المنظمات الدولية والأممية… الفساد وحرب المساعدات
تقرير – معتز محجوب:
فتح التحقيق الذي يجريه برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة حول وجود فساد في عملياته بالسودان الباب والعديد من التساؤلات حول شبهات فساد والمنظمات ومتاجرتها بمعاناة النازحين واللاجئين السودانيين ، والمؤكد أن الحديث حول فساد المنظمات الدولية في السودان وفي اليمن وافغانستان وسوريا والعراق ليس بجديد ،فغالبية المنظمات التي تعتبر المدخل الإنساني مدخلا للفساد او تحقيق المصالح للداعمين سواء عبر السيطرة او التجسس كما سيظهر لاحقا في العديد من النماذج التي سنوضحها .
(1)
وذكرت وكالة (رويترز) أمس أن التحقيق حول فساد مسؤولين التابعين لبرنامج الغذاء العالمي في السودان يشمل عمليات احتيال وإخفاء معلومات عن المانحين حول قدرته على توصيل مساعدات غذائية للمدنيين وسط أزمة الجوع الشديدة في البلاد. ويأتي التحقيق الذي يجريه مكتب المفتش العام التابع لبرنامج الأغذية العالمي في الوقت الذي تكافح فيه ذراع المساعدات الغذائية التابعة للأمم المتحدة لإطعام ملايين الأشخاص في السودان الذي مزقته الحرب.
ومن بين الأشخاص الذين يتم التحقيق معهم في التحقيق نائب مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان، خالد عثمان، الذي تم تكليفه بمهمة مؤقتة خارج السودان، وهو ما يعني تعليق مهامه بحكم الأمر الواقع، وفقًا لستة مصادر . وذكرت أربعة مصادر أن مسؤولا كبيرا ثانيا هو مدير منطقة برنامج الأغذية العالمي محمد علي يخضع للتحقيق فيما يتصل باختفاء أكثر من 200 ألف لتر من وقود المنظمة التابعة للأمم المتحدة في مدينة كوستي السودانية. ولم يتسن لرويترز التأكد مما إذا كان علي لا يزال في منصبه .
ويسعى برنامج الأغذية العالمي إلى جمع 22.7 مليار دولار أميركي لتمويل المساعدات التي يقدمها إلى 157 مليون شخص، بما في ذلك نحو 1.3 مليون شخص على شفا المجاعة، معظمهم في السودان وغزة، ولكن أيضا في بلدان مثل جنوب السودان ومالي.
(2)
وفي ذات الاتجاه عبر كبير من المراقبين عن عدم تفاؤلهم بشأن فتح معبر أدري بين السودان وتشاد ،حيث دخلت يوم الثلاثاء الماضي نحو 38 شاحنة مساعدات إنسانية ،بعد سماح الحكومة السودانية على ذلك وسط أنباء غير مؤكدة بسماح الحكومة للأمم المتحدة باستغلال مطارات زالنجي والضعين ونيالا والجنينة لتوصيل المساعدات الإنسانية بحسب بيان لمليشيا الدعم السريع .
(3)
ويعيد للأذهان فتح معبر أدري ومزاعم السماح باستغلال مطارات مطارات زالنجي والضعين ونيالا والجنينة لتوصيل المساعدات الإنسانية عمليات (شريان الحياة ) سيئة الذكر والتي تمت في أبريل 1989
والتي تم خلالها السماح للمنظمات الدولية بادخال مساعدات إنسانية عبر (ممرات آمنة) في مناطق سيطرة المتمردين حينها – الحركة الشعبية بزعامة قرنق- وتمت خلال هذه العمليات أكبر عمليات تشوين للجيش الشعبي بالسلاح وكانت نقطة سوداء تضاف للنقاط السوداء للمنظمات الدولية ونشاطاتها المشبوهة حول العالم .
ولم يجف مداد خبر دخول الشاحنات الأممية عبر معبر أدري إلا وقامت مليشيا الدعم السريع بنهب شاحنات المساعدات الإنسانية الدولية بحسب ما ذكر موقع اخباري محلي (الرادار) ،وكشفت المصادر عن سيطرة المليشيا على كل الشاحنات الدولية التي وصلت مدينة الجنينة عبر أدرى ، وقالت أن عمليات توزيع هذه المساعدات تمت بصورة (جهوية) وتحت تهديد السلاح من قبل المليشيات ولم تكشف مصادر الرادار حتى الآن عن فحوي حمولة هذه الشاحنات وما إن كانت مساعدات إنسانية ام عسكرية لوجستية.
(4)
بالمقابل رجحت مصادر محلية بالجنينة خلال حديثها لـ(أصداء سودانية) أن يكون جزء من الشاحنات محملة بشحنات أسلحة جديدة خصوصا مع ظهور نوعيات جديدة من السلاح بحوزة المليشيا في المناطق المحيطة بالفاشر حيث تستعد المليشيا لمعاودة الهجوم على مدينة الفاشر ،فضلا عن ظهور نوعية جديدة من المدفعية يتم تدوين بها مناطق تجمعات السكان والمستشفيات في أم درمان وفي كرري كم تم اليوم ،حيث ذكر شهود عيان لـ(أصداء سودانية) أن المليشيا استخدمت مدفع جديد بصوت مختلف في تدوين تم صباح اليوم في كرري و والمنارة .
(5)
وتسيطر على ذهنية المراقبين العديد من التساؤلات حول لماذا اهتمت المنظمات الدولية وامريكا والمجتمع الدولي باغاثة السودانيين في مناطق سيطرة المليشيا في أدري عبر تشاد وفي مناطق سنجة مستقبلا عبر جنوب السودان ،ولماذا لم تقم باغاثة المحتاجين قرب معبر أدري في تشاد واللاجئين السودانيين هناك يعانون بشدة ولماذا لم يتم إغاثة اللاجئين الذين لجئوا لغابات إثيوبيا ،وهناك النازحين في مناطق الجيش والذين لم تقدم لهم المنظمات الدولية أي شي يذكر ،وتظل الريبة والشك الدوافع الخفية والاصرار على معبر أدري ،وربما يكون لمساعدة المليشيا في السيطرة على الفاشر ومن ثم اعلان حكومة موازية للحكومة المركزية ،بعد فشل المليشيا في انقلابها وتمردها في السيطرة على كل السودان.
واذا أردنا إيراد بعض النماذج لفساد المنظمات الدولية الأولي قبل أكثر من عام أجرت هيئة رقابية حكومية أمريكية ، تحقيقات حول الفساد في تقديم المساعدات عبر الحدود التركية السورية، وكشفت تلك التحقيقات عن تورط عدد كبير من المنظمات غير الحكومية في عمليات تزوير وفساد واسعة.
والثانية ايضا قبل عامين في اليمن عندما أقر برنامج الأغذية العالمي بادخاله أغذية منتهية الصلاحية لليمن كانت عبارة عن شحنة قمح .
والثالثة كانت في السودان نفسه أيام عهد الرئيس البشير عندما طردت الحكومة حينها 12 منظمة أجنبية تم ثبات تورطها في عمليات تجسس فساد واحتيال من بينها منظمة (العمل ضد الجوع) الفرنسية والتي قامت بتسليم المتمردين حينها (الحركات الدارفوري) عددًا من العربات ،وايضا منظمة (التضامن) الفرنسية والتي أمدت المتمردين بمعينات الاتصال والوقود ومنظمة (كوربس) الأمريكية والتي تقوم باعداد تعد تقارير عسكرية وأمنية وتقديرات بالجنود والتسليح.
(6)
ويبدو أن التعامل الحكومي مع المنظمات الدولية والأممية يحتاج للعديد من الحذر والضوابط حتى لا يلدغ السودان من جحر المنظمات مرة أخرى ولابد من أن المطارات حتى لا تكون مدخلا للتدخل الدولي او خطوة لاحقة برفض حظر للطيران في دارفور أو السودان على غرار النموذج الليبي عقب الإطاحة بالقذافي في 2011.