الآثار السودانية المنهوبة… وإمكانية استردادها قانونيا؟
د.حازم الحاج
ماهي الآثار ؟؟؟ يقصد بالآثار في القانون: (أى شيء خلفته الحضارات أو تركته الأجيال السابقة مما يكشف عنه أو يعثر عليه، سواء كان ثابتاً أو منقولاً، مما يرجع تاريخه إلى مائة عام، ويجوز للهيئة أن تعتبر لأسباب فنية وتاريخية أى عقار أو منقول آثاراً إذا كانت للدولة مصلحة فى حفظه وصيانته بصرف النظر عن تاريخه وتعتبر من الآثار الوثائق والمخطوطات، وأيضاً بقايا السلالات البشرية والحيوانية والنباتية).
ومؤخرا كلنا يعلم بما تعرض له الشعب. السوداني من أضرار بليغة جراء الحرب الدائرة الآن في البلاد …فقد تجاوز الضرر مسألة البني التحتية وسرقة الأموال ومحتويات البيوت الي ما هو أخطر من ذلك …الا وهو نهب وسرقة تراث وثقافة وتاريخ وهوية هذه الأمة العريقة …فقد جاء في الاخبار أن السفير د. خالد محمد فرح المندوب الدائم للسودان لدى منظمة اليونسكو وجه رسالة مستعجلة الى معالي السيدة اودري أزولاي المديرة العامة لليونسكو، دعا من خلالها الى ضرورة ان تتخذ هذه المنظمة موقفاً قوياً وحازماً بازاء ما ترددت من معلومات متواترة ومتطابقة من مصادر متعددة عن تعرض متحف السودان القومي بالخرطوم الى عملية نهب ممنهج لمحفوظاته ومقتنياته من الاثار العريقة والنفيسة ، وترحيل تلك الاثار والتحف الى خارج البلاد ، بل عرض بعضها للبيع من خلال بعض المواقع على شبكة الانترنت مثل موقع eBay . وابان المندوب الدائم ان تلك التحف والاثار المنهوبة لا تمثل جزءا من الإرث الثقافي والحضاري لجمهورية السودان فحسب، وانما هي جزء اصيل من تراث الإنسانية جمعاء. وطلب المندوب الدائم من السيدة المديرة العامة إصدار نداء عاجل حازم وقوي بإسم منظمة اليونسكو لجميع الدول الاعضاء والمنظمات والأطراف المعنية، لإدانة هذا العمل الإجرامي الخطير ، والعمل بكل سرعة وفعالية من أجل محاصرته وصولا الى إعادة هذه الآثار الى السودان بأسرع ما يمكن….(انتهي الخبر )…..
فهل هذا كل ما نستطيع أن نفعله من أجل إسترداد هذه المنهوبات القيمة ؟ وهل السودان له من الطرق القانونية ما يستطيع عبرها القيام بإجراءات قانونية ناجعة حيال ذلك؟
الحق أن السودان من أوائل الدول الأفريقية والعربية التي سنت قوانين لحماية المواقع الأثرية منذ بدايات القرن العشرين وتم تعديل القانون أكثر من مرة آخرها في العام 1999. وكل الآثار والشواهد والمباني التاريخية، محمية بموجب القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والمحلية لحماية الآثار والتراث الثقافي…ولكن عملية تهريب الآثار لخارج البلاد تجعل من القوانين المحلية غير كافية وناجعة ويتحتم علينا اللجوء القانون الدولي ..
ولكن دوليا هناك بعض المشكلات والتي تكمن في أننا لم نصادق على إتفاقية ١٩٩٥ الخاصة بإسترجاع الممتلكات الثقافية المسروقة او المصدرة بطرق غير مشروعة وردها الى موطنها الاصلى ومع التعويض .وكذلك اتفاقية ١٩٧٠م…وهذه الاتفاقيات عدم التصادق عليها يحرمنا من الكثير …بيد أن هناك طرق أخري يمكن اللجوء إليها مثل “المدونة الدولية للسلوك الاخلاقي لتجار الممتلكات الثقافية ١٩٩٩م” ..
واتفاقيات جنيف ١٩٤٩ وبروتوكيليها…واتفاقية ١٩٥٤ لحماية الآثار أثناء النزاعات المسلحة…
ويمكن للسودان أيضا الإستفادة من التجارب الأخري خاصة التجربة العراقية إذ تضرر العراق عقب الغزو الأمريكي وما تلاه من إنفلاتات أمنية واسعة خاصة فترة داعش التي تم فيها سرقة وتهريب عدد ضخم من الآثار العراقية …فتم التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتمت مخاطبة الأمم المتحدة والتي علي الفور تبنت جمعيتها العامة في 28 مايو 2015) قرارا يتصل بإنقاذ الممتلكات الثقافية للعراق في غمرة قلق كبير على مصير مدينة تدمر الأثرية في سوريا والتي احتلها آنذاك تنظيم “الدولة الإسلامية داعش”…تلي ذلك إجراءات أمام مجلس الأمن الذي أصدر القرار 2199 الخاص بحظر التعامل بالآثار العراقية مما نجم عن ذلك إعلان وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية عن إستردادها لعدد 24 ألف قطعة أثرية خلال ثلاثة أعوام بعد أن تم تهريبها من المواقع الأثرية…إذن لابد للسودان التحرك الفوري خاصة وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة تنعقد هذه الأيام حتي نستطيع إسترداد هذه الآثار القيمة و نضمد ما أمكن من جراحاتنا التي سببتها هذه الحرب اللعينة …وعلي الاعلام السوداني بكافة جهاته أن يسلط الضوء على هذه الجريمة النكراء داخل وخارج السودان حتي تأخذ الإهتمام الذي يليق خ بالموروث الثقافي السوداني الأصيل وحتي نستطيع إستعادة هذه المنهوبات الأثرية القيمة.
*المحامي والمستشار القانوني