سؤال يحتاج إلى إجابة..لماذا انسحبت أو هربت المليشيا المتمردة من الخرطوم؟

  • التناقضات أصبحت السمة المميزة لخطابات (حميدتي)
  • في خطابه قبل الأخير قال إنهم سيبقون في القصر ولكن لماذا خرجوا منه؟
  • المطلوب إعادة ترتيب الإدارات الأهلية التي ناصرت حواضنها الاجتماعية التمرد

تقرير – معاوية محمد 
إذا تم تحليل مضمون خطابات قائد مليشيا التمرد محمد حمدان دقلو المعروف ب(حميدتي)الأخيرة خاصة التي أعقبت الفترة من نهايات سبتمبر 2024م حتى الآن, يلحظ المتابع لتلك الخطابات التناقض الواضح والبين الذي يلازم كل خطاب على حدة وبين جملة الخطابات نفسها علاوة على حالة الارتباك الملازمة لقائد مليشيا التمرد.
الهروب والانسحاب فرق شاسع:
ففي خطابه قبل الأخير وبلغة حاول من خلالها التقليل من الهزيمة وتبخيس الانتصارات المتلاحقة للقوات المسلحة ومساندوها, قال إنهم باقون في القصر الجمهوري ولكن قبل أن يجف الحبر الذي كتب به خطابه (أقصد قبل ينتهي صدي خطابه المسجل) كانت القوات المسلحة قد واصلت زحفها نحو المناطق المحيطة بالقصر الجمهوري بينما حدث الفرار الجماعي والهروب المنظم المرتب وليس الانسحاب كما زعم قائد التمرد.
فالانسحاب في اللغة العسكرية يعني هو الإجراء الدفاعي التراجعي وهو نوع من العمليات العسكرية مما يعني عادة تراجع القوات مع إبقاء الاتصال مع العدو, وقد يتخذ الانسحاب باعتباره جزء من تراجع عام أو لتعزيز القوات لاحتلال أرض يسهل الدفاع عنها أو إجبار العدو على التقدم لضمان حسمه أو استدراجه إلى كمين, أما الذي قامت به المليشيا المتردة فهو انسحاب ليس فيه شك, بل هروب أرقامه مكتملة حيث خرجوا بشكل جماعي ومرتب ومنظم وإلى أماكن تتواجد فيها بعض الحواضن الاجتماعية المساندة للتمرد وفي الطريف إليها مارسوا أبشع الجرائم ضد الإنسانية بالشكل المروع, ولعل أبلغ دليل على أن ماحدث هو هروب وفرار وليس انسحاب الشهادات التي أدلى بها بعض المتحدثين باسم المليشيا حين المحوا لبعض أجهزة الإعلام أن ماحدث هو انسحاب متفق عليه نتيجة صفقة سرية وبالطبع أن هذا التبرير لايقف على ساقين.
دارفور وكردفان لا تشكل ملاذات آمنة للتمرد:
واضح أن العقل المحرك للتمرد قد أعطى الإشارة للهروب والفرار لدارفور وكردفان بظن أن مناطقها تشكل ملاذات آمنة للتمرد باعتبار أن الحواضن الاجتماعية هناك تشكل ظهيرا مساعدا للمليشيا, ولكن واقع الحال يكذب ذلك, فمثلا قبيلة المليشيا التي انضمت مجموعات من شبابها للتمرد منهم من قضى نحبه ومنهم من خرج منها نتيجة سياسة (فرق تسد) التي تمارسها قيادة المليشيا, ليس بين الحواضن الاجتماعية المساندة للتمرد فحسب بل في داخل قبلية الرزيقات نفسها حيث هناك فرق في التعامل بين خشوم بيوتها قربا وبعدا من أسرة (دقلو), ولعل أبلغ دليل على أن دارفور لن تكون ملاذا آمنا للفارين والهاربين من التمرد هو صمود مدينة الفاشر حاضرة إقليم دارفور وعاصمته التاريخية التي تنادت إليها كل المجموعات السكانية بدارفور للوقوف مع القوات المسلحة والقوات المشتركة لمواجهة التمرد.
أما في كردفان فقد تنادت المجموعات السكانية بغرب كر دفان وجنوب كردفان للاصطفاف لمواجهة ودحر التمرد من مدن الديبيات والفولة ومناطق البترول وتأمين الحدود مع دولة جنوب السودان لقفل الطريق أمام المرتزقة الذين يتم جلبهم من بعض دول الجوار الغربي للسودان, ولعل حالة الاستنفار التي انتظمت قبائل المسيحيين بكل بطونها وافخاذها وقبيلة حمر وبقية المجموعات السكانية بولاية غرب كردفان اكبر دليل على أن كردفان أيضا لن تكون ملاذا آمنا للتمرد.
إعادة بناء الإدارة الأهلية مطلب مهم:
خطوة دحر وهزيمة التمرد بكردفان ودارفور وتخفيف مصادر التسليح وجلب المرتزقة من دول الجوار الغربي والجنوبي للسودان مهمة ولكن لابد أن ترافقها خطوة أخرى وهي إعادة ترتيب وهيكلة الإدارة الأهلية والتي من خلال الحرب اصطف عدد من قياداتها لصف التمرد بعد عمليات إغراء مسبق مارسها قائد التمرد محمد حمدان دقلو (حميدتي) منذ توليه على حين غفلة منصب الرجل الثاني في الدولة (نائب رئيس المجلس السيادي) حيث قدم مكرمات نقدية ملياريه محلية ودولارية وعينية(عربات وتسهيلات بنكية وجمركية وإعفاءات ضرئبية وأراضي ومخططات سكنية وزراعية ومحاجرلتنقيب الذهب) فالإدارة الأهلية أسهمت بعض قياداتها التي تماهت مع التمرد منذ اللحظات الاولى للحرب بل قبلها حيث دفعت بشباب القبائل وأخذت المقابل إلى محرقة الحرب دون أهداف واضحة حتى أن بعضهم أدرك الحقيقة وانسحب إلى جانب القوات المسلحة لمساتدتها, إن إعادة ترتيب الإدارة الأهلية لايعني إعفاء قياداتها فحسب كما فعل ولاة دارفور وكردفان, حيث اعفوا قيادات الإدارة الأهلية والذين ثبت اوأعلنوا ولاءهم للمتمرد محمد حمدان دقلو (حميدتي) بل المطلوب إعادة هيكلة الإدارة الأهلية وإصلاح قوانينها ونظمها الداخلية حتي تكون الذراع المهم للحكومة وتمارس سلطاتها المعلومة المتمثلة في ضبط المجموعات السكانية وإصلاح ذات بينها وتنظيم سبل كسب عيشها ومساعدة الجهات المالية (الزكاة الضرائب) في تحصيل مفروضاتها من المزارعين والرعاية وتنظيم مسارات الرحل علاوة علي ممارسة سلطة ضبط المتفلتين وفض المنازعات البسيطة في حدود الاختصاص القضائي والمحلي وفق مقضيات ونظم وتشريعات القضاء الأهلي التي ينظفها قانون المحاكم الأهلية.