
قراءة للأوضاع السياسية
بعد .. و .. مسافة
مصطفى ابوالعزائم
*قبل يومين إستضافتني قناة الزرقاء، في ستديوهاتها بالقاهرة في برنامج يختص بتحليل الأوضاع والأحداث السياسية والأمنية والعامة في السودان ، وكان الحديث يتركز على موقف الحركات الموقعة على إتفاق سلام جوبا ، ثم موضوع العقوبات الأمريكية على السودان التي بدأ تطبيقها منذ الجمعة الماضية، هذا غير موضوع تشكيل الحكومة الجديدة التي يرأسها الدكتور كامل إدريس ، وموضوعات أخرى ذات صلة بما يجري في بلادنا.
*حول موقف الحركات الموقعة على إتفاق سلام جوبا، أشرنا إلى أن الإتفاق لم يخصص وزارات بعينها ، بل حدد نسبة 25 % من هذه الوزارات ، وهو ما إستدعى تعجب الكثيرين من موقف هذه الحركات وتمسكها بوزارات محددة، يمكن تصنيفها بأنها وزارات إيرادية، مع أن المنطق الثوري يقول بضرورة تمسك الحركات الثائرة ، بالاقتراب من تقديم الخدمات للمواطنين ، وهو ما يعني البحث عن الوزارات الخدمية المهمة ، كالصحة والتعليم والضمان الإجتماعي ، وغيرها ، وهو ما خصم من رصيد هذه الحركات على المستوى الشعبي.
*ثم أن هذا التمسك والإصرار على العودة لذات المواقع الوزارية التي كان يشغلها ممثلو تلك الحركات ، فيه خرق واضح للبرنامج الذي طرحه رئيس مجلس الوزراء والذي دعا فيه إلى تكوين حكومة كفاءات.
*وحول العقوبات الأمريكية المفروضة على السودان ، أشرنا إلى أنها ليست جديدة ، لكنها متجددة وهي عبارة عن “(فرد عضلات) وإستعراض للقوة حتى لا يخرج السودان عن الخط الأمريكي المرسوم للمنطقة، وطالبنا بأن يتم التعامل بالمثل مع واشنطن بفرض عقوبات ، وإيقاف تصدير الصمغ العربي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والسعي لتحقيق الأهداف والمصالح التي تعود بالنفع على بلادنا ، سياسياً اقتصاديا ، خاصة وأن السودان يتمتع بثروات هائلة تتمثل في الأراضي الزراعية الشاسعة ، والمياه الدائمة والموسمية، والساحل الممتد لقرابة الثمانمئة كيلومتر في البحر الأحمر، وأكثر ما تخشاه الإدارة الأمريكية هو الوجود الروسي والتركي والصيني في السودان ، لأن هذا يعني في مفهوم الأجهزة الأمريكية ، السيطرة على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، وهو البحر الأحمر الذي تتحرك من خلاله كثير من حركة الاقتصاد العالمي، بمجمل يتجاوز الإثنين ترليون دولار أمريكي.
*وذكرنا أن على السلطات السيادية مسؤولية كبيرة، هي فوق مسؤولية الحكومة الجديدة، لأن الأخيرة تتلخص مسؤوليتها في العمل التنفيذي ، لذلك تكون المطالبات الشعبية متمثلة دائماً في الأمن العام ، وفي معاش الناس ، على أساس أنهما قاعدة الإستقرار لأي نظام حكم.
*ويبقى بعد هذا أحد أهم الملفات ، وهو العلاقات الخارجية، التي يجب أن تقوم على أرضية المصالح والمصالح المتبادلة فقط، بعيداً عن المواقف العفوية والعاطفية, وقد كشفت لنا هذه الحرب العبثية اللعينة، مواقف من كنا نرى أنهم أشقاء وأصدقاء ، ولكنهم رسبوا بل سقطوا في أول إختبار، مع أول طلقة وأول خطوة نزوح ولجوء.
*شخصياً لا أشك في مدى وعي السلطات الحاكمة والأمنية بالمخاطر التي تهدد بلادنا ، لكننا نتمنى أن يكون التحرك في هذا الجانب موازيا للتحرك الميداني ، الذي تتحقق فيه إنتصارات شعبنا كل يوم.