النزوح واللجوء… مآسي وحكايات وأرقام صادمة (تحقيق)

 

 

  • (20%) من السكان غادروا منازلهم
  • نزوح (11) مليون مواطن من مناطقهم بحثا عن مناطق آمنة 
  • الهجرة الدولية : (20) ألف شخص يضطرون للفرار من منازلهم كل يوم
  • عثمان ميرغني:العامل الإقتصادي الأكثر تأثيرا على حياة السودانيين في مصر هو ميزانية التعليم
  • العم محمد :وصلنا الحدود المصرية واعادونا إلى حلفا وفيها (سكت) قلب (ست النفر) للحظات ثم غادرت الفانية

 

تحقيق- حنان كشة: 

 

أكد التقرير السنوي لمركز رصد النزوح الداخلي في جنيف أن عدد النازحين في العالم ارتفع إلى مستوى قياسي بنهاية العام 2023م ليصل إلى (79.9) مليون، مع تفاقم الحرب في السودان وقطاع غزة والكونغو الديمقراطية، ووفقا لبيانات مواقع النزاع المسلح أحداثه،شكّل السودان الجزء الأكبر من الزيادة في النزوح في المنطقة منذ إندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023م والتي تسببت في نزوح (9.1) مليون شخص وهو أعلى رقم تم الإبلاغ عنه على الإطلاق لدولة واحدة على مستوى العالم منذ العام 2008م.

 

حصار الأسى:

لم يكن العم محمد علي الذي تخطى الخامسة والثمانين من العمر يتوقع أن تجبره الأقدار على مغادرة منزله الذي ظل قابعا فيه منذ ما يزيد على الستين عاما، يقول كنت أعمل في مصلحة الضرائب لسنوات طويلة شيدت المنزل وصرفت على ذلك أموالا كثيرة ليسعني أبنائي، مضت عجلة الوقت وغادر إبنائي بعد أن تزوجا إلى الخليج، هنا صمت العم محمد ليعود بالزمن لسنوات بعيدة للخلف، وحكى أنه حينما تزوج والدة أبنائه الحاجة (ست النفر)،رفيقة دربه ورفيقة رحلة نزوحه والمريضة بمرض في القلب، كانا يسكنان في منطقة المعمورة في الخرطوم مع إبنهما الأصغر، سرح العم محمد بعيدا وهو يحكي: ( كنت أمكث في بيتي مع أبنائي الثلاثة ووالدتهم تزوج إثنان وها هو الثالث وهو أصغرهم يمكث معنا، داهمتنا الحرب في ذلك اليوم، كنا نائمين لنصحو على أصوات رصاص يتعالى ويأبى أن يسكت ظللنا قابعين داخل إحدى الحجرات وندعو الله أن يتطلف بنا لكن أصوات الرصاص كانت تتزايد ولم ندرك ما نفعل بعد أن تواصلت الحرب اياما تجر أخرى ولم نجد بد سوى الخروج من المنزل بعد أن علمنا أن كل الجيران خرجوا من منازلهم، توجهنا بإتجاه الشمال وقصدنا دولة مصر عن طريق التهريب وبالفعل سددنا الأموال الطائلة التي طلبت منا لكن ما أن عبرنا الحدود السودانية حتى إستوقفتنا شرطة حرس الحدود المصرية تطلب الأوراق الثبوتية إن كنا نحمل ولما إكتشفت أننا لا نحملها طلبت من السائق الرجوع فلم يجد بدا من ذلك ففعل وما أن وصلت المركبة مدينة حلفا حتى زادت ضربات قلب الحاجة ست النفر للحظات ثم سكتت دفعة واحدة لتغادر الفانية وتتركنا في حصار الأسى والألم، هنا سالت دمعة على خده مسحها بطرف عمته التي كان يضعها على رأسه.

نزوح (20%) من السكان:

منظمة الهجرة الدولية أكدت في يوليو الماضي نزوح ما يزيد عن (10) ملايين أي ما يعادل (20%) من السكان وزادت المنظمة أن (20) ألف شخص يضطرون للفرار من منازلهم كل يوم، نصفهم من الأطفال، ووفقا لتقرير صادر عن مصفوفة تابعة للمنظمة تعنى بأمر النزوح في السودان وحسبما يقول مستشار السياسات بجمعية تنظيم الأسرة السودانية.

وأدى النزاع لمقتل آلاف السودانيين وتشريد ونزوح (11) مليون مواطن سوداني بينهم (8) مليون نازحين داخليا و(2) مليون نزحوا لدول الجوار عبر الحدود إلى دول تشاد وأفريقيا الوسطى وأثيوبيا ويوغندا وجمهورية مصر العربية من جانب آخر أثّر النزاع على الأمن والإستقرار للمواطنين وتخطى فقدان الأمن وعدم الإستقرار إلى أعباء إقتصادية كبيرة طالت كافة القطاعات حيث تم تدمير البنية التحتية للقطاع الصناعي بنسبة تفوق الــ (80%) كما تضرر قطاع الخدمات والتجارة حيث تم تدمير البنيات التحتية، كما تأثرت الإتصالات وتم تدمير القطاع الزراعي وهو الأكثر أهمية في دعم الإقتصاد الوطني والذي يعتمد عليه ما يزيد عن الـ (70%) من سكان البلاد عليه كما يمثل العمود الفقري في توفير الغذاء والذي بتدميره أصيبت البلاد في مقتل.

جوانب مشرقة:

أي حرب تنشأ في العالم يكون لها إفرازات موجبة وأخرى سالبة، ونسبة النزوح داخل البلاد تفوق بكثير نسبة النزوح خارجها، ونسبة النزوح في الأخير لم تصل معدلات مزعجة، وتزايدت نسبة النزوح في الداخل لأسباب منطقية أبرزها أن الكثير من المواطنين لا يمتلكون المبالغ المالية التي تمكنها من السفر خارج البلاد واكتفوا بالتنقل من مكان غير آمن لآخر آمن وذلك أمر إيجابي وتوقع الخبير الإقتصادي الدكتور محمد الناير أن تكون هناك عودة للمناطق التي إستقرت كما حدث في أمدرمان من داخل وخارج البلاد.

ويمضي دكتور الناير في حديث ل(اصداء سودانية) قائلا إن السودان هو الدولة الوحيدة التي شهدت حالة حرب لكن لم تنشأ فيها معسكرات نزوح كما هو معروف بالمعايير العالمية، بإتجاه آخر هناك أعداد من المواطنين استغلت ظروف الحرب وفرضت على المواطنين أعباء تفوق مقدرتها بكثير مثل زيادة أسعار إيجارات المنازل والوقود والخدمات، وبذلك شكلت تحديات للمواطنين لضروريتها، لكن رغم السلبية هناك جوانب مشرقة حيث احتضنت بعض الولايات أعداد كبيرة من النازحين إليها وهناك منازل آوت أربعة أو خمسة أسر تعايشوا بسلام، عكست صفات السودانيين الطيبة ومضت الحياة دون أي تعقيدات، كما فتحت المؤسسات العامة أبوابها لتأوي مواطنين بكميات كبيرة أيضا وهناك إلتزام من جهات كثيرة بتقديم الإعاشة للنازحين، وأسهمت تلك الصفات الطيبة في تخفيف حدة المعاناة في ظل الظروف الحرجة التي مرت وتمر بهم، واشار الدكتور الناير إلى أنه متى ما تحقق الإستقرار في بقعة جغرافية محددة ستكون العودة الطوعية سريعة سواء كانت داخلية أو خارجية، لكن يحتاج أولئك قيام الدولة بكافة إلتزاماتها تجاههم.

اللجوء إلى مصر :

رئيس تحرير صحيفة التيار الباشمهندس عثمان ميرغني يقول أنه من المهم أن ندرك أن تدفقات النازحين بين السودان ومصر بدأت قبل الحرب منذ العام 2019م بعد توقف كثير من الأعمال والأنشطة بما فيها الدراسة في الجامعات نتيجة التظاهرات التي إستمرت بشكل أكبر بعد إنتصار الثورة.

ويضيف الباشمهندس عثمان ميرغني في تصريحات ل(اصداء سودانية) أن أعداد السودانيين بمصر قبل الحرب يقدر بنحو (4) ملايين بينهم أصحاب الأعمال بمختلف درجاتها والطلاب في المرحلة الجامعية ويشير الباشمهندس عثمان ميرغني إلى أن الطلاب كانوا يعانون في السودان من طول إغلاق الجامعات أو تعطلها نتيجة التظاهرات والاضطرابات داخلها لدرجة أن جامعة الخرطوم المفضلة الأولى للسودانيين شهدت تقديم استقالات من طلابها وشرعوا يبحثون عن جامعات بديلة في مصر او في الجامعات الخاصة في السودان التي حافظت على قدر من الاستقرار.

ميزانية التعليم:

يمضي باشمهندس عثمان ميرغني مضيفاً أن هجرة أصحاب الأعمال أضرت الإقتصاد السوداني من نواحي عديدة أهمها تضييق فرص العمل وزيادة معدلات العطالة خاصة في أوساط الشباب، باتجاه آخر أدت الهجرة لتحويل استثمارات سودانية عالية إلى أسواق العقارات المصرية حيث أنه لم يعد الحصول على شقة بالإيجار للسكن كافيا فامتلك مئات الآلاف من العقارات بغرض الإتجار بها أو الإنتفاع بعوائد إيجارها، بإتجاه ثالث نقل عدد من كبار المستثمرين السودانيين مصانعهم وأنشطتهم من السودان إلى مصر حيث تتوفر بيئة مستقرة وحوافز مجزية وعائد استثماري أكبر.

وقال الباشمهندس عثمان ميرغني بعد الحرب إنتقل أكثر من مليوني سوداني إلى مصر متوزعين في غالبية محافظاتها بحثا عن عن الأمان لحين العودة، غالبيتهم من الطبقة الوسطى أو الفقراء الذين قد تتوفر لبعضهم تحويلات مالية من أقربائهم المغتربين في شتى دول العالم.

ويختم الباشمهندس عثمان ميرغني بأن العامل الإقتصادي الأساسي الأكثر تأثيرا على حياة السودانيين في مصر هو ميزانية التعليم التي تحمل همها معظم الأسر يفاقم من ذلك تكسب البعض من وضع الاضطرار الذي يجبر الأسر على البحث عن التعليم مهما كان ثمنه حفاظا على مستقبل أبنائهم.

النزوح ضرورة:

الخبير الإقتصادي بروفيسور إبراهيم أونور تحدث لـ(أصداء سودانية) مشيرا إلى أن النزوح يشكل ضرورة في ظل مجريات الأحداث، فالأعداد كبيرة ومدن السودان غير مهيأة لاستيعاب تلك الأعداد الكبيرة من البشر، وما زال الخطر ماثلا حتى الآن مع إستمرار الحرب، وزاد أنه إذا لم يهاجر السودانيين بأعداد كبيرة خارج السودان واكتفوا بالبقاء في ولاية نهر النيل والولايات الشرقية كانت ستحدث مشكلة بسبب عدم توفر بنية تحتية بتلك الولايات لتستوعب أعداد البشر تلك في كل التفاصيل خاصة السكن والخدمات.

ومضى الخبير الإقتصادي بروفيسور أونور متفقا مع ما ذهب إليه الباشمهندس عثمان ميرغني في حديثه عن التحويلات المالية للسودانيين من شتى الدول في مصر، وأضاف أنه فيما يتعلق بالتحويلات بشكل عام فإن السودان حرم بالنزوح من الإيجابيات.

الأزمة عميقة:

المديرة العامة لمنظمة الهجرة الدولية إيمي بوب كشفت أن (1.7) مليون شخص بما يعادل (62%) يعانون من العنف في السودان مما أجبرهم على النزوح للدول المجاورة، وتستضيف دولة تشاد منهم (37%) فيما تستضيف دولة جنوب السودان (30%) منهم و مصر نسبة (24%) منهم بينما تستضيف أثيوبيا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى البقية، وعلقت بأن ذلك الإنتشار يخلق إحتياجات إنسانية إضافية في منطقة تعاني أزمة عميقة.

وعن دور منظمة الهجرة الدولية خلال الفترة التي أعقبت الحرب تقول المديرة العامة للمنظمة أنه بالرغم من شدة الأزمة إلا أن الإستجابة الإنسانية لتلبية الإحتياجات الأساسية غير كافية، وزادت أنهم لا يمكن أن يديروا ظهورهم للملايين التي تحتاج الدعم، وزادت أنه منذ بدء الأزمة كانت المنظمة تستجيب للإحتياجات الإنسانية المتزايدة داخل وخارج البلاد بالرغم من تأثر أعداد كبيرة من موظفي المنظمة بالنزوح، لكن المنظمة حسب قولها ظلت تلتزم بالإحتياجات الأكثر إلحاحا وتوسع إستجابتها من خلال خطة الإستجابة للأزمات التي تم إطلاقها في السودان والتي تدعو إلى توفير تمويل بقيمة (168) مليون دولار أمريكي.