آخر الأخبار

هز ذيل الكلب… وفشل الجهود الامريكية في حل نزاعات ليبيا والسودان (١-٢)

 

د. كرار التهامي 

(في زمن الإعلام لا تهم الحقيقة يهم مايراه الناس على الشاشات ويصدقونه)

‎ كونراد براين

*قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، انفجر خبر فضيحة جنسية تخص الرئيس، مما هدد بإسقاطه سياسيًا فقرر مستشاره الإعلامي الذكي أن يصنع حدثًا ضخمًا لصرف انتباه الناس عن الفضيحة فاستعان بمنتج أفلام شهير وطلب منه أن “يُخرج” حربًا وهمية ضد ألبانيا حرب لا وجود لها إلا على شاشات التلفزيون.

*أنتجوا مشاهد مزيفة لضحايا ولاجئين وصور دمار مصطنعة بثّوها عبر وسائل الإعلام وكأنها حرب حقيقية نظموا أغاني وطنية وشعارات دعائية لدعم الجنود في الجبهة، الشعب الأمريكي صدّق القصة، ونسِي الفضيحة تماماً المنتج حاول كشف الحقيقة للشعب لكن أخرسوه بطلقة في رأسه

ذلك محتوى الفيلم الشهير هز الكلب بذيله wag the dog

*أظهر الفيلم قوة الإعلام في صناعة الواقع، وكيف يمكن للسياسيين اختلاق الحروب أو الأحداث لصرف انتباه الناس او لتحقيق امجاد شخصية يقول براين في نهاية الفيلم (في زمن الإعلام، لا تهم الحقيقة بقدر ما يهم ما يراه الناس على الشاشات)

‏▪“Wag the Dog” هو تعبير إنجليزي يعني (إلهاء الناس عن قضية كبيرة بإثارة قضية صغيرة أو جانبية)، فالطبيعي أن يهز الكلب ذيله لكن عندما يهز الذيل الكلب كانما الحدث الصغير هو الذي يحرك الأحداث وخيال الجماهير وغالبًا ما يستخدم في السياسة لوصف حالات يصنع فيها السياسيون أزمة أو حدثًا إعلاميًا لصرف الانتباه عن فضيحة أو مشكلة حقيقية او الرغبة في استعادة شعبية مفقودة داخل موطنه.

*هذه (اللازمة) syndrome ذات صلة وثيقة بالرؤساء الأمريكيين وممارساتهم الانتهازية على حساب الشعوب المغلوب على أمرها أكثر من غيرهم فامريكا هي الأكثر جدارة في هز الكلب بذيله لقدرتها على ذلك.

*كلينتون مثلا عندما واجه شبح العزل الدستوري بعد فضيحة المتدربة مونيكا لوينسكي” قام بقصف مصنع الشفاء في السودان ومعسكرات القاعدة في أفغانستان وقصد مستشاروه ان  يهزوا ذيل الكلب  لصرف الأنظار عن الفضيحة الجنسية التي ولغ فيها.

*رونالد ريغان قام بغزو جزيرة غرينادا الصغيرة في الكاريبي بعد أيام من مقتل 241 جنديًا أمريكيًا في تفجير بيروت مما أثار الرأي العام ضده فأعادت له تلك العملية الشعبية وصرفت الانتباه عن الفشل في لبنان.

*وضرب ترامب منشآت ايران النووية رغم غياب أي دليل على مخالفة ايران لاشتراطات المنظمة باعترافات المنظمة لكن ترامب بهذه العربدة أراد ان  يهز  ذيل الكلب كرسالة للأمريكيين باعتباره الحاسم  والبطل ليحافظ على شعبيته التي غالبا ما ستنحدر في المرحلة المقبلة رضي أم أبى.

*رئيس وزراء اسرائيل المجرم والفاسد والقاتل  نتنياهو الذي يقف وراء كل هذا الدمار والقتل والتشريد الذي لم تشهد له البشرية مثيلا في فلسطين  أراد أن يهز  الكلب بذيله لصرف الانتباه عن الأزمة الداخلية في إسرائيل، ومحاكمته بسبب الفساد فاستخدم الحرب  بذكاء سياسي شديد كأداة “Wag the Dog” لتأجيل سقوطه.

*بالنسبة للسودان في مرحلة غامضة تدخلت اميركا واوقفت عمل الرباعية والسبب لازال خاضعا للتأويلات لكن  السبب الحقيقي ان مستشاري ترامب قدروا أنه  في  حالة جعل الحل امريكياً صرفا سيحسب ذلك لصالح الرئيس الأمريكي  الذي كان يفكر في الحصول على جائزة نوبل وكان مهووسا بها خاصة ان هنالك رئيس أمريكي ديمقراطي يمقته قد نالها  وعلق ترامب على ذلك بقوله ( أوباما حصل على نوبل للسلام دون أن يفعل شيئًا في الواقع، بعد حصوله على الجائزة، خاض حروبًا أكثر مني ).

*بعقلية رجل الأعمال النهاز للفرص لم يخجل ترمب من الإفصاح عن رغبته في ذلك خاصة عندما انتفش ريشه بمعالجته لمشكلة الكونغو العالقة منذ عقود والتي راح ضحيتها ستة ملايين قتيل والتي دخل أطرافها مرحلة الإجهاد الخلاق ًفوجدها سهلة كثمرة متدلية hanging fruit

*أما الصيد الثمين فهو حرب روسيا واوكرانيا والتي كان يقول انه لو كان رئيساً لما اندلعت، ثم فكر في إضافة بعض البهارات على وجبة رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام وأمامه حروب منسية منها حرب السودان فلا بأس أن يضيف (صنجة) السودان في الميزان لكن بوتين تسبب في إحباطه بتعنته وعدم خضوعه وعزة نفسه السياسية والآنفة الأمنية الماركسية السالفة خاصة انه رجل رأسه من حجر صوان فلم يستجب لأحلام الرئيس الأمريكي المتعطش للشهرة.

*وقتها قلت لصديق كان يحاورني إذا فشل ترمب في حل سريع لحرب روسيا وأكرانيا سنعود نحن إلى الرباعية عاجلا أم آجلا لأن ترامب فقد ذلك الحماس والحافز لحل مشكلات الدنيا التي كان يهز بها ذيل الكلب ولم يعد يسره ان ينفرد بحل المشكل السوداني فعادت الرباعية بعد فترة قصيرة وهي تحبو.

*لكن صعد على كتفها رجل الاعمال اللبناني الأمريكي مسعد بولس يريد ان يحقق بها مجدا خاصا كما حاول سلفه الألماني فولكر بيرتس مستسهلا السودانيين مستخدما عصاة المقاطعة الأمريكية التي وضعها بالقرب منه أثناء المفاوضات والاملاءات التي يمارسها.

*السؤال هل أمريكا قادرة على فرض حلول على الآخرين رغم شبهة الأجندة الشخصية ومحاولة هز ذيل الكلب على حساب الشعوب التي تعاني من المقاربات الأمريكية الملتبسة في حل النزاعات؟

*ولماذا إذن عجزت عن حل مشكلة ليبيا الدولة النفطية ذات الوزن الاستراتيجي الأهم وعجزت عن حل مشكلة لبنان بلد بولس وتعقيداتها الطائفية وحل مشكلة أوكرانيا وكوريا الشمالية والصراع اليمني أم فقط وجدت رأس اليتيم السوداني مبذولا لمن يريد ان يتعلم.

 نواصل في الحلقة ٢