة غريبة غير مسبوقة داخل مسجد!!
أشهر الجرائم والقضايا بالمحاكم السودانية.. (2):
- حكما على الشاهد الوحيد بالشنق حتى الموت حتى لا يكتشف أمرهما
- الأستاذة راشدة إسماعيل المحامي: قاتل الروح ما بروح
- كيف توصلت الشرطة لكشف لغز هذه الجريمة الغامضة؟
- لماذا إعترف الجانيين بجريمتهما الأولى رغم قتلهما الشاهد الوحيد؟!
- الأستاذة راشدة إسماعيل المحامي.. قاتل الروح ما بروح
تحقيق: التاج عثمان
جرائم وقضايا تعد الأشهر والأغرب في تاريخ القضاء السوداني بسببها شهدت قاعات المحاكم جلسات عاصفة وجدل قانوني محتدم بين ممثلي الادعاء ومحاميي المتهمين.. ومن خلال نشر حيثيات القضايا ومرافعاتها ودفوعاتها داخل أروقة المحاكم المختلفة نهدف لتقديم ثقافة قانونية رفيعة للقراء والمحامين الجُدد وطلاب وطالبات القانون
جريمة شاذة
الجريمة التي نتناولها من خلال هذه الحلقة الثانية، جريمة شاذة وغريبة، هزت كل المجتمع السوداني عند إكتشافها.. وفتحت بابا واسعا للنقاش والجدل وسط علماء الجريمة والمحللين النفسانيين لطبيعتها غير المألوفة والتي لا تشبه بقية الجرائم، ولكونها دخيلة على مجتمعنا السوداني المتدين المحافظ.. وإليكم التفاصيل:
مسرح الجريمة، للأسف، بيت من بيوت الله بقرية نائية بإحدى الولايات أهلها عرفوا واتصفوا بالتدين والتمسك بأخلاق الإسلام وتعاليمه السمحة.. فذات يوم وقبل موعد حلول آذان الصبح توجه مؤذن مسجد القرية كعادته كل يوم لرفع آذان الصلاة ثم لحق به إمام المسجد.. وقتها كان رجل مسن يسكن بالقرب من المسجد في طريقه أيضا للمسجد يتأهب لصلاة الصبح وعند دخوله لم يصدق ما شاهده أمامه.. شاهد بأم عينيه إمام المسجد والمؤذن يمارسان الفاحشة داخل بيت الله.. ومن هول ما رأى لم ينبس بكلمة سوى: “أعوذ بالله.. أعوذ بالله”.. ثم خرج مسرعا وجلس على عنقريب تحت مظلة المسجد الخارجية واضعا يديه على وجهه غير مصدق ما شاهده يحدث أمامه للتو واللحظة.. فانتبه له الزانيان وأحسا بوجوده وأيقنا بما لا يدع مجالا للشك كشفه للفعل المنكر الذي كانا يمارسانه وقت دخوله المسجد، فخرجا وهما يضمران شرا تجاه المسن الشاهد الوحيد لجريمتهما النكراء.
شنق الشاهد
وقبل ان يحين موعد الآذان اتفقا على قتل المسن لطمس جريمتهما بقتله وكل جُرمه انه شاهد العيان الوحيد على فعلتهما المنكرة وحكما عليه بالقتل شنقا حتى الموت، وتم الاتفاق على تنفيذ الجريمة داخل المسجد، ثم خرج المأذون ومر في طريقه بالمسن ولم يتحدث له بل توجه فورا لمنزله القريب والذي لا يبعد سوى خطوات قليلة من المسجد وعاد وبمعيته حبلا غليظا نصبا منه مشنقة، وكان المسن وقتها لا يزال يعاني من صدمة المشهد، فانقضا عليه وحملاه بالقوة ووضعاه على الحبل دون مقاومة تذكر منه لكبر سنه وأحكما الحبل على رقبته وقاما بشنقه فلفظ أنفاسه الأخيرة في سويعات قليلة!!.. وتركاه معلقا هكذا ثم توجها لنقطة الشرطة وابلغاها أنهما عندما حضرا للمسجد قبل موعد آذان صلاة الصبح عثرا على رجل مسن إنتحر بشنق نفسه بحبل مربوطا بمظلة المسجد الخارجية.. وعلى الفور حضرت الشرطة وعاينت مكان الحادث وقامت بتحرياتها حيث اتصلت بأهل المسن القتيل فتعرفوا عليه وذكروا أنه عادة يخرج كل يوم باكرا قبل آذان الصبح ويتوجه للمسجد للصلاة، ولا يمكن ان يكون قد شنق نفسه فلم تعترضه اية مشاكل او خلافات في حياته تجعله يقدم على الانتحار.
غموض الجريمة
ورغم الغموض الذي أحاط بالجريمة فلم تتوجه شكوك المحققين بأصابع الإتهام لإمام ومؤذن مسجد القرية إطلاقا، فإستمرت التحريات حتى شكوا في نهايتها في الإمام والمؤذن نتيجة لمعلومات توصلوا إليها لبعض الشبهات اللا اخلاقية التي احاطت بشخصيتهما، خاصة بعد تأكيد أهل القرية أن المسن لا يمكن ان يشنق نفسه فقد كان مشهورا بالورع والتقوى يذهب مبكرا للمسجد لتلاوة ما تيسر له من القرآن الكريم قبل صلاة الصبح، وليس له عداوة مع أحد من سكان القرية.. ولذلك حامت الشكوك حول الإمام والمؤذن وعند مواجهتهما بالجريمة انكراها.. وحتى تلك اللحظة ظلت جريمة ممارسة الفاحشة غير معروفة للشرطة، ولكن بمزيد من التحريات مع المتهمين وفي مسرح الجريمة ـ المسجد ـ إنهار المؤذن واعترف بارتكابه جريمة شنق المسن بالإشتراك مع إمام المسجد والذي لم يجد وسيلة بعدها من الإعتراف بجريمة قتل المسن شنقا!!.. وعند سؤالهما عن دوافع جريمتهما لقتل المسن إنهارا للمرة الثانية وكشفا عن جريمتهما الأولى، حيث إعترفا، وسط دهشة وإستغراب المحققين أنفسهم، أنهما بينما كانا يمارسان الفاحشة داخل المسجد شاهدهما الرجل المسن وحتى يداريا فضيحتهما إتفقا على كتم أنفاسه للأبد بصفته الشاهد الوحيد على جريمتهما النكراء فقاما بقتله شنقا حتى الموت.
شطارة التحري
الأستاذه راشدة إسماعيل مكي أحمد المحامي وموثق العقود بالخرطوم بحري، تعلق على هاتين الجريمتين غير المسبوقتين بقولها:
“هذه الجريمة لم أترافع فيها لكنني كنت متابعه لها لغرابتها.. وهي في الحقيقة جريمة مركبة، الأولى جريمة ممارسة الفاحشة وطرفاها إمام المسجد والمؤذن، والثانية جريمة مكملة للأولى وهي قتلهما المسن شاهد العيان الوحيد في الجريمة الأولى.. وفي فهمي أن التحري كان ماهرا وإستطاع ان يصل للهدف الأساسي من جريمة القتل، حيث توصلت التحريات عدم وجود عداوة بين المسن ــ القتيل ــ والإمام والمؤذن ــ مرتكبا الجريمة ــ ولا بينه وبين أحد سكان القرية، وبالتالي أصبح الوصول للسبب الأساسي لإرتكاب الجريمة قبل إعتراف الجانيين صعبا ودوافع القتل غامضة، فالعقدة في هذه الجريمة عدم وجود شاهد على قتل المجنى عليه ــ المسن ــ وفي نفس الوقت لا يوجد شاهد لممارسة جريمة الفاحشة سوى الرجل المسن .. وفي فهمي القانوني فإن التحري الذي تابع هذه القضية الغريبة تحري قوي الملاحظة ولم يترك لا شاردة ولا واردة في مسرح الجريمة لم يقم بفحصها، حيث راجع التحري اقوال المتهمين في بلاغ قتل المسن بانهما إتفقا في اقوالهما في البلاغ: “انهما عندما توجها للمسجد شاهدا رجل مسن (شانق) نفسه”.. هنا توقف المتحري في قولهما (شانق نفسه) فتسائل المتحري بينه وبين نفسه: “كيف عرف إمام ومؤذن المسجد ان الرجل المسن شنق نفسه رغم انهما ذكرا بعد ذلك في اقوالهما للمتحري انهما عندما حضرا للمسجد لصلاة الصبح وجدوه معلقا على الحبل ميتا؟!!، فالتقط التحري الشاطر هذا التضارب في اقوالهما.. بعدها وللمزيد من لملمة خيوط القضية المعقدة إنتقل التحري للقرية التي ينتمي إليها الجانيين والقتيل، وبسؤال عدد من سكان القرية حول سيرة المتهمين أوضح لهما البعض ان الإمام والمؤذن سيرتهما مشكوك فيها لبعض الشبهات اللا اخلاقية، وبالتالي حامت الشبهات حولهما، فضيقا عليهما الخناق، ورغم رفضهما في البداية الإفصاح عن دوافع قتلهما الرجل المسن إلا انهما في النهاية إنهارا وإعترفا بانهما قتلا المجني عليه لكشفه واقعة ممارستهما الفاحشة داخل المسجد وبالتالي أصبح هو الشاهد الوحيد على جريمتهما الأولى”.
وتواصل الأستاذة راشدة تعليقها على هذه القضية الغريبة بقولها: “كان في فهم المتهمين ان قتلهما الرجل المسن الشاهد الوحيد على جريمة الفاحشة سوف يطمس معالم جريمتهما وبالتالي تتجه مجريات التحري واصابع الإتهام لمنحى آخر خلافهما، حيث إعتقدا أنهما فوق الشبهات لكونهما إمام ومؤذن مسجد.. لكن كما ذكرت ان التحري في هذه القضية (شاطر) نجح بمهارة فائقة تجميع خيوط القضية وفك عقدتها.. وكما أذكر قضت المحكمة بالإعدام شنقا حتى الموت على إمام ومؤذن المسجد لإرتكابهما جريمة القتل العمد.. ومعلوم ان عقوبة جريمة الفاحشة السجن (5 ــ 10) سنوات.. ومن وجهة نظري الخاصة وردا على سؤالك، فإن الإمام والمؤذن لو لم يتم إكتشاف جريمتيهما لواصلا رفع الآذان وإمامة المصلين لأنهما بلا وازع ديني ولا أخلاق أصلا! .. عموما أختم تعليقي على هذه الجريمة التي شغلت الرأي العام السوداني وقتها بالمثل السوداني القائل: (قاتل الروح ما بروح)”.