أشهر الجرائم والقضايا بالمحاكم السودانية.. (5)

 

مرافعة دفاع قوية تنقذ صيدلي متهم بالاختلاس من السجن

الأستاذة راشدة المحامي: الثغرات القانونية في اقوال شهود الإتهام كانت كافية لتبرئة موكلي

الأستاذ احمد عبده المحامي: انصح المحامين الجُدد دراسة القضايا التي يترافعون فيها من كافة جوانبها وتفاصيلها قبل الجلسات

القاضي يأمر بإطلاق سراح المتهم من الحراسة لغياب الشاكي 3 جلسات متتالية

تحقيق: التاج عثمان

القضية التي ننشرها في هذه الحلقة الخامسة قضية إختلاس متهم فيها صيدلي لإختلاسه مبلغا كبيرا من المال من الصيدلية التي يعمل بها.. كل الأدلة واقوال شهود الإتهام كانت تسير في إتجاه إدانة المحكمة للصيدلي المتهم خاصة وانه بلا أي شهود.. غير ان مرافعة الدفاع القوية نجحت بعد عدة جلسات في تبرئته بعد ان كان قاب قوسين او ادني من قضبان السجن.. واليكم التفاصيل..

تعود وقائع هذه القضية للعام 2001م وبدأت ببلاغ قدمه صاحب صيدلية بشارع العدني بأمدرمان يتهم فيها صيدلي يعمل معه بالصيدلية بإختلاس مبلغ 15 ألف جنيه وكان مبلغا كبيرا ذلك الوقت.. وبعد التحريات وأخذ اقوال المدعي والمدعي عليه تمت إحالة القضية لمحكمة جنايات امدرمان وسط.. ومن هنا ندع الأستاذة راشدة إسماعيل مكي احمد المحامي وموثق العقود بالخرطوم بحري والتي مثلت في القضية المدعي عليه ــ المتهم ــ تورد التفاصيل:

” حقيقة يعود الفضل في كل القضايا التي ترافعت فيها وكسبت معظمها إلى أستاذي محمد المأمون احمد عبده المشهور بـ(احمد عبده) والذي يعد من أكفأ واميز المحامين السودانيين، واعتبره الأب الروحي لي إذ عملت معه عقب تخرجي من كلية القانون بمكتبه ببحري لمدة 7 سنوات.. وكان دائما ينصحني مع بقية المحامين الجُدد المتدربين والعاملين معه ضرورة دراسة القضية من كافة تفاصيلها وجوانبها وتحليل شخصيات أطرافها المدعي والمدعي عليه وخاصة شهود الإتهام، لان معرفة مفاتيح هذه الأطراف تعتبر بداية كسب المحامي للقضية.. وظللت اعمل بنصيحة أستاذي الموقر في كل قضية اترافع فيها.. ففي هذه القضية التي نحن بصددها قمت قبل بداية جلسات المحكمة بزيارة الصيدلية التي كان يعمل بها موكلي المتهم الصيدلي.. وبعد الجلسة الأولى تعرفت على شهود الإتهام وكانوا ثلاثة صيدليان ومحاسب، كما تعرفت على طبيعة نظام إدارة المال داخل الصيدليات.. ايضا إستعنت بأحد كبار المحاسبين ومنه تعرفت على الدورة المحاسبية في الصيدليات عموما.. تسلحت بهذه المعلومات وأصبحت جاهزة تماما للدفاع عن موكلي الصيدلي المتهم بالإختلاس والذي ظل داخل الحراسة لثلاثة أسابيع منذ فتح البلاغ ضده لعدم سداد الضمانة المالية”.

بداية الجلسات

“نظرت محكمة جنايات امدرمان وسط في هذه القضية وإستمرت الجلسات اسبوعين وكان الصيدلي المدعي عليه ليس له أي شهود، بينما الشاكي أحضر ثلاثة شهود، وإنتهزت فرصة غياب الشاكي لثلاث جلسات للمحكمة فخاطبت القاضي بالإفراج عن موكلي من الحراسة لغياب المدعي المتكرر من الجلسات، وبالفعل أصدر القاضي قراره بإطلاق سراحه من الحراسة مشيرا: “غياب الشاكي لثلاث جلسات يثبت عدم جديته ولذلك أطلق سراح المتهم بالضمان الشخصي”.. وكان هذا اول نصر لي في القضية.

صاحب الصيدلية (المدعي) احضر ثلاثة شهود، الشاهد الأول صيدلي يعمل معه بالصيدلية في الوردية الصباحية، بجانب صيدلي آخر كشاهد ثاني، ومحاسب شاهد ثالث.. وكنت قبل بدء الجلسات كما ذكرت استشرت محاسبا شهيرا عن حسابات الصيدليات وكيف يتم توريد قيمة الدواء المباع او الوارد للصيدلية بجانب المنصرفات وحركة الشيكات الخاصة بالأدوية.. وبعد مرافعة الإتهام طلبت الإذن من القاضي لسؤال الشاهد الأول الصيدلي الذي يعمل في الوردية الصباحية، فسألته:

*هل تعمل عادة في الصيدلية بالوردية الصباحية؟

ــ أجل.

*عندما تنتهي ورديتك من يستلم منك الوردية الثانية؟

ــ صيدلي آخر يعمل عادة في الوردية الثانية المسائية.

*هل هو نفس المتهم الموجود الان في المحكمة ام شخص غيره؟

ــ هو نفسه.

*بعد إنتهاء زمن ورديتك الأولى هل تقوم بتسليم المبلغ المالي المتجمع من مبيعات الادوية وحساب المنصرفات للصيدلي البديل العامل في الوردية الثانية؟

ــ لا، فالتوريده تكون عادة موجودة في الدرج.

*ذلك يعني انه لا يوجد تسليم وتسلم بينك وبين الصيدلي العامل في الوردية الثانية.

ــ اجل، فالصيدلي العامل في الوردية الثانية يجد مبالغ الادوية المباعة خلال ورديتي الصباحية في الدرج.

*اعلم إنك قمت بشراء طفاية حريق جديدة فهل قمت بتسجيلها كمنصرفات؟

ــ لا.

*كيف تشتري الادوية التي تحتاجها الصيدلية؟

ــ بالشيكات.

شهادة المحاسب

في إحدى الجلسات احضر المدعي أحد المحاسبين مشيرا انه راجع الادوية الداخلة والخارجة من الصيدلية فوجد ان هناك فرقا حوالي 17 ألف جنيه.. وكنت سلفا قد تحصلت على معلومات عن المحاسب الشاهد فاتضح لي انه غير مسجل وهو غير محاسب قانوني.. وأوضحت ذلك امام المحكمة، ثم سألت المحاسب بقولي:

*كم تبلغ سنوات خبرتك في اعمال المحاسبة؟

ــ عملت في القيادة العامة لتأدية الخدمة الإلزامية، بعدها ذهبت للسعودية.

*ذلك يعني أنك بلا خبرة في مجال الأعمال المحاسبية؟

ــ قد يكون ذلك صحيحا نوعا ما.

*هل راجعت الادوية الداخلة والخارجة من الصيدلية؟

ــ اجل.

*هل وجدت فرقا فيها.

ــ اجل وجدت فرقا 17 ألف جنيه.

*هل كنت تحسب المبالغ التي توردها الصيدلية لشركات الادوية بجانب فواتير الكهرباء.

ــ لا.

وبعد ان انهيت إستجوابي للشاهدين توجه القاضي للمتهم بالسؤال: “انت متهم بإختلاس مبلغ 17 ألف جنيه، فهل انت مذنب ام غير مذنب؟

ــ أجاب المتهم في ثقة وعدم تردد: “غير مذنب”.

مرافعة الدفاع

*سألني القاضي: هل لديك شهود دفاع؟

ــ اجبته بالنفي ليس لدي شهود دفاع، لكن خط دفاعي مرافعة دفاع ختامية، والتمس من المحكمة الموقرة الإستماع إليها.. فأذن لي القاضي وقلت فيها:

“سيادة القاضي، المحاسب شاهد الإتهام لم يكن دقيقا ولم يأتي بالإيرادات والمنصرفات والمدفوعات الأخرى كالكهرباء والإيجار واعمال النظافة، فهو لم يشر إليها في شهادته بل اعتمد على الأدوية من غير توضيح الشيكات.. كما ان الصيادلة الاثنين العاملين بالوردتين لم يتبعا الطريقة المحاسبية القانونية أي التسليم والتسلم عبر الكتابة والمستندات، وبالتالي هناك ثغرة قانونية في هذه القضية في صالح موكلي على ضوءها اناشد المحكمة الموقرة بتبرئته من تهمة الإختلاس”.

قرار المحكمة

تقول الأستاذة راشدة إسماعيل مكي المحامي في ختام هذه القضية: “قرار القاضي جاء مشابها لمذكرة دفاعي في القضية والتي تلوتها امام المحكمة الموقرة، حيث تمت تبرئة الصيدلي المتهم.. بينما قام محامي الشاكي بإستئناف الحكم لدى محكمة الاستئناف والتي ايدت حكم محكمة جنايات امدرمان وسط وقضت أيضا بتبرئته.