جبل عامر.. لعنة الذهب التي أطاحت بحلم إمبراطورية آل دقلو (1)

- سر الوهج الذهبي الذي يغطي الجبل عند شروق وغروب الشمس
- ثالث أكبر مناجم الذهب في أفريقيا بإنتاجية (50) طنا سنويا
- المنقبون العشوائيون الأوائل لماذا أطلقوا عليه سويسرا السودان؟
تحقيق ــ التاج عثمان:
بعد إنتشار شهرته تدافع نحوه الآلاف من داخل وخارج السودان وكنت واحدا منهم ولكن غايتي تختلف عن البقية ليس لأجل الحصول على الذهب بل من أجل الحصول على سبق صحفي أعتبره أثمن من المعدن الأصفر الذي يتهافت عليه عبدة وسدنة هذا المعدن الأصفر النفيس.. وقتها لم أكن أتوقع ان جبل الذهب هذا والذي يطلق عليه (جبل عامر) سيكون من الأسباب والعوامل الرئيسية لتمويل وإندلاع الحرب بالسودان.. فما حكاية هذا الجبل الذهبي.. وما سر الأشعة التي تنبعث منه مع شروق وغروب الشمس يوميا.. من هم أصحابه الأصليون؟ وكيف أصبح ملك خاص لحميدتي (يغرف) منه ما يشاء من الذهب دون حسيب او رقيب؟ وهل كان يمثل حجر الأساس لحُلم إمبراطورية آل دقلو؟ وهل ما حدث من إقتتال وحرب في السودان كان بسبب لعنة الذهب بجبل عامر.. وكيف ساهم هذا الجبل المثير للجدل في تسليح مليشيا الدعم السريع بالعتاد الحربي؟.. (أصداء سودانية) تجيب على هذه الأسئلة والتساؤلات وغيرها عبر هذا التحقيق الإستقصائي
كنز الذهب:
وقتها كنت في مهمة عمل صحفية بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، تزامنت زيارتي تلك مع إنتشار معلومة تتحدث عن إكتشاف كنز ذهب بأحد الجبال بصحراء الفاشر.. كل من قابلته في فاشر السلطان كان يجهز نفسه للتوجه للجبل الذي شاع انه يحتوي على كنز من الذهب لا ينضب.. هيستيريا الذهب أصابت الجميع.. حاولت التأكد من المعلومة من الجهات المختصة الرسمية بحكومة شمال دارفور لكنني لم أجد إجابة شافية.. المعلومة الوحيدة التي تحصلت عليها انه واحد من مناطق التنقيب الأهلي او العشوائي للذهب كغيره من مناطق التنقيب الأخرى المنتشرة بشمال وغرب السودان، والتي زرت معظمها أثناء تجميعي لمادة صحفية عن التنقيب العشوائي او الأهلي للذهب، وقررت إضافة هذا الموقع للمعلومات السابقة التي تحصلت عليها من مناطق الذهب الأخرى.. وبمرافقة بعض المعدنيين توجهت من مدينة الفاشر لجبل الذهب بعد أن قطعنا حوالي 100 كيلو متر.. وقتها كان الدخول للمنطقة متاحا للجميع فلا شرطة ولا أي جهات أمنية أخرى للحراسة، فقط المنقبين العشوائيين والذين كانوا ينقبون عن الذهب بالوسائل البدائية عبر الآلات اليدوية، فلا بوكلنات او رافعات او حفارات او كاشفات الذهب اليدوية.. وقتها لم يكن الجبل قد حُظي بشهرته المعروفة، ولم تنشب بسببه الصراعات بين بعض مكونات المنطقة، ولم تكن المنطقة بالزخم الذي حدث لها بعد ذلك.. وكنت أنوي العودة للفاشر في نفس يوم وصولي، لكن دليلي من المنقبين طلب مني المبيت معهم لمشاهدة ظاهرة طبيعية غريبة لم يفصح عنها مشيرا انها ستكون مفاجأة.. وفي الصباح الباكر إيقظني من نومي العميق وقادني لمكان قريب من سفح الجبل طالبا مني الصمت والنظر للجبل.. سويعات وبدأت شمس ذلك اليوم ترسل أشعتها الصفراء الفاترة على سطح الجبل، وحقيقة هالني ما رأيت، سفح الجبل أصبح يتوهج بلون أصفر ذهبي وكأنه جبل من ذهب.. وفسر لي تلك الظاهرة بقوله: (أشعة شمس الصباح تنعكس يوميا على حجارة الجبل فيظهر هذا التوهج الجميل والغريب، ما يدل ان جبل عامر كنز من ذهب).. مشيرا ان نفس المشهد يتكرر عند غروب الشمس، طالبا مني البقاء لمشاهدته، إلا أنني فضلت العودة للفاشر لإرتباطي ببعض المواعيد الصحفية هناك
منطقة جبل عامر شمال مدينة الفاشر تسكنها قبائل بني حسين، وفي البداية لم يكن أفراد القبيلة يأبهون لما يدور حولهم من عمليات التنقيب عن الذهب، ولكن بعد أن نجح عدد من المنقبين الحصول على كميات كبيرة من الذهب تغير مفهومهم، ومن ثم بدأت المشاحنات بينهم وبين الوافدين لمنطقتهم، والتي تطورت وتحولت لصراعات قبليه بهدف الإستيلاء على كنز الذهب بجبل عامر.. وبعد فراغي من الحصول على المعلومات من المعدنيين العشوائيين غادرت المنطقة عائدا إلى مدينة الفاشر، ولم أعلم وقتها او يدر بخلدي ان هذا الجبل الذي يطلق عليه أهل المنطقة (كنز الذهب) سيكون أحد أسباب الحرب الطاحنة ومن عوامل وقودها وإشعال نيرانها طيلة العامين الماضيين.. ومن هذه النقطة تحديدا بدأت لعنة الذهب التي جلبت الحرب للسودان كما يعتقد البعض.
سويسرا السودان:
يقع جبل عامر او جبل الذهب على بعد حوالي 100 كيلو متر شمال مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، ويقع جغرافيا في المنطقة المعروفة بـ(السريف بني حسين)، وهي منطقة صحراوية قاحلة جدباء جافة مرتفعة الحرارة.. وفي تسميته بجبل عامر هناك روايتان: الأولى ان التسمية تعود إلى رجل من قبيلة بني حسين يدعى عامر كان يعيش في المنطقة مع قبيلته منذ قرون، والرواية الثانية انها تعود لرجل من قبيلة المحاميد يدعى أيضا عامر، كان يرعى إبله متنقلا في المنطقة وفي الصيف يستقر في وادي الجبل.
وحسب المعلومات التي تحصلت عليها من المنقبين أثناء زيارتي له قبل ان يضع قائد الدعم السريع حميدتي يده عليه، إكتشاف كميات كبيرة من الذهب بمنطقة الجبل مشيرين أنهم يتوقعون توافد أعدادا كبيرة من المنقبين للمنطقة وحتى من خارج السودان، وفعلا وبعد مغادرتي للموقع بنحو عام علمت أنه أصبح يحتشد بالاف المنقبين من شتى أرجاء البلاد ومن بعض الدول الأفريقية مثل تشاد والنيجر ومالي ونيجريا وأفريقيا الوسطى، بعد إكتشاف المنقبون الأوائل لكميات كبيرة من المعدن الأصفر بالمنطقة لدرجة أنهم أطلقوا عليه (سويسرا السودان) لإحتوائه على كميات كبيرة من الذهب.. ولذلك إنتشرت بالمنطقة عصابات مسلحة تقوم بالإستيلاء على الذهب الذي يعثر عليه البعض عبر عمليات التنقيب العشوائي.
ولما ذاع صيت المنطقة وإحتوائها على كميات كبيرة من الذهب وصفها البعض بالكنز، إستولت عصابات الجنجويد والتي كان يقودها وقتها موسى هلال قريب حميدتي على الجبل بعد ان خاضت صراعا مسلحا عنيفا مع قبيلة بني حسين سكان منطقة الجبل الأصليين.. والمعلومة الغائبة عن الكثيرين والتي إستقيتها من وزارة الطاقة، أن إنتاج المناجم التقليدية من الذهب خلال عام واحد فقط، وهو عام 2012، بلغ ما قيمته 1.3 مليار دولار، بينما بلغ إنتاج مناجم جبل عامر 50 طنا من الذهب سنويا، ما جعله ثالث أكبر منجم ذهب في افريقيا.
الحلقة القادمة:
ــ كيف أصبح حميدتي إمبراطورا عالميا للذهب؟
ــ 50 طنا من الذهب كانت تهرب للإمارات شهريا من جبل عامر.
ــ وثائق: مجموعة الجنيد للتعدين التابعة لآل دقلو كانت تبيع ذهب الشعب السوداني للبنك المركزي بسعر تفضيلي لذر الرماد على العيون.
ــ ترسانة الأسلحة التي يمتلكها الدعم السريع مصدرها كنز الذهب بجبل عامر.