ذاق ظلم ذوي القربى وايقن أن الوفاء من رابع المستحيلات

- هل يستطيع الرجل أن يعيد منظومة القبائل العربية التي (ركبت) الموجة مع مليشيا آل دقلو إلى(جادة الصواب)؟
- مطلوب منه إعادة هندسة العلاقات البينية الدارفورية التي خلخلتها المليشيا المتمردة بالترغيب والترهيب
- حميدتي وهلال ايهما تحكم فيه العقل الرعوي؟
تقرير – دكتور إبراهيم حسن ذو النون:
قبل أن ينتصف نهار يوم السبت 24رمضان الموافق 15أبريل2023م وهو اليوم الذي بدأت فيه هذه الحرب الماثلة أصدر الشيخ موسى هلال بيانا مهما بقراءته وتحليل مضمونه كأنه أراد القول (نحن نفعل هذا اتعرفون لماذا)? والشيخ موسى هلال والذي يتزعم مجلس الصحوة الثوري
هذا البيان والذي صدر بعد بضع ساعات من اندلاع الحرب اعتبره بعض المراقبين أنه جاء بشكل متعجل ومنحاز للجيش منذ للوهلة الأولى إلا أنه وبمرور الأيام تأكد للجميع سداد رؤية الشيخ موسى.
في صف الجيش:
بعبارات واضحة الدلالة ولا تقبل التفسير والتأويل قال الشيخ موسى هلال أنه يعلن انحيازه للجيش حيث جاء في بيانه (الإخوة المواطنون في هذا اللحظة الحرجة من سفر وطننا الباذخ المجال فيه للمحاماة والمقايضة ولا خير فيه بعصبية ضيقة أو لجهوية هشة لا ترقي لما ينشده الجميع من بناء دولة المؤسسات, عليه فإنني أعلن دعمي الكامل و اللامحدود للقوات المسلحة في إجراءاتها لضبط الأمن والاستقرار في العاصمة ومنع انفراج عقدها إلى ما لا يحمد عقباه.
والسؤال المشروع الذي يدور في الذهن : لماذا تعجل الشيخ موسى في إصدار هذا البيان والحرب قد بدأت قبل بضع ساعات؟ وهل استند في هذا الموقف نتيجة لحالة ,(ظلم ذوي القربي)التي عانى منها حتى أيقن أن الوفاء من الإخوة والأصدقاء أصبحت من رابع المستحيلات كأنه أراد يوصف هذا الظلم بالقول: لما رأيت بني الزمان وريبهم أيقنت إن المستحيل ثلاثة, الغول, والعنقاء, الخل الوفي.
وبقراءة في متن البيان وتحليل مضمونه نلحظ بوضوح أن الشيخ موسى هلال قد حدد موقفه بشكل مبدئي من الحرب من طرفيها حيث قال (تابعنا صباح اليوم الأحداث التي تفجرت في الخرطوم بقلق شديد واهتمام بالغ وما كنا نود أن تصل الأوضاع إلى ما وصلت إليه من اقتتال ومصادمة, نود نفيدكم علما بأننا ما ادخرنا جهدا في السعي للوساطة ورآب الصدع وإصلاح ذات البين بين إخوة السلاح حتى الأمس القريب, في حضورنا في مناسبة رمضانية كنا نسعى بين الناس بالحسنى أملا في الوصول إلى نقاط توافق والشهادة الحقة تقتضي أن أقول إن قادة القوات المسلحة كانوا حريصين على مد يدهم لأي محاولة للحوار والتواصل مع قائد الدعم السريع, وبدورنا سعينا في هذا الاتجاه رغما عن ما بيني وبين قائد الدعم السريع من خلاف سابق لم يفت من عزمي في محاولة طرق بابه لبحث التصعيد ومحاولة خفضه إلا أنه لم يلق لنا بألا وتمترس في مواقفه ولم يقبل حتى أن ينفذ ما وعد به الإخوة في الكفاح المسلح من خفض للتصعيد وسحب قواته من مروي إلى معسكر الدبة كخطوة أولى ومبادرة طيبة تجاه الآخر إلا أن ذلك لم يكتمل إلا أن فوجئنا بما حدث صباح اليوم).
قوات في الميدان:
وبعدها أعلن الشيخ موسى أن قوات (مجلس الصحوة الثوري) دخلت في الميدان مع الجيش باعتبار أن الحرب الماثلة هي حرب ضد كل السودان وتستهدف وجوده كدولة وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف وسط المراقبين حيث يرى بعضهم أن هذا الخطوة تزيد من حالة التفكك في نسيج المجموعات السكانية المختلفة بإقليم دارفور لاسيما أن للشيخ موسى ادوار واضحة في تداعيات الأحداث بالاقليم خاصة في مرحلة 2003م وما بعدها ويرى آخرون أن خطوة ضم قوات جيش الصحوة الثوري إلى الجيش ربما يكون فيها تكرار ما حدث مع حميدتي والذي (تمسكن حتى تم تمكن) بالإضافة إلى (هلال وحميدتي) يجمع بينهما ما يعرف ب(العقل الرعوي) في كل ما يلي تحركاتهما العامة سواء على الأصعدة العسكرية والأصعدة المدنية والأهلية.
العقل الرعوي هل سيحكم؟:
الدكتورالنور حمد الأكاديمي المعروف وجه انتقادات حادة لما يعرف بالعقل الرعوي من خلال كتابه (العقل الرعوي- استعصاءالامساك بأسباب التقدم), حيث أشار فيه إلى أن تمكين العقل الرعوي ستكون له آثار كارثية على الدولة الحديثة كما ستكون ادوار في ارتداد الحضارات وقد المح الدكتور النور حمد في كتابه والذي كان في الأصل مقالات كتبها في صحيفة التيار السودانية إلى أن العقل الرعوي قد بدأ يتسلل إلى مفاصل الدولة في السنوات الخمس الأخيرة لسقوط نظام الانقاذ وخلال السنوات الأولى للفترة الانتقالية التي أعقبت الإنقاذ وقد كان واضحا ذلك إذ أصبح الجنرال حميدتي هو القابض على مفاصل الدولة حتى وصفه الصحفي السوداني في مقال له ب(الجزيرة نت)عزمي عبدالرازق (كل شئ في السودان يتضاءل إلا حميدتي فهو يتمدد) وبتمدد حميدتي تمدد العقل الرعوي والذي تضامن مع العقل الرعوي الإماراتي وكانت النتيجة اوضاعنا الكارثية الماثلة, والسؤال الذي يفرض نفسه هل سيتحكم في الشيخ موسى هلال العقل الرعوي؟ خاصة من الواضح من خلال المعطيات الآنية أن الرجل تنتظره الكثير في المرحلة المقبلة.
الأدوار المرتقبة:
غني عن القول إن النزاعات المستمرة بين المجموعات السكانية المختلفة في إقليم دارفور والتي بدأت منذ فترات طويلة بالإضافة للتطورات التي لحقت بالاقليم منذ العام 2003م حيث تمردت حركات الكفاح على شرعية الدولة وعلاوة على تطورات الأحداث بسبب الحرب الماثلة ولعل أولى المهام التي يجب أن يوليها الاهتمام الأكبر هي مسألة رتق النسيج الاجتماعي بين المجموعات السكانية بالاقليم حيث باعدت مليشيا آل دلقو المتمردة بينها حيث استخدمت سياسة الترغيب والترهيب لاستمالتها لجانبها في حربها واجنداتها الاخرى, فبعض المجموعات السكانية وجدت نفسها وجها لوجه في مواجهة التمرد والبعض الآخر قاتلت في صف التمرد (مكرة) وثالثة وجدت نفسها تقاتل في صف التمرد (مبتزة) وأول ما ينتظر الشيخ موسى هلال في مهمته المرتقبة الآتي:
– إعادة منظومة القبائل العربية التي (ركبت ) موجة التمرد من حيث تدري أو لا تدري إلى جادة الصواب.
– إجراء مصالحات بين كل المجموعات السكانية بلا استثناء.
– جمع السلاح بشكل فعال وقصر استخدامه على القوات النظامية وفق التشريعات والنظم الحاكمة لاستخدامه.
– فك الارتباط بين المليشيا المتمردة وبقية القبائل خاصة العربية والتي من الواضح أنها قد جلبت لأداء مهام محددة لتجد بعد ذلك مصيرها المحتوم (حادثة تصفية الناظر عبدالمنعم موسى الشوين) ونجله موسى ناظر قبيلة المسيرية الفلانيه, حيث مازال الاحتقان بمناطق المسيرية والمناداة بالثأر الشخصي من قيادة المليشيا (عبدالرحيم دقلو) ومنهم من ينادي بالملاحقة القانونية الرسمية ومنهم من ينادي بضرب معاقل عشيرة الماهرية وخلاف ذلك.
– عدم تمكين المتهمين في ارتكاب جرائم حرب من الإفلات من العقاب خاصة أبناء الرزيقات الماهرية.
– إعادة هندسة القبائل بدارفور بما يتسق بالأدوار الجديدة لتكون بشكل جديد يراعي أدوارها المحتملة في مرحلة ما بعد الحرب.
أمام الشيخ موسى هلال مهام منتظرة تمكنه من التجديف إلى الضفة الاخرى التي ينتظر منها كل السودانيين إنجاز مشروع وطني جامع يمكن السودان من الإنطلاق نحو السلم والتعايش بين مكوناته والقاسم العادل والمنصف للموارد والثروات المهولة التي يذخر بها السودان.