أشهر الجرائم والقضايا بالمحاكم السودانية.. (9)
- 11 (متهم) و(10) محامين في أشهر سرقة أدوية بالخرطوم
- المحامي الكفيف الذي خطف الأضواء داخل محكمة الكلاكلة
- جرائم السرقة صعبة الإثبات إلا في حالة وجود بينة معضده بشهادة شهود
إعداد: التاج عثمان
**جرائم وقضايا تعد الأشهر والأغرب في تاريخ القضاء السوداني بسببها شهدت قاعات المحاكم جلسات عاصفة وجدل قانوني محتدم بين ممثلي الادعاء ومحاميي المتهمين.. ومن خلال نشر حيثيات القضايا ومرافعاتها ودفوعاتها داخل أروقة المحاكم المختلفة نهدف لتقديم ثقافة قانونية رفيعة للقراء والمحامين الجُدد وطلاب وطالبات القانون**
البلاغ
القضية التي نتناولها عبر هذه الحلقة التاسعة تعد من أشهر الجرائم التي شهدتها المحاكم السودانية.. بلغ عدد المتهمين فيها 11 متهما ضاق بهم قفص الإتهام بالمحكة التي إنعقدت للنظر في هذه القضية، بجانب 10 محامين يمثلون الدفاع والإتهام.. والأغرب ان محامي بعض المتهمين الكفيف، نجح في مرافعته ودفاعه عن موكليه بخطف الأضواء من بقية المحامين داخل قاعة تلك القضية الشهيرة التي شهدتها محكمة الكلاكلة الجنائية بالخرطوم، وتسبب في براءة موكليه.
تفاصيل القضية بدأت ببلاغ من صاحب صيدليات في الكلاكلات، إتهم في البلاغ ثلاثة من الشباب مدعيا انهم قاموا بسرقة كمية كبيرة من الأدوية تقدر قيمتها بـ(7) مليون، وهو مبلغ كبير وقتها، وذلك من صالون منزل مؤجر بالكلاكلة إتخذه مخزنا لحفظ أدوية صيدلياته.. وقال في أقواله لدى المتحري انه شاهد أثنين من المتهمين بالقرب من مخزن الأدوية بركشة، ويتهمهم بأنهم قاموا بسرقة الأدوية من الصالون المخزن وباعوها للمتهم الثالث والذي بدوره باعها لعدد من وكلاء بعض الصيدليات، ولبعض أصحاب الصيدليات، حتى بلغ عدد المتهمين في البلاغ 11 متهما.
المتحري
المتحري في البلاغ قال في أقواله امام المحكمة أنه عندما عاين مسرح الجريمة ــ الصالون المخزن ــ وجد باب المخزن مغلقا بالمفتاح، لكنه لاحظ ان الشباك مكسورا، لذلك إعتقد ان المتهمين الأول والثاني قاما بكسر الشباك بغرض سرقة الأدوية مشيرا انهما إعترفا بذلك، ولذلك أدرجهما متهمين أول وثاني.
المحكمة
كان مشهد المحكمة عند إنعقاد جلستها الأولى غريبا لم تشهده المحاكم السودانية من قبل، فهناك 11 متهما في قفص الإتهام، و7 محامين يمثلون المدعى عليهم (المتهمين) الـ(11)، بجانب محامي المدعي (الشاكي) والذي حشد أيضا ثلاثة محامين، أي ان قاعة المحكمة ضاقت بعدد 11 متهما، و10 محامي.. وامام القاضي رفض المتهم الأول والثاني تسجيل إعترافا قضائيا بسرقة الأدوية مشيرين انهما إعترفا للمتحري بذلك لأنهم كانا مجبرين، أي تحت الضغط.
شهود الشاكي
قدم المدعي (الشاكي) إبنه كشاهد إتهام والذي قال في شهادته امام المحكمة: “شاهدت شباك المخزن مكسورا لكنني لم أشاهد المتهم الأول والثاني يقومان بالسرقة او يدخلا مخزن الأدوية”.
كما احضر الشاكي عدد من مناديب بعض شركات الأدوية كشهود إتهام، فذكروا في شهادتهم، ان المتهمين عادة يشترون منهم الأدوية.
محامو الدفاع
محامو الدفاع عن المتهم الأول والثاني ركزوا في خطتهم الدفاعية في قيمة الأدوية المسروقة، فإذا كان سعرها الذي بيعت به بواسطة المتهم الأول والثاني لوكلاء شركات الأدوية أقل من السعر الحقيقي فإن ذلك يدل على انها مسروقة، لكن السعر كان بسعرها الحقيقي وهو سعر الصيدلية، وبذلك أشاروا أن الأدوية التي قام المتهمين الإثنين ببيعها لبعض الصيدليات لم تكن مسروقة، خاصة ان والد المتهم الأول لديه صيدلية وعادة يقوم ببيع الأدوية الفائضة او شراء الأدوية من الشركات بواسطة إبنه.. وبذلك شطبت المحكمة البلاغ في مواجهة 8 من المتهمين من وكلاء شركات الأدوية، عدا المتهمين الأول والثاني والثالث.
وقدم أحد محامي الدفاع عن الشاهد الأول والثاني ثلاثة من الشهود ذكروا في شهادتهم امام المحكمة:” المتهم الأول والثاني كانا فعلا قرب مخزن الأدوية لكن كانا يرتديا ملابس كرة القدم وكانا في طريقهما للميدان لأداء مباراة، وكان ذلك حوالى الرابعة عصرا، ورافقناهم لملعب كرة القدم لمشاهدة التمرين.. كما نؤكد ان والد المتهم الأول صيدلي ويمتلك صيدلية ولا غرابة في بيعه او شرائه للأدوية”.
الحكم
بعد إستماع المحكمة لكافة أطراف القضية أصدرت حكمها ببراءة المتهمين الثلاثة وإطلاق سراحهم فورا.. ورغم ان الشاكي قام بإستئناف الحكم لدي محكمة الإستئناف ثم المحكمة العليا إلا أنهما أيدتا محكمة الموضوع وشطبتا البلاغ.
مرافعة الدفاع
ترافعت الأستاذة راشدة إسماعيل مكي المحامي والتي كانت تمثل المتهم الأول والثاني المدعي عليهم على هذه القضية امام المحكمة بقولها:”جرائم السرقة صعبة الإثبات، إلا في حالة وجود شهود ومشاهدتهم السارق وهو يسرق.. بينما الشهود ذكروا انهم شاهدوا المتهم الأول والثاني قرب مخزن الأدوية وهذه الشهادة لا تأخذ بها المحكمة لأنها ليست بينة، ولا يوجد شاهد يعضدها بمشاهدته للمتهم يقوم بجريمة السرقة.. كما ان بيع المتهم للأدوية امر غير مستبعد بحكم أن والد المتهم الأول لديه صيدلية وهو يعمل معه ويقوم عادة بشراء الأدوية من مناديب شركات الأدوية، وبالتالي وجود الأدوية بركشة المتهم الأول لا يعني انها الأدوية المسروقة من مخزن الشاكي بل انها مشتراه من بعض شركات الأدوية بشهادة وكلاء شركات الأدوية.. ونحن كمحاميي دفاع ركزنا في دفاعنا على قيمة الأدوية المسروقة، فإذا كان سعرها أقل من سعر السوق او السعر الحقيقي فقد يكون هناك شبهه سرقتها، لكن إتضح أن سعرها هو سعرها الحقيقي ما ينفى سرقتها لأن أي شيء مسروق، أدوية او خلافها، يقوم السارق ببيعها بأقل من سعرها الحقيقي.. وذلك ما اثبتناه اما المحكمة الموقرة وكانت مرافعة محاميي الدفاع من المرافعات القوية والتي لم تخطر على بال محاميي الإتهام.
وأشير هنا للمحامي الكفيف الذي كان يعمل معنا ضمن محاميي الدفاع مترافعا عن احد المتهمين، فقد خطف ذلك المحامي الكفيف الأضواء من بقية المحامين حيث انه كان لا يسجل ما يدور من اقوال الشهود في المحكمة بل يستوعبها لدرجة الحفظ، وكان يترافع عن موكله بدقة متناهية رغم تشابك وكثرة أقوال الشهود ومحاميي الإتهام.. ولا يسعني القول ان حكم محكمة الموضوع بمحكمة الكلاكلة الجنائي أصدره القاضي في 12 صفحة فلسكاب، وجاء في منتهى الحرفيه قانونا وبلاغة، ما أثار إعجاب جميع الحضور بما فيهم محاميي الإتهام والدفاع معا”.