الشيخ والجنرال… قصة إيواء الإمارات لحميدتي ودعم قواته في الميدان

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ديكلان وولش وطارق بانجا كشفا فيه عن الأدوار المهمة للشيخ منصور بن زايد آل نهيان أبعد من مجال الرياضة.

ويعرف نائب الرئيس الإماراتي بأنه مالك نادي مانشستر سيتي في بريطانيا لكنه خلف الأضواء يعرف بـ “الموجه” لحروب بلاده الخارجية السرية. فقبل أسابيع من اندلاع الحرب الأهلية الكارثية في السودان، استقبل الشيخ منصور المعروف في الغرب بجمعه لليخوت الفارهة وخيول السباق، في قصره الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، الذي يعرفه واستقبله قبل عامين في معرض سلاح حيث تجولا معا في قسم الصواريخ والمسيرات.

وعندما اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 ساعد الشيخ الجنرال في حربه. وأنشأت جمعيات خيرية تابعة للشيخ منصور مستشفى، تحت ستار أنها تخدم المدنيين. لكن هذا الجهد الإنساني كان أيضا غطاء للجهود الإماراتية السرية لتهريب طائرات بدون طيار وأسلحة متقدمة أخرى إلى جماعة الجنرال حميدتي، قوات الدعم السريع، حسب مسؤولين أمريكيين ودوليين.

وقد ظهرت أدلة كثيرة على ارتكاب قوات الجنرال حميدتي مجازر وعمليات اغتصاب جماعي وإبادة جماعية.

وينفي الإماراتيون تسليح أي طرف في الحرب، لكن الولايات المتحدة اعترضت مكالمات هاتفية منتظمة بين الجنرال حميدتي وقادة الإمارات، بمن فيهم الشيخ منصور. وساعدت المعلومات الاستخباراتية المسؤولين الأمريكيين على استنتاج أن هذا الأمير الإماراتي المتواضع لعب دورا محوريا في جهود تسليح قوات الجنرال السوداني، مما أدى إلى تأجيج صراع مدمر أدى إلى مجاعة وأكبر أزمة إنسانية في العالم. ولم يرد الشيخ منصور ولا وزارة الخارجية الإماراتية أو الجنرال حميدتي على طلبات التعليق من الصحيفة.

وعلى الرغم من امتلاكه أحد أشهر فرق كرة القدم في العالم، ظل الشيخ منصور، البالغ من العمر 54 عاما، لغزا، إذ غالبا ما أظهر قدرة على تغيير لونه مثل الحرباء حيث ظل في الخلفية وطغى عليه إخوته الأكثر شهرة. ومع ذلك، وفي مقابلات مع أكثر من اثني عشر مسؤولا أمريكيا وأفريقيا وعربيا، وصف بأنه في صدارة مساعي بلاده القوية لتوسيع نفوذها في أفريقيا والشرق الأوسط.

وفي أماكن مثل ليبيا والسودان، يقولون إن الشيخ منصور دلل أمراء الحرب والحكام المستبدين كجزء من حملة إماراتية شاملة للاستحواذ على الموانئ والمعادن الاستراتيجية ومواجهة الحركات الإسلامية وترسيخ مكانة الدولة الخليجية كقوة إقليمية مهمة.

ولكن دور الشيخ منصور يظل تاليا لحاكم الإمارات المتشدد، الشيخ محمد بن زايد، الذي يدير هذه السياسة. مع أن الشيخ منصور كون لنفسه وبهدوء دورا داعما قويا، معززا القوة الناعمة للدولة من خلال كرة القدم، ووثق في الوقت نفسه العلاقات مع قادة الجماعات المسلحة في بعض من أكثر دول العالم هشاشة، كما يقول المسؤولون.

ونقلت الصحيفة عن أندرو ب. ميلر، وهو دبلوماسي أمريكي كبير سابق، قوله: “إنه المدبر والموجه والمرسل إلى أماكن بعيدة عن الأضواء أو الدعاية، لكنها مهمة للإماراتيين، يبدو أن هذه من تخصصه”.

ووصف ما لا يقل عن ستة مسؤولين آخرين الشيخ منصور بالطريقة نفسها.

وفي الغرب، ظل الشيخ منصور، إلى حد كبير، بعيدا عن الأنظار. ومن النادر ما التقى دبلوماسيين غربيين أو تحدث إلى الصحافيين أو حضر مباريات مانشستر سيتي، الفريق الشهير الذي يملكه.

وأدى تفاقم الحرب في السودان، وهو صراع واسع النطاق تسبب في مقتل أكثر من 150,000 شخص وتشريد أكثر من 12 مليون شخص، إلى اتهامات للإمارات بتمويل إبادة جماعية. ودعا المشرعون الديمقراطيون إلى حظر مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات. وفي بريطانيا تتعرض جوهرة تاجه للحصار، حيث تنظر لجنة بريطانية في مزاعم ضد مانشستر سيتي أنه قام بالخداع وعلى قاعدة واسعة. فالنادي متهم بالتلاعب بأموال تمويل شراء لاعبين من أجل مواصلة انتصارات النادي، وتحويله من ناد متعثر إلى ظاهرة رياضية دولية. ونفى مانشستر سيتي هذه الاتهامات، ولكن في حال إدانته، قد يغرم الفريق أو يطرد أو يجرد من ألقابه العديدة.

وتقول الصحيفة إنها أيضا لحظة محاسبة للشيخ منصور، الذي أصبحت تعاملاته الآن تحت الأضواء التي لطالما سعى لتجنبها. ولم يرد النادي على طلب التعليق من الصحيفة. ومهما كان الحكم، فإن القضية تثير احتمال أن السرية الاستثنائية التي تمتع بها، والتي غذاها فيض لا ينضب من المال قد اقترب من نهايته على ما يبدو.

وتقول الصحيفة إن الشيخ منصور كنائب لرئيس الوزراء والرئيس يسيطر على مؤسسات مهمة مثل البنك المركزي وشركة النفط الوطنية وسلطة أبو ظبي الجنائية وشركة مبادلة، الصندوق السيادي بميزانية 330 مليار دولار. وهو شخصية محورية في جهود القوة الناعمة وبناء شراكات مع مؤسسات إعلامية مثل سي إن إن وسكاي بالعربي.

لكن في عالم كرة القدم، أصبح عملاقا حقيقيا، وساعد العائلة المالكة على إعادة صياغة صورتها بعد نكسة مدمرة. ففي عام 2006، قبل عامين من شراء الشيخ منصور لمانشستر سيتي، عانت الإمارات من رفض علني واسع، عندما أحبطت محاولتها لشراء ستة موانئ بحرية في الولايات المتحدة وسط رد فعل سياسي عنيف، على الرغم من تحالف الإمارات الوثيق مع واشنطن بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. كانت تلك لحظة مفصلية، دفعت القادة الإماراتيين إلى إعادة تشكيل صورتهم الدولية، من خلال الاستثمار في الثقافة والأوساط الأكاديمية والرياضة.

وقاد الشيخ منصور زمام المبادرة في كرة القدم. وبعد شرائه نادي مانشستر سيتي بمبلغ 330 مليون دولار وقع عقدا مع لاعب جديد، في سلسلة من اللاعبين الذين ساهموا في جعل نادي مانشستر يحصل على أول لقب في الدوري الإنكليزي الممتاز. واشترى إلى جانب مانشستر عددا من النوادي في مليبورن ومومباي ويوكوهاما. وسيحمل اسم الإستاد لناديه نيويورك سيتي أف سي نفس الاسم لنادي مانشستر “اتحاد بارك”.

وإلى جانب أهميته الرياضية، لعب مانشستر سيتي دورا في الأغراض السياسية، فقد دعا مسؤولو الفريق الصحافيين إلى جلسات إحاطة عقدها مستشارون يعملون لصالح الإمارات عام 2014. وبدلا من مناقشة كرة القدم، سعت الجلسات إلى ربط قطر، غريمة الإمارات، بالإرهاب الدولي، وفقا لصحافي حاضر وملف إحاطة اطلعت عليه صحيفة نيويورك تايمز.

ومع ذلك، يبقى شغف الشيخ منصور بكرة القدم غير واضح. فمنذ شرائه مانشستر سيتي قبل 17 عاما، لم يشاهد الفريق يلعب سوى مرتين في المسابقات، ومرة ​​واحدة فقط على ملعب الاتحاد. ولكن في تلك الفترة، تحولت أولويات الإمارات إلى القوة العسكرية أيضا، وبالضرورة أولويات الشيخ منصور.

وتقول الصحيفة إن الربيع العربي عام 2011 كان نقطة تحول لعائلة آل نهيان. وخشي الإماراتيون من صعود الإسلاميين بعد سقوط الحكام المستبدين. وأخبر الشيخ محمد بن زايد المسؤولين الغربيين بمخاوفه من سيطرة الإسلاميين وتعهد بوقفهم في مسارهم. وتدخلت الإمارات في مصر واليمن وليبيا، وكان هذا من خلال دعم السيطرة العسكرية أو تمويل المتمردين وعقد تحالفات مع أمراء حرب. ومن هنا جاء دور الشيخ منصور.

بناء على أوامر من شقيقه، حاكم الإمارات، تولى الشيخ منصور دور إدارة “رجال أقوياء غير لائقين وبمظهر غير مقبول ولكنهم مهمون” في أماكن مختلفة

وبناء على أوامر من شقيقه، حاكم الإمارات، تولى الشيخ منصور دور إدارة “رجال أقوياء غير لائقين وبمظهر غير مقبول ولكنهم مهمون” في أماكن مختلفة، كما قال مسؤول أمريكي كبير سابق.

وفي ليبيا برز خليفة حفتر، الذي تحالف مع سي آي إيه سابقا، ومنذ عام 2015 تقريبا، لاحظ المسؤولون الأمريكيون أن الشيخ منصور كان يتحدث بانتظام مع حفتر، و”يدير” العلاقة بهدوء، كما قال العديد من المسؤولين الأمريكيين. ويتذكر أحد المسؤولين: “عندها أدركنا أن الإماراتيين كانوا يراهنون بأموالهم” على حفتر. وتسبب هذا التحالف في بعض الخلافات مع واشنطن. وقد تدفقت الأسلحة الإماراتية إلى ليبيا، في انتهاك لحظر الأسلحة الدولي. وقال مسؤول كبير إن بعض الأسلحة الأمريكية التي بيعت للإمارات وصلت إلى ليبيا.

في عام 2020، قال البنتاغون إن الإمارات دفعت على الأرجح لمرتزقة من مجموعة فاغنر الروسية للقتال إلى جانب حفتر أثناء هجومه على العاصمة الليبية.

ولكن لم يكن هناك رد فعل شعبي كبير على الإمارات، التي كانت قد حولت انتباهها بحلول ذلك الوقت إلى دولة أخرى ذات قيمة استراتيجية: السودان.

وهناك، كان الحاكم المخضرم، الرئيس عمر حسن البشير، متحالفا مع إيران. وقال مسؤولون سودانيون وأمريكيون إن الشيخ منصور كلف باستمالته إلى الجانب الإماراتي. وتوجت سلسلة من الاجتماعات الخلفية في عام 2017 بزيارة رفيعة المستوى قام بها البشير إلى أبو ظبي. وبعد ذلك بدأت مليارات الدولارات بالتدفق إلى السودان، حسبما نشر الإعلام الإماراتي الرسمي.

وقد عبر عدد من المسؤولين الأمريكيين عن غضبهم لأن البشير كان مطلوبا للجنائية الدولية بسبب دارفور. لكن التحالف مع البشير كان مثمرا للإماراتيين. فقد نشر السودان مقاتليه في اليمن. وكانت بداية علاقة جديدة أبعد من البشير، ذلك أن معظم المقاتلين الذين أرسلوا كانوا من عناصر قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي. وأصبح الجنرال مقربا من الشيخ منصور.

وقال جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي إلى منطقة القرن الأفريقي من عام 2021 إلى عام 2022: “لقد فهمنا دائما أن منصور يقف خلف الكواليس في السودان”. وعندما ساعد الجنرال حميدتي في الاستيلاء على السلطة بانقلاب عام 2021، استشاط المسؤولون الأمريكيون غضبا. ذلك أنهم تلقوا تأكيدات عن سيطرة المدنيين وليس العسكريين على السلطة.

لكن الإمارات وافقت على التحرك، وسرعان ما استقبلت الجنرال حميدتي استقبالا رسميا حارا في أبوظبي.

كانت الإمارات في طريقها إلى تجاوز الصين كأكبر صانع صفقات أجنبية في أفريقيا، فقد ضخت شركات تقودها عائلة آل نهيان مليارات الدولارات في المناجم ومراكز البيانات وأرصدة الكربون الأفريقية، في ظل سعي الدولة الخليجية إلى فطام اقتصادها عن النفط. ومع ذلك، لعبت الإمارات دورًا حاسما في توريد الأسلحة لعدد قليل من الدول ذات الموقع الاستراتيجي. وفي عام 2021، أنقذ الشيخ محمد رئيس وزراء إثيوبيا المحاصر، آبي أحمد، بتزويده بطائرات بدون طيار ساعدت في تحويل دفة حرب أهلية وحشية لصالحه.

وعندما انزلق السودان في حرب أهلية عام 2023، انحازت الإمارات بقوة إلى حليف الشيخ منصور، الجنرال حميدتي.

ومع ذلك تنفي الإمارات دعمها لأي من طرفي الحرب في السودان. مع أن الولايات المتحدة ومنذ الأيام الأولى للصراع، علمت أن الإمارات تؤوي الجنرال حميدتي في أبوظبي وتسلح مقاتليه في الميدان، وفقا لمسؤولين أمريكيين.

في البداية، سافر الجنرال السوداني جوا إلى الإمارات، حيث منح ملاذا آمنا في مسكن محمي، وسجلت له خطب مصورة لمؤيديه في السودان، وفقا لمسؤولين أمريكيين.

بعد ذلك بوقت قصير، دبرت الإمارات مخططا سريا لتسليح جماعة حميدتي، قوات الدعم السريع، من قاعدة جوية صحراوية شرق تشاد.

وقال مسؤولون أمريكيون إن جاذبية الجنرال لدى الإماراتيين كانت ثلاثية الأبعاد. فقد كان مخلصا، لأنه قاتل مع الإماراتيين في اليمن، ومتعاونا لأن أعماله التجارية كانت تتخذ من الإمارات مقرًا لها، حيث كان يبيع الذهب ويشتري الأسلحة، وكان أيضا واضحا للجماعات الإسلامية.

وكالات الاستخبارات الأمريكية، باستخدام عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية، خلصت إلى أن الجنرال حميدتي يتمتع بعلاقة مباشرة مع اثنين من قادة الإمارات، الشيخ محمد والشيخ منصور

وصرح مسؤولون بأن وكالات الاستخبارات الأمريكية، باستخدام عمليات التنصت على المكالمات الهاتفية، خلصت إلى أن الجنرال حميدتي يتمتع بعلاقة مباشرة مع اثنين من قادة الإمارات، الشيخ محمد والشيخ منصور. كما حددت هوية مسؤول إماراتي نسق شبكة من الشركات الوهمية التي ساعدت في تمويل وتسليح قوات الجنرال. ومع بدء الحرب، بدا أن الشيخ منصور قد قطع علاقاته العلنية مع الجنرال حميدتي، لكن الصلة بقيت قائمة.

وأرسلت الإمارات أسلحة إلى قوات الجنرال عبر قاعدة جوية في تشاد، حيث كانوا يديرون مستشفى ميدانيا بتمويل من جمعيتين خيريتين، كلتاهما تحت سيطرة الشيخ منصور أو إشرافه. ولم تجب أي من الجمعيتين الخيريتين على أسئلة حول تقرير الصحيفة. لكن المسؤولين الإماراتيين وصفوا التلميح إلى أن المستشفى كان يستخدم لغرض غير العمل الإنساني بأنه “متهور ومضر”.

وفي مسعى للحد من التدخل الأجنبي، واجه المبعوث الأمريكي إلى السودان، توم بيرييلو، الشيخ منصور شخصيا عام 2024 بشأن دعمه لحميدتي خلال اجتماع في الإمارات، وفقا لمسؤول أمريكي. وتهرب الشيخ منصور من الجواب، قائلا إن مسؤولية السلام تقع على عاتق أعدائه.

في واشنطن، أصبح القلق المتزايد بشأن الدور الإماراتي في حرب السودان قضيةً مشتركةً بين الحزبين في الكونغرس. ففي جلسة استماع لتأكيد تعيينه في يناير، انتقد ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي الحالي، الإمارات، متهما إياها بدعم “إبادة جماعية” يقودها حميدتي. وضغط ديمقراطيون بارزون من أجل حظر مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات حتى تتوقف عن تسليح قوات الدعم السريع التابعة للجنرال. وتزايدت هذه الدعوات في أيار/مايو بعد أن قصفت قوات الدعم السريع مستودعات وقود ومحطات كهرباء وآخر مطار دولي في السودان، باستخدام طائرات مسيرة متقدمة، قال مسؤولان أمريكيان سابقان إن الإمارات هي من زودتها بها.

لكن بعض هذه الانتقادات خفت بعد أيام، عندما زار الرئيس دونالد ترامب الإمارات.