آخر الأخبار

الخبير البيئي د. عماد الدين بشير آدم لـ(أصداء سودانية):قوانين البيئة الحالية تنظير بدون تطبيق

  • المحافظة على سلامة البيئة ليس ترفا بل شرطا أساسيا للحياة الصحية الكريمة
  • محكمة ممبسا تغرم الحكومة الكينية 13 مليون دولار أمريكي تعويضا عن أضرار لحقت بمواطنين جراء تسمم بالرصاص
  • لا تنمية ولا إقتصاد ولا صحة بدون بيئة سليمة.. والتداخلات أضرت بالبيئة السودانية

حوار ــ التاج عثمان:
هل تعد الأحكام القضائية التي تصدرها محاكم البيئة السودانية في حق المخالفين رادعة؟.. وهل هناك ضعف في قوانين البيئة السودانية جعلت البعض يستخف بها ويتجاهلها ويتمادى في المخالفات البيئة؟..وكيف أضرت التداخلات بين سلطات البيئة الإتحادية والولائية بقوانين البيئة؟.. وما صحة المقولة التي تشير إلى أن قوانين البيئة السودانية الحالية (تنظير) بدون (تطبيق)؟.. وما هي أشهر قضايا البيئة السودانية والعالمية التي نظرتها محاكم البيئة؟.. د. عماد الدين بشير آدم، الخبير في قوانين البيئة يجيب على هذه التساؤلات وغيرها عبر هذا الحوار..

*في البداية نريد التعرف على أبرز قوانين البيئة في السودان؟
ــ منها قانون حماية البيئة لسنة 2001، وقانون الصحة العامة، وقانون الغابات، وقانون الموارد المائية، وقانون المخالفات والنفايات.
*هل توجد لوائح تفصيلية لقوانين البيئة التي اشرت لها؟ وهل هناك تداخل بين السلطات (الاتحادية – الولائية)؟
– نعم توجد لوائح تفصيلية لكل من القوانين التي ذكرت.
*البعض يشير إلى أن ضعف قوانين البيئة يعود لتداخل السلطات الإتحادية والولائية.. ما صحة ذلك؟
ــ هذا صحيح، فهناك إشكاليات وتداخلات بين سلطات البيئة الإتحادية والولائية تضر في النهاية بقوانين البيئة.
*ما طبيعة هذه التداخلات؟
ــ تتعلق بعدم وضوح كيفية ممارسة السلطات المشتركة وفق ما ورد في تشريعات الحكم الأقليمي والدساتير المختلفة بما في ذلك الوثيقة الدستورية الأصلية والمعدلة.
*البعض يرى ان قوانين البيئة تنظير بدون تطبيق.. ما تعليقك على هذه المقولة؟
ــ هذا صحيح لحد ما
*وما أسباب ذلك في إعتقادك كخبير في قوانين البيئة؟
ــ يعود لعدة عوامل ماثلة الأن تتمثل في، ضعف المؤسسات البيئية من حيث التمويل والبنية والكوادر، وغياب الرقابة البيئية المنتظمة، وقلة المحاكم البيئية وتخصصها، وضعف تدريب القضاة في مجال البيئة.
*ما هي أبرز المخالفات البيئية التي إنتشرت مؤخرا؟
ــ المخالفات البيئية كثيرة منها على سبيل المثال، مخالفات التعدين الأهلي للذهب، وإستخدام مادتي الزئبق والسيانيد، وتجريف الغابات مثل غابة السنط بالخرطوم، وتلوث الأنهار والمجاري المائية بالتخلص من المخلفات الصناعية والصرف الصحي داخلها، وإنتشار مكبات النفايات العشوائية داخل المدن الكبرى.
*نريد الوقوف على بعض أنواع الأحكام التي أصدرتها محاكم البيئة السودانية مؤخرا؟
ــ منها على سبيل المثال، القضية التي شهدتها إحدى محاكم البيئة السودانية بولاية نهر النيل ضد بعض المصانع التي تستخدم الزئبق.. ومنها قضية ضد أحد مزارع الدواجن الذي تم ضبطه يقوم بتصريف المياه العادمة الملوثة للمزرعة في النيل.. وجميع هذه الجرائم البيئية أصدرت فيها محاكم البيئة المختصة أحكاما متفاونة على المتهمين.
*ولكن هل تم تنفيذ تلك الاحكام فعلا
ــ بالطبع الأحكام تنفذ.
*لكن نلاحظ ان معظم عقوبات قضايا البيئة ضعيفة تنحصر في الغرامات فقط؟
ــ أجل الغرامات ضعيفة مقارنة بالأضرار الجسيمة التي تحدثها المخالفات او الجرائم الجسيمة التي يرتكبها البعض في حق البيئة.
*هل توافقني ان هناك إستخفاف بقوانين البيئة من بعض ضعاف النفوس؟
ــ نعم، لكنني لا أصفه بالإستخفاف، فالقوانين لا يستخف بها، لكنني أقول إنه جهل بقوانين البيئة لدى المواطن العادي.
*وكيف يمكن ترقية الوعي البيئي لدى المواطنين العاديين؟
ــ ذلك يتم عبر نشر الثقافة المجتمعية بقضايا البيئة، وضرورة التوعية البيئية وإدخالها في المناهج التعليمية، والضعف الشعبي والمؤسسي والإعلامي الفعال بقضايا البيئة.
*واقع البيئة في السودان واقع متخلف.. فكيف ننهض بواقع البيئة السودانية خلال المرحلة المقبلة؟
ــ لا بد من تقوية دور المجلس الأعلى للبيئة والهيئات الولائية، وضرورة إصلاح مناهج التعليم لتشمل الوعي البيئي، ودعم المجتمع المدني البيئي والمنظمات البيئية، وإدراج المسؤولية البيئية في إستراتيجيات التنمية، وتكوين روابط بيئية وأنصار للبيئة داخل الأحياء والمجمعات السكنية بما فيها القرى.
*بصفتك خبير في البيئة، كيف تنظر لقوانين البيئة بالدول الأخرى مقارنة بقوانين وأحكام البيئة الصادرة ضد المخالفين؟
ــ بالطبع، الدول المتقدمة لا تتهاون في قضايا وقوانين البيئة والعمل على ترقية بيئاتها، مثلا المانيا لديها نظام فعال للنفايات ليس لمجرد التخلص منها بل الإستفادة منها وإدخالها في الدورة الإقتصادية بفصل وإعادة تدويرها والإستفادة منها في أغراض أخرى كالأسمدة مثلا.. والسويد تقوم بتحويل 99 في المائة من نفاياتها المنزلية والصناعية وحتى الطبية إلى طاقة وتولد منها الكهرباء.. وكندا لديها قوانين رادعة لحماية التنوع البيولوجي، بجانب سن وتطبيق عقوبات بيئية قاسية، في شكل غرامات تصل إلى ملايين الدولارات، وإغلاق المنشآت المخالفة لقوانين وتشريعات البيئة.
*ما هي أشهر قضايا العدالة البيئة التي نظرتها المحاكم البيئية في العالم؟


– تلك التي جرت وقائعها عام 2020 وهي دعوى جماعية لأكثر من 3000 مواطن كيني ضد شركتين لصهر الرصاص وإعادة تدوير البطاريات المستهلكة بمنطقة (أوينو أوهورو) الكينية، تتلخص وقائع الدعوى في تسمم قاتل بالرصاص لسكان المنطقة المذكورة، وقام برفع الدعوى، (مركز العدالة والحوكمة والعمل البيئي) بكينيا، باسم 3000 مواطن من سكان المنطقة المتضررة، ونظرت القضية محكمة ممبسا الكينية وأصدر قاضي محكمة الأرض والبيئة الحكم في يوليو 2020 بأن تدفع الحكومة الكينية، كشريك في الجريمة البيئية، وشركتين تعملان في صهر الرصاص وتدوير البطاريات بتسوية او غرامة مبلغ 13 مليون دولار امريكي تعويضا للمواطنين من سكان المستوطنة الكينية بسبب تسبب الشركتين والحكومة الكينية في تسمم المواطنين الرصاصي الناتج من مصنع البطاريات.. وقال القاضي في حيثيات الحكم: تم إنتهاك حقوق المجتمع في التمتع ببيئة صحية، وفي المياه النظيفة والآمنة، وفي الحياة، وأمرت المحكمة الحكومة الكينية والشركتين بدفع التعويضات المناسبة للضحايا وأسرهم، كما أمرت المحكمة الحكومة والشركتين بتظيف التربة والمياه والصرف الصحي من مخلفات الرصاص وفي حالة عدم التنفيذ تصدر المحكمة غرامة 7 ملايين دولار امريكي إضافية لمبلغ التعويض, حكم محكمة مومبسا الكينية السابق يعتبر إنتصارا للعدالة البيئية، فاين نحن من ذلك؟
*ظهر مؤخرا مصطلح جديد يتعلق بقضايا (غسيل المناخ).. فماذا يقصد من هذا المصطلح؟
ــ غسيل المناخ يقصد به تحريف الشركات للأهداف البيئية، وهناك 47 قضية من هذا النوع تم رفعها ضد شركات وحكومات، وذلك مع تزايد التدقيق في الاتصالات المناخية بشأن دعاوى قضائية تتعلق بغسل او غسيل المناخ، وكانت لها نتائج إيجابية بالنسبة لأولئك الذين يرفعون مثل هذه القضايا.. ومنها أيضا التحذير القضائي للإتحاد الأوربي ضد الكونغو الديمقراطية من التنقيب النفطي داخل الغابات.. بجانب مئات القضايا التي تنظرها المحاكم العالمية ضد بعض الشركات المسؤولة عن الأضرار المناخية الناجمة عن إنبعاثات الغازات المسببة للإحتباس الحراري العالمي، ووصل عدد هذه القضايا حتى عام 2023 (30) قضية، معظمها بالمحاكم الأمريكية بواقع 129 قضية، تليها المملكة المتحدة بواقع 24 قضية، ثم البرازيل 10 قضايا.
*رسالة أخيرة توجهها للمجتمع السوداني للمحافظة وترقية البيئة السودانية؟
ــ أقول، المحافظة وترقية البيئة ليست ترفا بل شرطا للحياة الصحية الكريمة.. وبدون بيئة سليمة لا توجد صحة ولا إقتصاد ولا تنمية.. وأدعو لتوحيد الجهود الرسمية والشعبية لحماية مستقبل السودان البيئي.