تصفية مئات المدنيين في مجازر بشعة بالفاشر
نفذت ميليشيا الدعم السريع إعدامات ميدانية واسعة النطاق في مدينة الفاشر، راح ضحيتها مئات الأشخاص، في واحدة من أكبر عمليات الانتقام التي يشهدها السودان خلال حربه الحالية بين الجيش والميليشيا.
وأفادت تقارير حقوقية أممية بأن نحو 1,850 مدنيًا قُتلوا في شمال دارفور، بينهم ما لا يقل عن 1,350 في مدينة الفاشر وحدها، مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة الحجم الحقيقي للضحايا بسبب ضعف الاتصالات وصعوبة الوصول إلى المناطق المتأثرة.
وسيطرَت الدعم السريع الأحد الماضي على المدينة بعد نحو 550 يومًا من الحصار المستمر، في وقت يقول فيه الجيش إنه انسحب من المدينة لدواعٍ تتعلق بحياة المدنيين ومنع تدمير المدينة.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقارير متعددة ومقلقة تفيد بأن قوات الدعم السريع تنفذ فظائع، بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من مدينة الفاشر المحاصرة في شمال دارفور ومدينة بارا بولاية شمال كردفان خلال الأيام الأخيرة.
وقالت شقيقة جندي في الجيش السوداني انسحب مع بقية القوات خارج الفاشر لـ”سودان تربيون” إن شقيقها الآخر ووالدتها قُتلا.
وأفادت أن أحد الجنود، وهو صديق لشقيقها، أبلغها بمقتل أخيها ووالدتها على يد عناصر الدعم السريع التي نفذت عمليات إعدام واسعة بحق المدنيين وقتلت أكثر من ثمانمائة شخص وفق إفادات تلقوها من مصادر متعددة في المدينة.
وطلب الجيش في بيان بتوقيع المتحدث الرسمي العميد عاصم عوض، يوم الثلاثاء، من وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية توثيق جرائم الدعم السريع.
ووثق جنود يتبعون للدعم السريع عمليات إعدام مباشرة لعشرات الأشخاص، تم بثها في مقاطع فيديو انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، شملت إعدامات ميدانية بإطلاق النار عليهم مباشرة، بعد إذلالهم وإجبارهم على تمجيد ومدح الدعم السريع وقيادته.
وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان إن ميليشيا الدعم السريع ارتكبت، ولا تزال، عمليات قتل عنصري وترويع ممنهجة ضد المدنيين العزل، بمن فيهم النساء والأطفال وكبار السن، “في مشاهد صادمة يوثقها مرتكبوها بفخر ووقاحة كاشفةً عن طبيعتها الإجرامية التي تمارس سفك الدماء والإرهاب” – حسب البيان.
وكشف أقرباء لأشخاص من المدينة عن مصير مجهول لمئات الأطفال الذين أخذتهم قوات الدعم السريع إلى أماكن غير معلومة، وسط مخاوف من تصفيتهم.
وقالت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة “يونيسيف” في وقت سابق إن تصاعد العنف في الفاشر يشكل خطرًا بالغًا على نحو 130 ألف طفل ما زالوا محاصرين وسط اشتباكات عنيفة وقصف متواصل ونقص حاد في الغذاء والمياه الصالحة للشرب والدواء.
وفي سياق متصل، شهدت أحياء في الفاشر، بينها “الإنقاذ” و”العظمة”، تصفيات ميدانية للمدنيين بتهم التعاون مع الجيش السوداني، كما جرت عمليات قتل مباشرة لعدد كبير من المصابين والمرضى في المستشفى السعودي.
وبعد إعلان الدعم السريع السيطرة على الفاشر مطلع هذا الأسبوع، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إنه يشعر بـ”قلق عميق” إزاء التقارير التي تفيد بأن المقاتلين يواصلون التقدم داخل المدينة ويقطعون طرق الهروب.
وكان نائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو قال في تصريح من الفاشر إنهم “ملتزمون بتوفير ممرات آمنة لكل الراغبين في الانتقال إلى أماكن أخرى، بالإضافة إلى الحماية اللازمة لكل المتواجدين في المدينة”.
تنديد أممي
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة عن بالغ قلقه إزاء التصعيد العسكري الأخير في مدينة الفاشر، مندداً بشدة بالتقارير التي تشير إلى ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، بما في ذلك الهجمات العشوائية، واستهداف المدنيين والبنية التحتية، والعنف القائم على النوع، والانتهاكات ذات الطابع العرقي.
وأكد المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، خلال الإيجاز الصحفي اليومي يوم الثلاثاء أن مدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها تعيش منذ أكثر من 18 شهرًا أوضاعًا إنسانية كارثية، حيث يرزح مئات الآلاف من المدنيين تحت حصار مشدد تفرضه قوات الدعم السريع، وسط انتشار المجاعة والأمراض والعنف الذي يحصد الأرواح يوميًا.
وجدد الأمين العام مطالبته بإنهاء الحصار فورًا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل آمن وسريع ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين. كما أعرب عن بالغ قلقه من استمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان، محذرًا من أن ذلك يفاقم الأزمة المتدهورة بالفعل، وداعيًا إلى وقف فوري لهذا التدفق.
وفي سياق موازٍ، ذكر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه تلقى تقارير عن إعدامات بإجراءات موجزة للمدنيين الذين يحاولون الفرار، مع مؤشرات على وجود دوافع قبلية لعمليات القتل، وكذلك قتل أشخاص لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية.
وأظهرت مقاطع فيديو متعددة ومقلقة – تلقاها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان – عشرات الرجال العزل يتعرضون لإطلاق نار، أو جثثهم ملقاة على الأرض، محاطين بمقاتلي قوات الدعم السريع الذين يتهمونهم بأنهم مقاتلون تابعون للقوات المسلحة السودانية.