تحولت إلى ملحمة مجتمعية (الشهادة السودانية).. قصص وحكايات مُشرقة

- حكاية الطالب المكافح (م) الذي قهر المستحيل للجلوس للإمتحان
- طالبات نيالا يهزمن المليشيا بوصولهن لمراكز الأمتحانات بالأبيض وكوستي
- مئات الطلاب بقرى غرب كردفان لم يجلسوا للإمتحان بسبب العوز
- جهاز المخابرات بالجزيرة يقود مبادرة (عشانكم) لترحيل الطلاب لمراكز الإمتحان
- صحفية تقود مبادرة (وصلني) لتوصيل الطلاب لمراكز الإمتحان بالقاهرة وكسلا
تحقيق ــ التاج عثمان:
قصص وحكايات مُشرقة لطلاب وطالبات الشهادة السودانية قهروا المستحيل ومزقوا أستار الواقع المرير الذي فرضته عليهم الحرب على مناطقهم بإصرارهم الوصول لمراكز الإمتحانات البعيدة بالولايات الأخرى قاطعين مئات الكيلومترات في رحلة محفوفة بالمخاطر تتربص بهم مليشيا النهب السريع المتوحشة.. ملحمة مجتمعية وأيادي كريمة وإهتمام واضح من الدولة بالطلاب والطالبات الجالسين للشهادة السودانية المؤجلة 2024 .. (أصداء سودانية) تورد من خلال التحقيق التالي نماذج للعديد من الملاحم الطلابية ترقى لدرجة البطولة
الطالب المكافح:
(م) شاب في مقتبل العمر جاء للشقيقة مصر لاجئا لها محتميا بها من القتال الذي كان دائرا وقتها بالعاصمة الخرطوم.. كان يرافقة والده ووالدته وأطفال شقيقته المتوفاه الثلاثة.. إستأجروا شقة متواضعة بأحد الأحياء النائية بالعاصمة المصرية القاهرة.. ضاقت بهم الحال فقرر العمل رغم أنه كان على أعتاب إمتحان الشهادة السودانية المؤجلة 2024 ورغم إلحاح والديه لإثنائه عن العمل والتفرغ لدراسته إلا انه أصر، فإلتحق بالعمل بمطعم للطلبات الجاهزة، كان عمله تغليف الوجبات الغذائية التي يطلبها الزبائن ليحملها صبية الديلفري لهم.. ما يتقاضاه قليل مقارنة بمنصرفاته فقرر تأجير شقة متواضعة من غرفة واحدة قرب موقع العمل حتى يوفر قيمة المواصلات، كان يتشارك أجرتها الشهرية مع أربعة من زملائه السودانيين الذين يعملون في نفس المطعم.. وأول الشهر يسلم والدته كل مرتبه لمصاريف البيت لا يستقطع منها سوى قيمة الوجبة الواحدة في اليوم حتى يوفر قليل من المال لأسرته وأطفال شقيقته المتوفاة المقيمين بالشقة،بجانب إدخار جزء من المرتب لرسداد رسوم إمتحان الشهادة السودانية بالقاهرة.
كانت ورديته تبدأ من الثامنة صباحا حتى الثامنة مساء يعود بعدها منهكا للشقة، وبدلا من أن يرتمي في الفراش لأخذ قسطا من الراحة يظل ساهرا حتى وقت متأخر لإستذكار دروسه خاصة أن إمتحان الشهادة السودانية على الأبواب.. بل أنه كان يستذكر دروسه أثناء العمل بواسطة الدروس التي يرسلها بعض المعلمين المتطوعين (أون لاين) يسمعها بواسطة سماعات الأذن حتى لا تعيقه عن عمله.. وظل على هذه الحالة حتى حان موعد الإمتحان فسمح له بإجازة من العمل لاداء الإمتحان.. قال :
لم تحن لي ولو دقيقة واحدة لأقوم باي شيء آخر غير العمل ومراجعة الدروس لشهور طويلة.. كانت لدي عزيمة وإصرار كبيرين بأداء الإمتحان بجدارة حتى أعوض ما فاتني من التعليم بسبب الحرب التي أغلقت أبواب المدارس، وكنت أخطط لإحراز نسبة عالية في الإمتحان وكلي ثقة أنني سوف أحقق حُلمي هذا.
من نيالا إلى كوستي:
من النماذج المشرقة لإمتحان الشهادة السودانية المؤجلة للعام 2024 حكاية طلاب وطالبات نيالا بجنوب دارفور والذين عانوا معاناة قاسية ومُره في سبيل إصرارهم على الجلوس للإمتحان، حيث معلوم أن نيالا محتلة من جانب مليشيا النهب السريع ولم تسمح بالطبع بتخصيص مركز للإمتحان بها، بل ومنعت الطلاب والطالبات الخروج من المدينة لأداء الإمتحان بالمدن الأخرى الآمنة.. ورغم ظروف الحرب بدارفور إلا أن إرادة الطلاب والطالبات في الجلوس للإمتحان كانت أقوى من إرهاب المليشيا.. تسللوا خفية من مدينة نيالا التي عاث فيها الجنجويد إجراما وفسادا، ونجحوا بذلك في هزيمة المليشيا الإرهابية والتي منعتهم الخروج من المدينة لأداء الإمتحان بالمدن الأخرى، إلا أنهم نجحوا في الخروج بعد عدة محاولات مستميتة وبعضهم وصل لمدينة كوستي وهم الأن داخل مراكز الإمتحان يؤدون إمتحاناتهم في أمن وآمان رغم أنف المليشيا الإرهابية.. مندوب وكالة السودان للانباء، (سونا) إلتقى بمعسكر الطالبات بمدينة كوستي بعدد منهم، وأدلوا له بهذه الإفادات.. الطالبة، رماح أحمد عبد السيد، من مدرسة المشارق بنيالا حكت حكايتها الغريبة وتفاصيل رحلتها من نيالا لكوستي والتي إستغرقت زهاء الإسبوعين، بقولها:
رحلتي من نيالا ولاية جنوب دارفور إلى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض إستغرقت بالعربة 7 أيام بنهاراتها ولياليها وعذابها ومعاناتها وعطشها وجوعها.. من نيالا وصلت لمدينة الضعين وكنت برفقة مجموعة من الطلاب والطالبات، وكان يفترض ان نسلك طريق (أم قرفة) إلا اننا علمنا أن الطريق إليها غير آمن ولذلك إتجهنا إلى منطقة (أُم زعيمة)، ثم (أٌم بادر) وفيها إعترضتنا قوة مسلحة من مليشيا الدعم السريع ومنعتنا من مواصلة المسير، ولم نخبرهم أننا متوجهات لأداء إمتحان الشهادة السودانية بكوستي وإلا لمنعونا وارجعونا من حيث أتينا، حيث لمسنا منهم حساسية مفرطة وغريبة وغير مبررة من إمتحان الشهادة السودانية.. بعدها تحركنا من أم بادر إلى (أُم زريبة) ومنها لمدينة الأبيض وأخيرا كوستي والتي إستقبلنا أهلها ومسؤوليها بحفاوة ليست بمستغربة من أهل الأبيض ما رفع من روحنا المعنوية وازاح عنا تعب ورهق السفر، ومنها توجهنا لكوستي حيث مركز الإمتحان، والتي لم يقصر أهلها وحكومتها معنا بل اكرمونا خير إكرام.
إستفزاز المليشيا:
أما الطالبة نعمات النور، من مدينة نيالا أيضا ولاية جنوب دارفور، فقالت تحكي لمندوب سونا: “خرجت من نيالا إلى الضعين ثم ام بادر، وام زعيمة ثم المزروب ومنها للأبيض وأخير كوستي بعد رحلة طويلة ومرهقة محفوفة بالمخاطر وإستفزاز المليشيا الذين قابلونا في الطريق، ولم نفصح لهم أننا طالبات في طريقنا لأداء إمتحان الشهادة السودانية وإلا لمنعونا.. وتبلغ تكلفة الرحلة من نيالا إلى مدينة الأبيض بشمال كردفان حوالى 700 ألف جنيه.
معاناة الصحراء:
أما الطالبة إجلال مبارك أحمد زيادة، من مدرسة الهدى الثانوية بنيالا، تسكن حي الرابعة المواسير، فقد سلكت طريق (ام بادر ــ الدبة) فحكت تفاصيل معاناتها بقولها:
أنا أصلا دفعة 2023 لكن ظروف أسرتي المادية حالت دون جلوسي للإمتحان ذلك العام.. رحلتي القاسية والمرهقة بدأت من مدينة نيالا إلى الضعين، ثم أم بادر، وفي الطريق إلى الدبة والتي إخترت السفر عبرها لأن طريقها أكثر أمنا من طريق الأبيض حيث تندلع فيه أحيانا بعض الإشتباكات المسلحة بين الجيش والمليشيا المتمردة، تعطلت العربة في قلب الصحراء ما بين ام بادر والدبة وامضينا ثلاثة أيام في الصحراء تحت درجة حراة تفوق الخمسين على ما اعتقد وعانينا هناك كثيرا، وبعد إصلاح العربة بلغنا مدينة الدبة ومنها لامدرمان عبر طريق شريان الشمال، وفوجئنا بعدم وجود رقم جلوس من مركز الطوارئ، ولذلك إتجهت لمدينة كوستي التي وصلتها بعد إسبوع.. وأتقدم بالشكر والعرفان لحكومة ولاية النيل الأبيض على حسن إستقبالنا وضيافتها لنا، حيث زارنا الوالي ووزير التربية والتعليم وأهل كوستي وطلابها وطالباتها.
بطش المليشيا:
طالب شهادة سودانية قال: عند خروجنا من مدينة نيالا وكنا مجموعة طلاب وطالبات تعرضنا للبطش والقهر من المليشيا، والتي أجرت معنا تحقيقات عنيفة وكانوا يسألوننا إذا كنا ننتمي لقبيلة يقاتل أفرادها مع الجيش.
الطالبة، نادين عمر، قالت بإقتضاب: العائلات تعاني من شح المال اللازم لشراء الطعام من السوق فما بالكم بالسفر من نيالا إلى مدينة أخرى تبعد مئات الأميال بتكلفة سفر لا تقل عن (600 ــ 800) ألف جنيه، لأداء بناتهم الطالبات لإمتحان الشهادة السودانية، ولذلك لا أذيع سرا لو قلت ان مئات الطلاب والطالبات بقرى ومدن غرب كردفان إستسلموا للأمر الواقع وقرروا تجميد العام الدراسي ليس بسبب الوضع الأمني فقط بل للعوز أيضا.
عشانكم:
من الملاحم المجتمعية التي صاحبت إمتحانات الشهادة السودانية المؤجلة 2024 مبادرة (عشانكم) والتي شهدتها عاصمة الجزيرة الخضراء، مدني، والتي قادها جهاز المخابرات العامة ولاية الجزيرة، بالتنسيق مع غرفة أصحاب البصات والحافلات السفرية، وإشراف والي الولاية، لترحيل طلاب الشهادة من أماكن السكن إلى مراكز الإمتحانات المختلفة بالمدينة وبالعكس.. العقيد، عبد العزيز ضو البيت، مدير جهاز المخابرات محلية مدني الكبرى صرح لوكالة الانباء السودانية (سونا) حول مبادرة جهاز المخابرات بقوله:
مسارات ترحيل طلاب وطالبات الشهادة المحددة تشمل وحدات مدني شرق وشمال ووسط وجنوب، بجانب وحدة حنتوب الإدارية.. وتنطلق الرحلات الساعة 12 ظهرا والعودة بالطلاب والطالبات عند الخامسة والنصف مساء بعد إنتهاء الإمتحانات.
مبادرة وصلني:
(وصلني)، مبادرة للصحفية، سهير عبد الرحيم، رئيس منظمة (خطوة عشم)، لترحيل طلاب وطالبات الشهادة السودانية مجانا لمراكز الإمتحانات بكسلا، بدعم من المؤسسة التعاونية الوطنية التابعة للقوات المسلحة، بالتنسيق والتأمين مع جهاز المخابرات العامة ولاية كسلا.. كما أطلقت نفس الصحفية، مبادرة أخرى بجمهورية مصر العربية لترحيل طلاب الشهادة السودانية مجانا لـ(12) مركز إمتحان بالقاهرة.