البرهان وسلفاكير.. قمة السر والجهر

 

تقرير – الطيب عباس:

 

قبل أن تطأ أقدام رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أرض مطار جوبا بنحو 72 ساعة، كانت تقارير صحفية كشفت عن احتجاز سلطات جوبا لسيارات مسلحة قادمة من الإمارات عبر أراضي جنوب السودان لمليشيا الدعم السريع ومنعها من العبور للسودان.

هذا الخبر الذي نشرته مواقع الكترونية وصفحات ناشطين، دون التوقف عنده يقف وراء زيارة البرهان المفاجئة لجوبا، بحسب مراقبين.

 

ثلاثة ملفات 

استحوذت ثلاثة ملفات، على زيارة البرهان إلى مدينة جوبا، أولها تطوير علاقات البلدين وترميمها، عقب فتور سوداني واضح.

ويرى مراقبون أن الحكومة السودانية تفاجأت في بادي الأمر من موقف جوبا الداعم سرا لمليشيا الدعم السريع، مشيرين إلى عدة إشارات تلقتها الحكومة السودانية، أوضحت بشكل قاطع أن جوبا عملت في وقت ما على تسهيل مرور الوقود والأسلحة الإماراتية عبر حدودها إلى مليشيا الدعم السريع.

ويقول استاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، محمد عمر، إن جوبا دعمت بشكل مكشوف الدعم السريع بطلب إماراتي، لأنها في وقت ما تخيلت أن الدعم السريع سيسيطر على السودان، وبالتالي فإن عدم التعاون معه سيكلف جوبا كثيرا، ويرى عمر، أن سلفاكير كان ضحية لتقارير استخباراتية مضللة، أوهمته أن سيطرة الدعم السريع على كامل السودان مسألة وقت، وبالتالي تعاون بشكل معلن، وأضاف، (تحول موقف جوبا حاليا لتغير موقف الجيش السوداني على الأرض وقناعة سلفاكير بسيطرة الجيش على الأوضاع بالسودان).

 

 

شراسة مع الدعم السريع:

الزيارة التي تناولت تطوير العلاقات، استصحبت بالضرورة بحسب متابعين، الأخطاء التي وقعت فيها حكومة جوبا وأدت إلى ابتعادها عن السودان، ويرجح مراقبون أن تتشدد جوبا في مراقبة حدودها وإغلاق كل الطرق في وجه المليشيات، وأن تكون أكثر شراسة مع الدعم السريع، كسلوك تعويضي مدفوعا بتأنيب ضمير، لشعورها بالتقصير في العلاقة مع السودان.

 

الملف الإقتصادي:

ثاني الملفات التي تمت مناقشتها خلال اللقاء، هو الملف الاقتصادي، وتحديدا جرى تباحث بشكل موسع حول النفط وطرق انسيابه عقب توقفه جراء الحرب، وتحتاج حكومة جوبا بحسب متابعين لإنسياب النفط تفاديا لغضب شعبي من موجة غلاء طاحنة تشهدها دولة جنوب السودان، وبالتالي فإن حوجة جوبا للخرطوم تتضاعف مع تزايد الغضب الشعبي، وهو الأمر الذي دفع سلفاكير للكشف عن مبادرة لإنهاء الحرب بالسودان.

 

 

الملف الإنساني:

الملف الثالث، الذي نوقش خلال الزيارة هو ملف استخدام مطار جوبا لنقل المساعدات الإنسانية لولاية جنوب كردفان، التي تعاني واقعا إنسانيا معقدا، وحسب مراقبين فإن استخدام مطار جوبا يوسع دائرة المنافذ الآمنة التي تثق فيها الحكومة السودانية، التي لا تزال تتوجس من معبر أدري من أن يتم استخدامه لنقل معدات عسكرية للمليشيا، وبالتالي فإن موافقة جوبا على استخدام مطارها يدفع الحكومة السودانية لإغلاق معبر أدري بعد المدة المحددة بثلاثة أشهر وتحويل الإغاثة إلى مطاري جوبا في الجنوب ومروي في الشمال ويقطع الطريق بشكل قاطع أمام أي محاولة لتجديد استئناف الحركة عبر المعبر الحدودي مع تشاد.

 

زيارة مثمرة:

يمكن القول بحسب مراقبين أن الزيارة كانت مثمرة وأن الحكومة السودانية استغلت بشكل مثالي التحول المفاجئ لجوبا وتغيير موقفها من الحرب بالسودان، لكن لماذا هذا التحول؟.

 

تحول مفاجئ

يرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور الفاتح محجوب، أن تحرك جوبا من الموقف الضبابي إلى موقف داعم للجيش السوداني، بدأ حين أغلق سلفاكير حدود بلاده قبل نحو شهر من الآن، تبع ذلك انسحاب أعداد كبيرة من المرتزقة الجنوبيين إلى بلادهم، وجزم الفاتح، أن ما اعتاد الاعلام على تسميتهم مرتزقة جنوبيين هم في الأصل كانوا أو ما زالوا جنودا في الجيش الشعبي ويتعاملون مع المدفعية بطريقة احترافية، لا تشبه طريقة مرتزقة هواة باحثون عن المال، وأكد الفاتح أن هؤلاء الجنود دخلوا بعلم سلفاكير وانسحب معظمهم ورجع لبلاده بتوجيهات سلفاكير نفسه، مشيرا في هذا الصدد إلى انسحاب قوة من جنوب السودان كان يفترض أن تقتحم النيل الأزرق وسنار بالتزامن مع دخول المليشيا لمدينة سنجة.

وقال أستاذ العلوم السياسية الفاتح محجوب، أن تغير موقف جوبا، أملاه الموقف العسكري للجيش السوداني على الأرض، لافتا إلى أن تقديرات سلفاكير الأولية كانت تشير إلى قرب سيطرة الدعم السريع على السودان بعد الدعم الإماراتي القوي، وأراد سلفاكير بذلك أن يجد موطأ قدم له من خلال فتح حدوده لتمرير الوقود والأسلحة الإماراتية للدعم السريع والتي كانت تعبر أراضي جنوب السودان وصولا لشرق دارفور، مضيفا أن سلفاكير وصل لقناعة أخيرا بموقف الجيش السوداني وسيطرته على الأوضاع، وهو ما دفعه لتوجيه الدعوة للبرهان لزيارة جوبا.

سبب أخر لتغيير جوبا موقفها من الحرب في السودان، يوجزه دكتور الفاتح محجوب، في موقف أثيوبيا المفاجئ من الحرب بالسودان وزيارة آبي أحمد لبورتسودان، مشيرا إلى أن أثيوبيا كانت وسيطا بين جوبا وأبو ظبي، في تطوير علاقات البلدين، ورتبت لقاء بين مبعوث شخصي لسلفاكير مع المستشار الدبلوماسي لمحمد بن زايد، أنور قرقاش، في مارس الماضي، وأضاف محجوب (عندما حدث التحول الأثيوبي أدار سلفاكير الموجة سريعا وقام بإغلاق حدوده مع السودان وأوقف سيارات إماراتية كانت ذاهبة للدعم السريع ودعى البرهان لزيارة جوبا)، وتابع دكتور الفاتح محجوب قائلا (سلفاكير فعل كل ذلك لإقتناعه بأن الجيش سيكسب الحرب).

 

لا للنشر:

بالمجمل فإن الملفات الثلاثة التي جرى نقاشها في قمة البرهان – سلفاكير وتم إعلانها للإعلام، لم تكن هي وحدها الملفات التي ناقشتها القمة، بل كانت هناك ملفات أخرى بحسب مراقبين جرى النقاش حولها ووضعت داخل الرفوف تحت لافتة (لا للنشر) ، مشيرين إلى أن الزيارة في هذا التوقيت توضح أن جوبا لديها ما تقدمه للخرطوم أكثر من مجرد مناقشة ملفات ثلاثة كان يمكن بحثها بين السفير الجنوب سوداني ببورتسودان ووكيل الخارجية السودانية، تلك الملفات سيتم الكشف عنها في مقبل الأيام.