ممنوع بأمر الطبيب
من المسافة صفر_ د. سلوى حسن صديق
*بعد إلتحاقهن بالجامعة شاءت الأقدار أن يجمعهن سكن داخلي في واحدة من الأحياء الراقية بالخرطوم، سرعان ما تشابكت العلاقات شأن الحياة السودانية وتداخلاتها الجميلة.
*كانت مجموعتهن مختلفة في كل شئ،
كن أقرب للشقيقات منهن للصديقات، تميزت علاقتهن بالحرص في مودة وذوق.
*أصبحت المجموعة مرجعية في الخدمات، الكل يسألها عن تفاصيل اليوم ..عن التنسيق مع المشرفة والترحيل إلى الجامعة وعن وعن .
*هكذا كانت تمضي أيامهن جميلة رغم صعوبة الدراسة في الجامعة المرموقة والتي قطعن لها الفيافي من بلاد المهجر.
*جاءت الحرب اللعينة لتقطع شلال الحياة السعيدة والأحلام الوردية.
*منذ اللحظات الأولى اتجه الأهل في بحث الطريق الآمن لعودتهن، ولكن آخر طائرة غادرت من مطار الخرطوم كانت عند السابعة صباحا يوم الحرب لقد توقف كل شئ .
*بدأت الحلول فردية وقد تسربت معظم الطالبات إلى الأهل والأقارب إلا ثلاثتهن.
*كن يمنين الأنفس بحل مختلف يمكهن من السفر، ولكن هيهات.
*تسارعت وتيرة الأحداث وبدأت الخدمات تنقطع، خلال أيام اختلفت الحياة واصبح الجهر سرا حتى الحديث همسا.
*الفتيات في مأزق لايستطعن الخروج ولا البقاء وقد نفد كل ما يمكن الإعتماد عليه.
*في ذاك اليوم الحزين قررن أن يواجهن المصير بعد أن أعياهن الجوع والخوف من الخروج.
*ثم توكلن.. تلفهن عباياتهن وهن في حالة من التعب والإعياء لا توصف.
*كان الوقت منتصف النهار، أقرب الارتكازات إليهن على بعد خطوات من سكنهن.
*لقد استباح الاوغاد عمارة مجاورة، وهاهم يتضاحكون في هستريا ونشوة أمام بوابتها المشرعة كانها ملك ابيهم.
*كان ثلاثتهن في حالة يرثي لها، لحظات ثم وجدن أنفسهن أمامهم ..أناس يشبهون الوحوش المفترسة.
*إنتبه الاوغاد إلى وجودهن متعجبين من اين جاء هذا الصيد…طلبت إحداهن ان تتكلم ثم قصت عليهم الحال في أدب وحشمة كأنها تتحدث إلى ابناء الجيران أملا في النخوة والرجالة التي تعودتها في مثل هذه المواقف.
*لم ينتظرها الاوغاد حتى تكمل ومن اين لهم بالتهذيب والأناة والحكمة.
*رفع أحدهم سلاحه في الهواء إيذانا ببداية (المعاملة).
*إنتبه أحد أفراد المجموعة إلى انهن جائعات فقال لهن (ادخلو.. اكلن بالأول )، اطمأنت الفتيات قليلا، وهدا روعهن ثم دخلن عبر البوابة المشرعة .
*وقفن أمام بهو الصالون الفسيح فنادى عليهن أحدهم ..شخص مبرم الاشناب.
*حركت اثنتان من الفتيات ارجلا ثقيلة ليدخلا..
أما هي فقد تأخرت قليلا.
*في لمحة عابرة قرأت المشهد بعد أن لاحظت أن الشياطين كلهم يسرعون الخطى نحو البهو،
استدارت نحو الخارج خلال لحظات ثم سمعت صراخ صديقتها باللغة الانجليزية تصيح في هستريا دون ذكر إسم بعبارة واحدة ( اهربي ) ثم تكررها.
*المشهد كما وصفته عمره ثواني ولكنه يعادل شهورا.
*لا تدري كيف خرجت ولكنها خرجت ..اخذت تجري في الشوارع دون وجهة لم تلتفت للوراء.
*في مدخل شارع ضيق رأت مجموعة من الناس أمامهم بص سفري، وصلتهم وهي على هذه الحال، نظر إليها الجميع امتلأت عيونهم بالدموع رجالا ونساء، حقا حالها يغني عن السؤال.
*ضمتها إلى صدرها امرأة في عمر أمها …
بعد الوصول إلى مدني لاحظت الأسرة التي آوتها أن الشابة ليست على مايرام.
*بدأ حديثها أكثر من المعدل الطبيعي، كانت تعيد قصتها وقصة صديقتيها لكل من تراه. .
اخذ مضيفوها يسرعون الخطو لتكتمل اجراءاتها وتلحق بالأسرة .
*بعد تفاصيل كثيرة لحقت بأسرتها في مغتربهم والحمد لله ولكن للاسف تدهورت صحتها النفسية كثيرا..
*وسط دموع الأهل والأقارب والأصدقاء بدأت رحلة العلاج النفسي مع كبار الاختصاصيين .
*بحمد الله وبفضل الأطباء ووقفة الأسرة كانت الاستجابة فوق المعدل.
*شئ واحد فقط منعه الأطباء وحذروا منه وهو ألا يذكرها احد بصديقتيها ولا يذكر اسميهما أمامها.