رياح الأشرعة

قصة

 

صفية عبد الله أحمد / جيبوتي 

كلما داعبت رياح الماضي أشرعة ذاكرتي.. وأخذني الحنين على جناحيه ليحلق بي بعيداً نحو فضاء الأمس الجميل .. جالت بخاطري وتراءت لعيني أطياف أنيسة.. سكنت الروح والفؤاد.. وطبعت وجوههم على جنبات القلب.. وجروا مني مجرى الدم.. هذه الأطياف التي جمعتني بهم أجمل الأوقات وربطتني معهم أقوى الروابط وأمتنها، جمعتنا معاً صداقة بريئة نزيهة شفافة يشهد التاريخ لنقائها وصفاءها وعفويتها.. شربنا معاً كؤوس الفرح والهناء.. وتقاسمنا الأماني ونقشنا أحلام مستقبلنا على ضوء القمر وغصنا معاً في بحور الغد واخترنا أعلى المناصب فهذا طبيب أطفال مشهور وذاك مهندس إلكتروني وطيار بارع، وهذه إعلامية لامعة تضيء كلماتها صفحات أشهر الصحف والمجلات، وتلك سكرتيرة لأضخم الشركات العالمية، كانت ليالي الصيف الدافئة تجمعنا لنتشارك قراءة الكتب الثقافية والعلمية والادبية، وكنا معاً ننظم أمسيات ثقافية تتخللها مساجلات شعرية ومسابقات قرآنية وكنا نطلق على تلك الأمسيات “ليالي السمر” ومن فرط سعادتنا بها سرعان ما كانت تنتهي تلك الإجازات الصيفية المفعمة بالنشاط والحيوية لتفتتح المدارس أبوابها من جديد وليبدأ الجد لتقل اللقاءات ولكنها لا تنتهي، وعندما تستعصي نتبادل الرسائل كي لا تضعف صداقتنا ولا تكون فريسة للنسيان والإهمال، مازلت أشعر بتلك اللهفة التي كانت تتملكني وتعتريني عندما أقرأ رسائلهم ومازال عطرها يفوح من أعماقي ومازال قلبي يرقص من الفرح كلما مررت بالأماكن التي كانت تجمع شملنا كأني سألتقي بهم من جديد، لكن الحزن يعصر قلبي المسكين حين أرى الأطلال خالية منهم، اشتقت إلى تلك الأيام التي جمعتنا معاً، ولم تفرقنا إلا مشاغل الدنيا ولكن مهما ابتعدت أجسادنا عن بعضنا مازالت القلوب تجتمع في رحاب الذكريات الجميلة، ومن بساتين الذكريات قطفت هذه الأبيات الندية وأهديها إلى هؤلاء الذين عشت معهم أجمل سنين العمر التي قلّ أن يجود الزمان بمثلها ثانية:-
فداكم العين والروح والفؤاد
يعز علي الفراق والبعد والبعاد
لوعة للمشتاق نيران تتأجج في الفؤاد
متى نلتقي ثانية متى نجدد الميعاد.