السودان ومصر..روابط الدم والتاريخ المشترك
صلاح جمعه
العلاقات المصرية السودانية دائما ما كانت تتسم بالأخوة والارتباط الوثيق، ليس فقط بسبب القرب الجغرافي بل أيضا بسبب المصير المشترك والتاريخ المتداخل ، نحن أبناء النيل، نعيش على ضفتيه ونتقاسم موارده ومياهه، تربطنا أواصر الدم والمصير.
التاريخ والجغرافيا شكلا من السودان ومصر كيانا واحدا متكاملا عبر العصور، الروابط بين الشعبين المصري والسوداني تمتد إلى أبعد من العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية. نحن نتشارك في تاريخ طويل بدأ منذ العصور القديمة، حيث كانت الحضارات المصرية والسودانية تتكامل وتتفاعل على ضفاف النيل. العلاقات الاجتماعية والإنسانية ظلت على مر العصور جزءا لا يتجزأ من النسيج الذي يربط بين الشعبين.
من منظور استراتيجي، يشكل السودان عمقا استراتيجيا لمصر، والعكس صحيح ،تفاعل البلدين معا عبر التاريخ أثبت أن أي تهديد لأحدهما يعني تهديدا للآخر، وأن التعاون بينهما ليس مجرد خيار بل هو ضرورة حتمية، يعتمد السودان ومصر على بعضهما البعض في حماية مصالحهما الإقليمية، ومواجهة التحديات المشتركة سواء كانت سياسية أو اقتصادية.
التكامل والتعاون بين مصر والسودان ليس مجرد حلم، بل هو واقع يمكن تحقيقه إذا استغلت الفرص المتاحة بشكل صحيح. الاقتصاد والسياسة هما مجالان يمكن من خلالهما تحقيق نفع مشترك للبلدين ، مصر تمتلك خبرات صناعية وزراعية متقدمة يمكن أن تساهم في دعم الاقتصاد السوداني، في حين يمكن للسودان أن يوفر لمصر الموارد الطبيعية والمساحات الزراعية الواسعة. هذا التكامل سيؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتحقيق رفاهية للشعبين.
العلاقات بين مصر والسودان لا تقتصر على السياسة والاقتصاد، بل تمتد إلى ذكريات الدراسة والعلاقات الشخصية ، عندما التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة، تعرفت على أصدقاء سودانيين كانوا جزءا مهما من حياتي الجامعية ، هذه العلاقات عمقت فهمي للسودان وعززت من أواصر الأخوة بيننا.
الأخوة السودانيون يشعرون بالعتاب تجاه المصريين، فهم يعرفون الكثير عن مصر، بينما المصريون لا يعرفون إلا القليل عن السودان ، هذا يتطلب من مثقفي الجانبين العمل على زيادة المعرفة والتفاهم المتبادل بين الشعبين،ويجب على النخب الثقافية من البلدين الجلوس ومناقشة كيفية حل هذا التفاوت في المعرفة ووضع حلول عملية لتعزيزه.
لحل الأزمة السودانية، يجب اتخاذ ثلاث خطوات رئيسية: الضغط على قوات الدعم السريع لوقف القتال، الدخول في عملية سياسية وتأسيس فترة انتقالية فعالة تؤدي إلى بناء دستوري يضمن التلاحم الكامل لمكونات المجتمع السوداني ، الأزمة الحالية التي تعصف بالسودان وصلت إلى “مرحلة حرجة”، حيث أدت الحرب بين الجيش النظامي وهو يمثل الدولة السودانية ووجودها وقوات الدعم السريع إلى سقوط آلاف القتلى وتشريد الملايين، مما جعلها أسوأ أزمة لاجئين على مستوى العالم.
في هذا السياق، تعقد مفاوضات حاسمة في العاصمة السويسرية جنيف تحت رعاية الولايات المتحدة والسعودية، بهدف وضع حد لهذه الأزمة ،ورغم غياب وفد الحكومة السودانية عن هذه المفاوضات، بسبب اشتراطها تنفيذ اتفاق جدة كخطوة أولى قبل الدخول في مفاوضات جديدة، وهذ شرط منطقي ورفضها مشاركة الإمارات في الوساطة، إلا أن الجهود مستمرة للوصول إلى حل.
في ظل الأوضاع الراهنة، لا يمكننا إلا أن نتمنى من الله أن تنتهي الحرب في السودان بأسرع وقت، وأن يعود السودان إلى دوره الريادي في العالم العربي والإفريقي ، السودان بلد غني بالموارد والإمكانات البشرية، وله دور محوري في المنطقة.
استعادة الاستقرار في السودان ليس فقط مصلحة للسودانيين، بل هو ضرورة لاستقرار المنطقة بأكملها ، دعاؤنا أن يعود السودان أقوى مما كان، ليكون شريكا قويا لمصر في مواجهة التحديات المشتركة وتحقيق تطلعات الشعبين نحو مستقبل أفضل.
صحفي مصري