سوء التغذية تهدد جيلا كاملا من أطفال السودان
مع كل يوم من أيام الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي دخلت شهرها الـ 17 من دون أفق لحل يوقفها، تتضاعف معاناة الأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر للقتال المستمر على رغم كل التحذيرات والمطالبات الإقليمية والدولية بحماية حقوق الإنسان.
وأدى انعدام الغذاء وارتفاع مستويات الجوع في ولايات عدة داخل السودان إلى انتشار أمراض سوء التغذية الحاد وسط الأطفال، مما خلف وفيات وبخاصة في ظل توقف المساعدات الإنسانية التي قادت النازحين إلى أوضاع كارثية، إضافة إلى تعطيل السيول والفيضانات دخول شاحنات الإغاثة للمناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.
هزال حاد
تعيش ولاية جنوب كردفان حصاراً غير مسبوق من قوات الدعم السريع و”الحركة الشعبية -شمال”، مما جعل أبسط مقومات التغذية للأطفال غير متاحة بسبب ندرة السلع والمواد الغذائية، ونتيجة عدم قدرة السكان على الشراء بعد نفاد المدخرات المالية وتوقف الأعمال اليومية.
ويقول جبريل كوكو، وهو أحد الموجودين في الدلنج، ثاني أكبر مدن الإقليم، إن “ابنه ذي الأشهر الستة يعاني سوء تغذية حاداً مع فقدان الوزن وانخفاض الدم وانعدام الشهية وتدهور صحته”.
وأضاف، “على مدى أسابيع ترددت إلى المستشفى الوحيد وأجريت الفحوص الطبية لطفلي وقمت بشراء الأدوية على أمل تحسن صحته مع مرور الأيام ونمو جسده النحيل”.
وأوضح كوكو أن قدرات المستشفى محدودة ولم يستطع تقديم العلاج الناجع من الهزال الحاد الذي يعانيه ابنه، وبعد أسبوعين فارق الحياة نتيجة سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية.
وواصل القول إنه “توفي ستة أطفال في إحدى مراكز الإيواء داخل المدينة بسبب سوء التغذية الحاد وعجز أسرهم عن نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج”.
ارتفاع الوفيات
المدير الطبي لمستشفى الأم بخيتة بمدينة الدلنج عمران الباشا قال إن “أكثر من 400 طفل في المدينة يعانون سوء التغذية الحاد، وما يزيد على 1000 آخرين يعانون سوء التغذية المتوسط”، مضيفاً أن “عدد وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية ارتفع إلى 14 طفلاً داخل المستشفيات ومراكز الإيواء، كما أن الأوضاع الصحية لكبار السن والحوامل والمرضعات مقلقة لحد كبير”.
وأشار الباشا إلى أن “الأطباء يعملون على تقديم الخدمات على رغم ظروف الحرب والحصار الذي تعانيه ولاية جنوب كردفان”.
ندرة السلع
وفي ولاية الجزيرة الواقعة جنوب الخرطوم توقفت غالبية المستشفيات عن العمل نتيجة انعدام الوقود والمياه وعدم وجود الكوادر الطبية، مما فاقم أوضاع الأطفال.
وتشعر ابتهال محمد حسين التي تقطن مدينة فداسي بالقلق الشديد على طفلتها روان التي تتلقى العلاج منذ 10 أيام في إحدى المراكز الصحية من دون أن تستجيب له، وتقول حسين إن “طفلتها تعاني مضاعفات سوء تغذية حاد، إذ لا يزيد وزنها على ثلاثة كيلوغرامات على رغم أن عمرها يبلغ أكثر من عام، وهناك كثير من اليافعين يعانون الأمرين نتيجة فشل الأسر في توفير الغذاء النوعي الذي يحوي عناصر محددة بسبب الفقر والأزمة الصحية في الإقليم”.
وتتابع، “تطاول أمد الحرب يسهم في استمرار تدهور الوضع الغذائي في ولاية الجزيرة، خصوصاً بعد فشل الموسم الزراعي وعدم توافر خدمات الرعاية الصحية، وكذلك ندرة السلع وأزمة الكهرباء والمياه وتوقف أعمال السكان اليومية”.
انعدام الدواء
وفي إقليم دارفور أشارت الإدارة العامة لمعسكرات النازحين إلى وفاة 66 طفلاً خلال مايو (أيار) الماضي نتيجة سوء التغذية، إضافة إلى عدم توافر الأدوية المناسبة لإنقاذ حياتهم، ووفاة ستة أطفال في أغسطس (آب) الماضي.
وعلى صعيد متصل أوضح المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال أن “حالات سوء التغذية الحاد في معسكرات منطقة مكجر وصلت إلى 450 حالة وسط الأطفال”.
ونبه رجال إلى أن “سوء التغذية الذي انتشر بسبب الجوع لا يزال يشكل تحدياً صحياً مما يتطلب بذل مزيد من الجهود من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لوقف الحرب، فضلاً عن ضرورة بناء إستراتيجيات فعالة وتدابير وقائية للحد من تفشي المجاعة وإنقاذ أرواح المتضررين”.
هارون فضل، وهو مواطن من مدينة الفاشر، قال إن “أزمة الغذاء أدت إلى انتشار الجوع ومرض سوء التغذية الذي أسهم في موت الأطفال، لأن الأسر تعتمد على البليلة والغالب منها على قشور الذرة وأوراق الملوخية المسلوقة في الوجبات اليومية”.
ولفت فضل إلى أن “أحد معسكرات إيواء النازحين سجل نحو 600 حالة إصابة بسوء التغذية وسط الأطفال في ظل عدم تلقيهم الرعاية الصحية والعلاجات المناسبة، وكذلك الغذاء النوعي في مراحل النمو المختلفة”.
وأردف أن “الوضع ينذر بالخطر ولا بد من وجود حلول لإنقاذ أوضاع الأطفال المزرية التي إذا امتدت لأشهر مقبلة فإن الموت سيهدد الجميع في مناطق الأقليم كافة”.