إستقلال السودان وتحدي مليشيا الجنجويد

لا خير فينا إن لم نقلها 
د.عبدالله محيي الدين الجنايني 

*هو درس جديد في الوحدة الوطنية المفقودة, يدرسه الشعب السوداني ويتخرج في جامعته.
*في التاسع عشر من ديسمبر عام 1955، شهد البرلمان السوداني لحظة تاريخية فاصلة، حيث أُعلن استقلال السودان. لم يكن هذا مجرد إعلان روتيني، بل كان تجسيداً لوحدة وطنية نادرة، جمعت أطياف الشعب السوداني تحت راية واحدة،رغم إختلافات القبلية والجهوية.
*كان القرار بمثابة فصل جديد في تاريخ البلاد، يُختتم به عهد الاستعمار ويُفتتح به عهد الحرية والسيادة ودولة السودان الحديثة في عالم تحكم تنظيمه مواثيق دولية وتقوده منظمة الأمم المتحدة و تسعى فيه الإرادة الدولية لتحكيم القانون الدولي والمواثيق والإتفاقيات في أي نزاع وتعمل من أجل السلام في الأرض.
*إنها قصة ذلك اليوم المُشرق، الذي يتسلط فيه الضوء على دورٍ بارزٍ لعبَهُ نوابٌ من مناطق مختلفة من السودان، مثل النائب عبدالرحمن محمد إبراهيم دبكة من نيالا غرب في دار فور، و مَشار جمعة سهل من دار حامد غرب، والزعيم إسماعيل الأزهري من مدينة الأبيض في كردفان, وقد تجلى ذلك الوئام الوطني في كلمة النائب دبكةومقترحه من داخل جلسة البرلمان في ذلك اليوم، حيث أعلن بوضوح نعلن باسم شعب السودان أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة, وكانت كلمات الزعيم الأزهري شديدة الوضوح (اليوم نعلنها داوية ومن داخل هذا البرلمان أن السودان حراً مستقلاً بكل حدوده الجغرافية), إنها دولة 56 لكل جاهل لايعرف التاريخ، مؤكدةً على التزام الحكومة الجديدة بالحدود الجغرافية للسودان، بما فيها الجنوب، رغم مطالب الانفصال التي لم تظهر إلا لاحقاً وقد نال شعب الجنوب بإرادته إستقلاله وقيام دولته ولكن في حب بين أبناء الشعب الواحد الذي يعيش وفق رغبته في دولتين كل واحدة منهما ذات سيادة.
*يُبرز هذا الحدث التاريخي وحدة الهدف التي سادت بين أبناء السودان، مُمثلةً في أعضاء البرلمان من مختلف المناطق والقبائل، كالأزهري من البديرية بكردفان ودبكة من نيالا بدارفور و مشاور جمعة سهل من قبيلة دار حامد في كردفان. وهذا يُبرز مدى تماسك النسيج الوطني السوداني في تلك الحقبة
.. لم تكن الهويات القبلية أو الجهوية عائقاً أمام تحقيق حلم الاستقلال.
*ويُثير هذا المقال سؤالين مُلِحّيْن, أين ذهبت تلك الروح الوطنية التي شهدها إستقلال السودان, و كيف تُترجم هذه التجربة التاريخية إلى واقع معاصر يواجه تحديات كبيرة تُهدد وحدة البلاد، مثل ظهور مليشيا الجنجويد (الدعم السريع)؟.
*ففي مقابل صورة الوحدة التي تُجسدها قصة إستقلال السودان، تُبْرِزُالسنوات الأخيرة صورةً مُعاكسةً تُظهر فجواتٍ عميقة بين مكونات الشعب السوداني, وهو ما ندعوا له علماء السياسية والإجتماع وعلماء النفس والاقتصاد أن يتدارسوه ويصدروا لنا فيه وجهات نظرهم العلمية والعمل على وضع إستراتيجيات معالجة ذلك وعدم ظهوره مرة أخرى, فظهور جماعات مسلحة تستغل هذه الفجوات المصطنعة لتمزيق المجتمع السوداني، مثل جماعة ( الجنجويد) التي أطلق عليها الدعم السريع لتذوب في الجيش السوداني ولكنها غدرت به,وغيرها من الجماعات المماثلة,يعني أن هنالك خلل لابد من الجلوس لمعالجته.
*إنّ هذه الفجوات تسعى لإثارة النزاعات والعنف، مُهدّدةً بتمزيق النسيج الوطني السوداني وتشريد السكان وتهجيرهم قسرياً من مدنهم وقراهم وفق رؤيا تخدم مصالح دول شريرة تريد نمو إقتصادها على أشلاء دولة السودان وتخريبهاوتفكيك مجتمعها وإثارة الفتن التي تؤدي إلى الفوضى مما يتيح سرقة ثروات البلاد.
*تعالوا نتأمل بعمق هنا نص كلمة النائب عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة نائب دائرة نيالا غرب
سيدي الرئيس ، أرجو أن أقترح الآتي
أن نقدم خطاب إلى معالي الحاكم العام بالنص التالي نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً نعلن باسم شعب السودان أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونرجو من معاليكم أن تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي بهذا الإعلان فوراً «يسرني أن أتقدم بهذا الاقتراح العظيم في هذه اللحظة التاريخية الخالدة بعد أن اجتمعت كلمة الشعب السوداني المجيد على الاستقلال الكامل والسيادة للسودان ومصلحة البلاد العليا وفي إجتماع كلمة الأحزاب والهيئات السودانية عند هذه الغاية الوطنية الكريمة وفي هذا الإجماع الرائع الشامل لجميع أعضاء البرلمان ممثلاً في هذا المجلس الموقرعلى إعلان إستقلال السودان من هذا المنبر الشريف.
*إن فهم ماضي السودان الوطني وإعادة إحياء روح وحدة 1956، يُعد أمراً ضرورياً لمواجهة التحديات الحالية والحفاظ على إستقراروحدَة السودان, فالتاريخ يُعلّمنا أن قوة السودان تكمن في تلاحم شعبه وتوحيد إرادته, وأن التفرقة والعنف لا يُفضيان إلاّ إلى الخراب والدمار.
*يجب على القيادات السودانية والشعب بأسره أن يتعلموا من درس الوحدة التاريخي الذي ظهر في عام 1956م, ويعملوا معاً لبناء مستقبل أكثر سلاماً وعدلاً لسودان واحد قوي في دولة قانون ومؤسسات لها هيبة ويحترمها الجميع, وإرادة قوية تعمل وفق المصالح العليا لدولة السودان, ليسود القانون ويعم السلام أرض السودان.