
تحرير مدني …. تغيير مسار الحرب (1-2)
موقف
د.حسن محمد صالح
*كما هو معلوم في فجر السبت 11 يناير 2025 م تم استرداد مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بوسط السودان .ولكي نعلم أهمية ود مدني لابد من العودة إلى الوراء قبل عام من الآن وعلى وجه التحديد يوم 18 ديسمبر 2023م تاريخ اجتياح قوات الدعم السريع المتمردة لمدينة ود مدني من الشرق عبر كبري جنتوب ومن الشمال عبر الطريق القومي وكان ذلك الاجتياح ما بين مصدق للحدث بحكم الواقع امام ناظريه وما بين مكذب للمتمردين الذين درجوا على الدعاية الإعلامية والترويج لانتصارات زائفة في مناطق مختلفة من السودان ولكن بكل أسف سقطت مدني في ذلك اليوم وظلت غصة في حلق السودانيين وألم يعتصر القلوب وضربة في مقتل لم تقلل منها الكلمات ولا التبرير بأن الجيش أراد تفريغ المليشيا في ولاية الجزيرة لتخفيف الضغط علي الخرطوم وتشتيت جهود المتمردين والتخلص منهم على مراحل.
*هذا القول لم تقل به القوات المسلحة لا تصريحا ولا تلميحا ولكننا وبحكم أمانة القلم ومعرفة الاوضاع والتطورات قلنا يومها إن الجيش الذي كنا نراه أمامنا وهو عزنا وفخرنا ونقف معه مؤيدين قد ابلي بلاءا حسنا لم يقصر ولكن لابد من المقاومة الشعبية لمساندة القوات المسلحة وتدريب أبناء الشعب وتسليحهم للدفاع عن بقية مدن السودان التي لم يدنسها التمرد واسترداد المناطق والمدن التي قام المتمردون باحتلالها فما هي العبر من ذلك الحدث الكبير و مجريات ما حدث مستقبلا وانعكاساته علي الحرب الدائرة الآن ؟ نقول الآتي:
*يعتبر احتلال مدني بواسطة التمرد هو الحدث الملهم والمعظم لدور المقاومة الشعبية وهو النبأ العظيم الذي فرض على قيادة القوات المسلحة توفير السلاح على قلته للمقاومة الشعبية وفرض على المواطنين أن ينفروا بأموالهم وأنفسهم في المقاومة الشعبية لدعم القوات المسلحة.
*شكل دخول مليشيا التمرد لمدينة ود مدني خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية لم يتم تعويضها رغم المحاولات التي حدثت في الولايات الآمنة من زراعة واستثمار وصناعة وغيرها وذلك للآتي:
*حدثت أكبر عملية نزوح من مدني بعد اجتياحها وهذا ما حذرت منه الأمم المتحدة التي وجهت نداء للدعم السريع بأن لا يدخل ود مدني نسبة للإعداد الكبيرة من النازحين لود مدني ومدن ولاية الجزيرة الاخرى من ولاية الخرطوم إلى ولاية الجزيرة لقربها وإمكانية العيش فيها وما وجدوه من ترحاب من مواطني ولاية الجزيرة في أي مكان.
*مليشيا التمرد ضربت بنداءات المجتمع الدولي عرض الحائط واحتلت مدني في نشوة البحث عن السيطرة على السودان وبهذا الاحتلال قضت على خطط المنظمات الدولية وخاصة منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية الفاو وبرنامج الغذاء العالمي وكانت هذه المنظمات قد جعلت من مدينة ود مدني منطلقا لأعمالها الإغاثية والصحية لتقديم العون الإنساني للمتضررين وكان ذلك بالتعاون مع الجهات الحكومية . قامت المليشيا باستهداف مخازن الأمم المتحدة ونهبها وتدمير المباني ونهب السيارات التابعة للأمم المتحدة وتدمير ونهب محطة الأبحاث الزراعية والقضاء علي اهم السلالات البستانية والشجرية والزراعية في السودان بما فيها القمح والقطن والصمغ العربي والحبوب الزيتية.
*استهدفت مليشيا الدعم السريع المزارعين في ولاية الجزيرة وصادرت المحاصيل الزراعية وقامت بتحميلها علي شاحنات تتبع لها وضربت المزارعين ونزعت الآليات الزراعية واوقفت الزراعة وأغلقت قنوات الري وحكمت على المواسم الزراعية في أكبر مشروع زراعي في العالم بالبوار والضياع واعتبرت تلك الأعمال من جانب المليشيا من الأسباب الرئيسة للحديث عن المجاعة في السودان لأن الجزيرة تنتج 65٪ من الغذاء في السودان.
*شكلت حادثة انسلاخ اللواء أبو عاقلة كيكل من الدعم السريع والاستسلام ومن ثم الانضمام للقوات المسلحة ردة فعل من قبل مليشيا الدعم السريع خاصة في مناطق شرق الجزيرة المحسوبة من قبل المتمردين على كيكل في رفاعة وتمبول والهلالية وود راوة حيث استباحت مليشيا الدعم السريع المدن والقري والفرقان, وكذا الحال في شمال الجزيرة وجنوبها وما ود النورة وود السماني والتكينة بعيدة عن الأذهان وقامت المليشيا بنهب المواطنين وقتلهم بالالاف ظنا منها أن ذلك القتل والتدمير يمنع قري الجزيرة واريافها من دعم القوات المسلحة السودانية وهي تزحف على مدني لتحريرها.
*وفي تطور آخر احتلت مليشيا التمرد مدينة سنجة واجزاء واسعة من ولاية سنار وجنوب النيل الازرق وشمال النيل الأبيض وهددت مناطق ومدن اخرى منها القضارف وكان ذلك قبل استسلام اللواء كيكل الذي كان له نصيب الأسد في انتشار المليشيا في تلك المناطق وكان لترك قوات درع السودان للدعم السريع وانضمامها للقوات المسلحة دور بارز في استرداد مدينة ود مدني وتحريرها من قبضة التمرد.
*نال استرداد ود مدني أهمية قصوى علي الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك للأهمية العسكرية والسياسية والاقتصادية لمدينة ود مدني فقد أصدرت القيادة العامة للقوات المسلحة بيانا هنأت فيه الشعب السوداني والقوات المسلحة بتحرير مدينة ود مدني وأصدر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بيانا أكد فيه تحرير ود مدني بواسطة القوات المسلحة والمستنفربن والمجاهدين وجهاز الأمن الوطني والشرطة والمشتركة, كما أصدرت العديد من القوى السياسية والأحزاب والإدارة الأهلية بيانات رحبت فيها بتحرير ود مدني وخرجت الجماهير في كل مدن السودان بما فيها مدينة ام درمان المحاصرة ابتهاجا بتحرير ود مدني واحتفل الناس في الشوارع وهي تردد شعار جيش واحد شعب واحد واستقبلت الجماهير في مالي القائد العام للقوات المسلحة رئيس المجلس السيادي الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان في الطرقات مما جعله يكسر البروتوكول متجاوبا مع هتافات المواطنين وتحيتهم له بمناسبة تحرير مدينة ود مدني.
نواصل