اقتفاء تجارب الدول ,, إعادة الإعمار … التفكير خارج الصندوق

 

تقرير- عاكفة الشيخ :

تعاني البلاد منذ الخامس عشر من أبريل العام 2023 م من الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع .
وتعد آثار هذه الحرب الكارثية مدمرة وذلك لاستهداف المليشيا للمواطنين في مسكنهم وبنية بلادهم التحتية ومؤسسات الدولة والمنشآت الخدمية الأساسية وعلى رأسها محطات المياه والكهرباء ما جعلها تتسم بالتدمير الممنهج والمتعمد والتأثير على كافة مناحي الحياة .
وخسائر هذه الحرب لا تعد ولا تحصى وتتجدد يوما بعد يوم ، وقد طالت أرواح المواطنين التي ازهقت وكان تأثيرها على المرافق الخدمية والاقتصادية فوق التصور.

التفكير خارج الصندوق:

قدرت خسائر قطاع الصناعة وحده جراء الحرب وفقا لوزيرة الصناعة في يوليو الماضي وحجم الدمار الذي وقع على القطاع لحوالي 90 % من حجمه وقدر حجم خسائر القطاع الصناعي بتضرر (3493) منشأة صناعية موزعة ما بين منشآت متوسطة وكبيرة بولاية الخرطوم، وقدرت أعداد العمالة بالمنشآت الصناعية المتضررة بأكثر من (250) ألف عاملا بجانب فقدان الأصول ..
كل ذلك أدى للتفكير خارج الصندوق في كيفية إعادة الإعمار والبناء واقتفاء أثر الدول ، وفي وقت باكر أطلق وزير الصحة المكلف د . هيثم محمد إبراهيم نداء دوليا و محليا وإقليميا لإعمار قطاع الصحة، وعمل على وضع الترتيبات والأهداف في هذا الصدد بحيث يبدأ العمل في المستشفيات التي دمرتها الحرب ومن ثم العمل على تأهيل وتقوية النظم الصحية في الولايات .

مبادرة السوباط:

وتم مؤخرا تدشين مبادرة رجل الأعمال ورئيس نادي الهلال هشام السوباط لإعادة الإعمار بالسودان، وتم التفاكر حول عدد من المجالات بالتركيز على قطاع التعليم العالي ، وتم تنفيذ نفير لإعادة تأهيل عدد من المستشفيات، مستشفى أم درمان والدايات بمشاركة الجهات الرسمية والشعبية .

الكهرباء والمياه:

وشهدت المناطق المتأثرة بالحرب جهودا مقدرة لإصلاح خطوط الكهرباء والمياه، وتم التحضير لورش عمل بولاية الخرطوم لإعمار الولاية في إطار مشروع الإعمار والتعافي لتحديد حجم الدمار والعمل على الإعمار وصناعة المستقبل .

 

وحدات سكنية:

وفي إطار التجارة أوضح الوزير المكلف أنه يجري العمل لوضع خطة وبرنامج عمل لإعادة إعمار وتنمية السودان بعد الحرب وفي الوقت نفسه أعلن السيد مسعد عبد الحميد الأمين العام لاتحاد المصدرين والمستوردين العرب أنه يجري العمل لوضع الترتيبات اللازمة لتمويل مشروعات متعددة في إطار إعمار وتنمية السودان بعد الحرب تشمل بناء 5 آلاف وحدة سكنية خلال ثلاثة أشهر وتوفير مستشفيات متحركة .
وأكد نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار على الدور المنتظر للشباب في مرحلة ما بعد الحرب ورسم ملامح المرحلة المقبلة ودعم الجهود بطاقاتهم وافكارهم لوضع خارطة طريق .

تجارب الدول:

وأشار والي الخرطوم لأهمية مرحلة الإعمار ومتطلباتها لحشد الطاقات البشرية والمادية والفكرية وضرورة استصحاب تجارب الدول لإحداث نهضة عمرانية تواكب العمران العالمي وفق منهجية علمية وإعادة الحياة لطبيعتها بإعطاء أولوية لأعمار المرافق الخدمية التي تدمرت بسبب الحرب .
وتوالت الجهود بعقد ورشة إعادة بناء وتأهيل القطاع الصناعي بالقاهرة في يونيو الماضي ، وأعلن الأمين العام للاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية سعادة السفير عبد المنعم محمد محمود في الورشة استعداد الاتحاد لتنظيم مؤتمر عربي دولي لإعادة تأهيل وبناء القطاع الصناعي بالسودان عقب انتهاء الحرب واستتباب الأمن مشيرا إلى أن الاتحاد حاليا يقوم بتنظيم ورشة عمل تمهد لتقييم الوضع الحالي وتقديم المقترحات المطلوب تنفيذها تمهيدا لعقد المؤتمر .

لحصر الأضرار:

وتمت التأكيدات على ضرورة إعداد مسح شامل للمصانع السودانية التي تدمرت كلياً أو جزئياً في الحرب بالتعاون بين وزارة الصناعة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) والمنظمة العربية للتنمية الصناعية وبمساعدة من بعض الدول العربية ودول العالم المهتمة بالشأن السوداني، وشكل مجلس السيادة الانتقالي لجنة عليا لحصر الأضرار ووضع خطة لإعادة الإعمار لما بعد الحرب برئاسة وزير المالية ، وتم تكليف جميع الوزارات والجهات الحكومية لتقديم خططها لإعادة الإعمار وتقييم الأضرار التي لحقت بالمؤسسات .

تجربة اليابان :

ويجري العمل على حصر الخسائر والأضرار من جهة، ومن جهة أخرى يجري العمل على وضع خطة قومية لإعادة الإعمار ليتم لاحقا تكليف جهات فنية وتنفيذية للتنفيذ .
واستمعت اللجنة في اجتماع لها لعرض حول التجربة اليابانية في مجال البناء وإعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية بالتعاون مع السفارة اليابانية ومكتب الوكالة اليابانية للتعاون الدولي بحضور أعضاء اللجنة من الوزراء والجهات والخبراء والجهات المعنية الأخرى.
قدمه البروفيسور شونودا هيديكي – جامعة طوكيو للدراسات الدولية عن مراحل التجربة اليابانية في بناء السلام والتنمية والإعمار بعد الحرب العالمية الثانية من خلال دراسة حالة مدينة هيروشيما اليابانية التي دمرت بالقنبلة الذرية.
وأشار إلى أن التجربة ليست بالضرورة يجب تطبيقها في حالة السودان لعدم التشابه في جوانب كثيرة، لكن يمكن الاستفادة من جوانبها الإيجابية، حيث ركز البروفيسور على الجوانب المتعلقة ببناء السلام من خلال السياسات والبرامج والمشاريع والتقييم المستمر والتي تسعى إلى بناء السلام والتحول الصناعي وحل المشاكل المتعلقة بالأراضي وتخفيف آثار القنبلة الذرية.

الصين والمانيا:

وأكدت الصين في لقاء رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مؤخرا السيد تساي تشي عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، أكدت على لسان السيد تساي مساهمتها في إعادة إعمار وتعمير السودان بعد انتهاء الحرب .
وتناول بروفيسور هانس رنكي كبير المستشارين بالمجموعة الالمانية للخدمات والاستشارات في اجتماع وفد المجموعة بوزير الطاقة والنفط د.محي الدين نعيم محمد سعيد في فبراير الماضي تصور المجموعة الالمانية لإعادة الإعمار في السودان والتخلص من مخلفات الحرب بالاستفادة من التجربة الالمانية في إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية بألمانيا.

تجربة رواندا:
وتعد رواندا نموذجا لتجربة ناجحة في إعادة الإعمار بعد مأساتها في حرب العام 1994 م حيث انصرفت بعدها لبناء نفسها وسارت بخطى حثيثة لتحقق التقدم الاقتصادي والاجتماعياً الذي تم التخطيط لبلوغه فأطلق عليها البعض لقب (سنغافورة أفريقيا) وحققت تسارعا في نموها الاقتصادي وحققت أعلى معدل للالتحاق بالتعليم في أفريقيا بجانب خططها التي عملت على تنفيذها لتنمية القطاع الزراعي رغم صغرها ومحدودية إمكانياتها .

تقييم الضرر:

واستحسن عدد من الخبراء تكوين لجنة لإعادة إعمار البلاد حيث تم تكوين لجنة لإعداد رؤية اقتصادية لفترة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار والتعويضات برئاسة وزير المالية، وأكدوا على ضرورة تكوين لجنة أخرى لحصر خسائر القطاعات المختلفة المصرفي، الصناعي، التجاري، الخدمي والزراعي وغيره .
وأشار البعض إلى ضرورة إجراء حصر وفق لجان وفرق عمل ميدانية متخصصة تعمل على تقييم الضرر الذى لحق بالبلاد جراء الحرب بشكل كامل وتقديم أرقام حقيقية لتحديد قيمة التعويضات وإعادة الإعمار .
وأكد بعضهم على ضرورة الاستفادة من التجربة المصرية في تطوير البنية التحتية وإقامة المشروعات الكبرى في وقت وجيز .
ويرى الكثيرين أنه على السودانيين الاستفادة تجربة الحرب وتحويلها لصالح النظر إلى التنمية الداخلية بعين جديدة والنظر للكيفية التي تقف بها الدول على قدميها وتطور نفسها من خلال توظيف مواردها وقدراتها والتفكير والعمل بجدية وابتكار طرق الخروج من الأزمات.

إعادة توطين:

ودعا عدد من المختصين لإعادة الإعمار بإعادة توطين التمركزات خارج نطاق العاصمة وإنشاء مدن صناعية جديدة في ولايات السودان المختلفة وتجهيزها بالبنية التحتية اللازمة بهدف إنشاء صناعات سودانية حديثة ونقل بعض الصناعات الحالية إلى الأقاليم وذلك بهدف توزيع الصناعات إلى جميع أنحاء السودان قدر المستطاع مع استهداف اماكن تواجد المواد الخام وأن تكون المصانع بتقنيات حديثة تستخدم معدات الجيل الرابع للثورة الصناعية حتى تواكب التطورات العالمية في هذا المجال، وتم بالفعل وضع حجر الأساس لمدينة الأندلس الصناعية بالولاية الشمالية بدنقلا في أكتوبر الماضي في مساحة 750 ألف متر مربع في المرحلة الأولى، وتصل في المرحلتين الثانية والثالثة إلى 25 مليون متر مربع، وتم خلال سبتمبر الحالي تدشين أرض الصناعات الدوائية بكسلا، ودعا عدد من المختصين لإنشاء بنك للإعمار.