من ديلا وا أسفاي

ابر الحروف _ عابد سيداحمد

 

*  كان إنطباع الشاعر الكبير نزار قبانى عنا في آخر زيارة له لبلادنا قبل سنوات ما قاله في وصفه البديع بأن الإنسان السوداني هو الولد الأصفى والأنقى والأطهر، الذي لم يبيع ثياب أبيه ومكتبته ليشتري بثمنها زجاجة خمر، أو سيارة أمريكية، هو الإنسان العربي الوحيد الذي لم يتشوّه من الداخل ولم يبع تاريخه، وهأنذا مرة أخرى في السودان، أتعمّد بمائه، وأتكحّل بليله، وأسترجع حبًا قديمًا لا يزال يشتعل كقوس قزح في دورتي الدمويّة.

* هكذا وصفنا الشاعر الكبير نزار قبانى فى ذلك الزمان فياترى ماذا سيقول عنا لو كان حيا في زماننا هذا ورأى أبناء ذلك الرجل السوداني صاحب تلك الخصال والمزايا كثير منهم باع كل شئ من قيمه بالجنيه والدرهم الدولار.

* باعوا وطنهم ونخوتهم ورجولتهم بالمال فصاروا مرشدين للمليشيا لتهين كبارهم وتذل إنسان بلدهم وتنهب البيوت وتغتصب بنات أهلهم

* يحدث كل هذا وهم يققهون بالداخل سعداء لسماع صوت المال الذي لا يسمعون غيره بينما كبارهم (بني قحت) بالخارج يبررون لكل انتهاكات المليشيا من أجل الدرهم والدولار من أجل مشروب منوع وماكل فاخر ودولارات في الحساب.

* وياترى ماذا كان سيقول نزار عن رؤساء احزابنا الذين كانوا من أوائل من غادروا بلد المليون حزب عقب إندلاع الحرب تاركين شعبهم للبطش والإرهاب وكل أشكال الانتهاكات التي تعرض لها شعب وطنهم الأعزل.

* غادروا كلهم وكانت آخر من غادر البلاد منهم امرأة هى د. ميادة سوار الدهب رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي التي بقيت بالخرطوم بعد قيام الحرب( ٦) أشهر بقناعة أن مسئوليتها الاخلاقية كرئيس تبقيها بين أهل بلدها ولم تخرج إلا بعد ملاحقتها والتضييق عليها.

* فعلتها برغم إنها امرأة في زمان هروب الرؤساء الرجال، وبرغم أن حزبها ليس كبيرا، ولكنها صمدت وكتبت من أيام الحرب أقوى بيان مؤيد للجيش، بينما غادر الآخرون، ولم يعودوا حتى مثل عودة ندى القلعة التي جاءت لتشم ريحة تراب بلادها الذي افتقدته.

* غادروا ولم يعودوا وبقوا بالخارج بعضهم يدعم المليشيا التي تحارب الشعب، وبعضهم يقول إنه مع الجيش بالكلام، وآخرين يقفزون كل حين بكلام مشاتر ليؤكدوا مثل الأسماك عندما تقفز فوق الماء لا لشئ إلا لتؤكد أنها موجودة.

* إن الحرب عرفت أهل بلادنا بالصليح والعدو، والذي يسند (القفا) والذي يبيع الوطن والأهل والشرف، والذي يهرب مع أولى الطلقات في الحرب ويترك أهله وعرفته الكثير الكثير.

* ليتشكل ما بعد الحرب تاريخ جديد للسودان يعود فيه الناس لبيوتهم وهم عارفين باخوان( البنات) من أهلهم ومن احزابهم وقياداتهم الذين تركوهم، والذين سيعودون عقب الحرب طالبين أصواتهم في الانتخابات القادمة هكذا يفكرون وهكذا سيفعلون بكل اسف .