المخابرات ومحاولات التفكيك
بعد .. و .. مسافة_مصطفى ابوالعزائم
*دعونا نحيي السيد مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل ، لأنه إستطاع مع معاونيه ومساعديه ، وبحنكته وخبرته وقدراته العالية ، إستطاع أن يقوم بواجبه تماما في تجاوز العراقيل ، والقفز فوق المطبات المصنوعة لتحطيم الدولة ، ضمن مخطط كبير يعمل على خلخلة البنيات الأساسية للدولة السودانية ، يستهدف بعض دول الجوار.
*حسناً فعل مفضل ومعاونوه بأن كان لهم دوراً مقدراً في إعادة وإستقطاب بعض الذين جنحوا إلى جانب آخر ، لا يريد لهذا الوطن أمناً ولا سلامة ولا طمأنينة ، وربما لا يريد ذلك لبعض دول الجوار السوداني المباشر أو الإقليمي.
*نجاح قيادة جهاز المخابرات العامة ليس بمستغرب ، رغم محاولات البعض تفكيكه وإضعافه بإسم الثورة ، وعمل البعض على تصفيته بدعاوي إعادة الهيكلة تارة ، وبدعاوي تحديد الصلاحيات ، لكن العقل السوداني اليقظ أبطل كل تلك المحاولات فبقي جهاز المخابرات العامة ليقوم بدوره المطلوب، مثلما هو قائم في كل الدول الحديثة والقديمة التي عرفت أهميته ودوره في الحفاظ على الهوية الوطنية للمواطن السوداني بعيداً عن أي إنتماءات سياسية أو مناطقية أو إثنية.
*تعتبر أجهزة الأمن في بلادنا من الأجهزة القديمة ، لكنها لم تكن مستقرة طوال تاريخها ، وقد تأسس أول جهاز للأمن في العام 1898م بعد الغزو البريطاني لبلادنا ، إذ رأت الإدارة البريطانية أهمية إنشاء جهاز أمن متخصص لمواجهة مخاوفها من تجدد الدعوة للمهدية ، وهو ما حدا بالسكرتير الإداري البريطاني إلى إنشاء جهاز تحت إدارته ، أطلق عليه إسم القِسم المخصوص ، لمتابعة كل ما يهدد نظام الحكم وقتها ، ومع زيادة الوعي بين المواطنين تم التوسع في عمل هذا الجهاز الإستخباري وأصبحت هناك إدارة مختصة بعد الإستقلال في وزارة الداخلية من مهامها الرقابة على الصحف ، ومتابعة أنشطة بعض الأحزاب خاصة الحزب الشيوعي السوداني ، وما يسمى بالأنشطة الهدامة ، وعندما إنقلب العقيد أركان حرب جعفر محمد نميري رحمه الله على الديمقراطية الثانية في الخامس والعشرين من مايو 1969م مسنوداً باليسار ، و ما يُسمّى بالقوى الثورية والنقابات ، تم تكليف الرائد فاروق عثمان حمدلله – رحمه الله – ليكون وزيراً للداخلية ، وتمّ تعيين زيادة ساتّي رئيساً لجهاز الأمن يعاونه إثنان هما محمد أحمد سليمان ، وعبدالعظيم محمد عبدالحفيظ ، وأُوكِل لهما مسؤولية العمل الميداني والعمليات ، لكن الأمر لم يستمر كثيراً ، وحدث أن قام اليسار نفسه بالإنقلاب على الرئيس نميري ، في 19 يوليو عام 1971م ، ليتم فصل الأمن الداخلي عن وزارة الداخلية ، تحت مسمّىً جديد هو الأمن العام برئاسة السيد عبدالوهاب إبراهيم – رحمه الله – بدرجة وزير وقد جلستُ إليه عدة مرات خلال الأعوام القليلة الماضية ، وإستمعت منه للكثير وتمّ النشر في صحيفة أخبار اليوم التي كنت مستشاراً للتحرير فيها ، ومسؤولاً عن إصدار عددها الأسبوعي ، وعرفت من الرجل أنه أجرى تعديلاتٍ كبيرة في أساليب العمل.
*أما بالنسبة لإنشاء جهاز الأمن القومي فقد أُنْشئ أواخر العام 1969م بإشراف تام من الرائد مأمون عوض أبوزيد عضو مجلس قيادة الثورة ، وقد كان أحد منسوبي المخابرات العسكرية المميزين ، وكانت البداية من خلال مًسمّيينْ هما الأمن القومي والأمن العام ، لكن تم دمجهما عام 1978م ، تحت مسمىً جديد هو جهاز أمن الدولة ، وقد ضمّ عدة إدارات وأقسام ، مثل القسم السياسي وقسم المخابرات الخارجية ، والقسم الفني ، وقسم المراقبة ، وأقسام أخرى مثل التحرّي والسجلات والمعلومات والإدارة القانونية والشؤون المالية والإدارية.
*كان جهاز أمن الدولة من أوسع أجهزة المخابرات نشاطاً في المنطقة والإقليم ، لكنه وعقب الإطاحة بحكم الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ، وبموجب القرار رقم ( 5 ) الصادر من القيادة العامة للقوات المسلحة في السابع من أبريل 1985 م ، أصبح في( خبر كان ) وتولت القوات المسلحة حراسته وحصر ما به من أسلحة وأجهزة إتصال داخلية وخارجية وكثير من المعدات والوثائق والمحفوظات ، لتبدأ مرحلة جديدة بعد إيداع كثير من ضباط جهاز أمن الدولة سجن كوبر ، لتبدأ مرحلة جديدة لاحقاً بإنشاء جهاز الأمن الوطني في عهد النّظام السّابِق لتولّي ملفات الأمن الداخلي ، وإنشاء جهاز المخابرات الذي كان مكلّفاً بالأمن الخارجي ، إلى أن تم دمج الجهازين في جهازٍ واح د وتحت إدارةٍ واحدة بإسم جهاز الأمن والمخابرات الوطني.
*ترى هل ما حدث عام 1985 م يمكن أن يحدث الآن بعد أن تم تسميته بجهاز المخابرات العامة… ؟ لا نرى إن ذلك يمكن أن يحدث الآن ، وإلا نكون قد وقعنا في الخطأ مرّتين .. ولا يُلدغُ المؤمن من جحر مرتين.
*ويرى كثير من المراقبين إن الخبرات العملية والمهنية المكتسبة لدى القيادات العليا والوسيطة ، داخل جهاز المخابرات العامة ، ووعي قيادة الدولة بأهمية هذا الجهاز ، ستكون عاصما له ولبلادنا من الوقوع في ذات الأخطاء القديمة، لأننا وبلادنا حقيقة في أمس الحاجة لأن تكون لدينا مؤسسات حقيقية فاعلة في كل المجالات.