(الإتزراق) … سماسرة يتذقون طعم العائد المادي

- (المرتزقة) أشخاص يشاركون في الأعمال العدائية بلا عقيدة قتالية من أجل المال فقط
- بطريقة (من عرف لغة قوم)خاطب كامل إدريس كولومبيا وكان إعتذار الرئيس الكولمبي
- أبوظبي استقدمت المرتزقة من دول الجوار الافريقي للسودان ومن ماوراء البحار
تقرير- دكتور إبراهيم حسن ذو النون:
منذ الأيام الأولى للحرب الماثلة في السودان والتي بدأت في 24رمضان الموافق 15 أبريل 2023م ورد أسم دولة الإمارات العربية المتحدة أنها هي الداعمة لقوات الدعم السريع التي تمردت على الدولة التي كانت جزءً أصيلا من مكوناتها العسكرية (القوات المسلحة- قوات الشرطة- جهاز المخابرات العامة- قوات الدعم السريع), وقالت بعض المصادر الحكومية وقتها إن (أبوظبي) تستقدم (المرتزقة) من دول الجوار الافريقي للسودان (ليبيا حفتر- جنوب السودان- تشاد- أفريقيا الوسطي) ودول جوار الجوارالافريقي للسودان (النيجر- مالي- الكمرون- بوركينافاسو- ونيجيريا), ومن ما وراء البحار (كولمبيا), وقد كتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي السفير الدكتور الدرديري محمد أحمد وزير الخارجية الأسبق عن (عرب الشتات) بدول افريقيا جنوب الصحراء والذين دخلوا في الحرب من باب (الإرتزاق) و(ورحلة البحث عن وطن بديل), ولهذه الرحلة قصص وحكايات وأدوار خفية اللاعب الأساسي فيها فرنسا وتلك (قصة أخرى) قد يأتي يوم ما أن نتحدث عنها.
كولمبيا على الخط:
في يوم 2 ديسمبر من العام 2024م طالع المتصفحين للموقع الإلكتروني لوكالة السودان للأنباء (سونا)حديث مفاده أن سفيرة كولمبيا بجمهورية مصر العربية قدمت اعتذارا رسميا باسم حكومتها من خلال لقائها لسفير السودان بالقاهرة عماد الدين مصطفى عدوي قالت فيه أنهم تفاجئوا بمشاركة بعض المواطنين الكولمبيين في الحرب الدائرة في السودان ك(مرتزقة) مع قوات الدعم السريع, وعبرت السفيرة (ملينيا)عن احترامها لسيادة السودان وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.
وفي ذات السياق الزمني قال مصدر رسمي بالقوات المشتركة (قوات الكفاح المسلح )المساندة للقوات المسلحة في تصريحات رسمية أن القوات المشتركة قد ضبطت مجموعة وثائق وهويات مرتزقة كولمبيين ضمن الكمين الذي نصبته القوات المشتركة في نوفمبر من العام 2024م لقافلة قادمة من مناطق (ليبيا حفتر)إلى السودان تحمل إمدادات لقوات الدعم السريع المتمردة.
وقد علق سفير السودان بالقاهرة على الحادثة أثناء لقائه بالسفير الكولومبية بأن الحكومة السودانية قد بدأت في إعداد ملفات عن المرتزقة الذين يشاركون في هذه الحرب حتى تتم إحاطة دولهم لتتخذ ما يلزم تجاه ذلك من إجراءات, مضيفا أن هذه الحادثة تمثل مثالا لتورط بعض الجهات والدول في هذه الحرب, ونادى بضرورة اتخاذ ما يلزم من تدخلات من الدول التي يشارك بعض مواطنيها في هذه الأعمال التي توقعهم تحت طائلة القانون الدولي والقوانين الداخلية لتلك الدول.
من امن لغة قوم:
الدكتور كامل الطيب إدريس رئيس وزراء السودان وفور تلقيه معلومات مؤكدة خلال الأسابيع الماضية عن وجود مرتزقة كولمبيين في بعض مناطق تتواجد فيها عناصر من مليشيا الدعم السريع المتمردة في مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور ولهم وجود في محيط معسكر زمزم للنازحين بمدينة الفاشر خاطب عددا من الدول الناطقة باللغة الأسبانية التي يجيدها بإتقان ومن بين تلك الدول كولمبيا منبها لها من مخاطر الإرتزاق الذي يقوم به بعض مواطنيها وقال لهم لا تموتوا في حروب الآخرين).
ويبدوأن اللغة الاسبانية التي خاطب بها رئيس الوزراء من (باب من عرف لغة قوم) قد كانت مفتاحا مهما للموقف الإيجابي للحكومة الإسبانية حيث حث إدريس على وقف إرسال المرتزقة لدارفور مؤكدا أن ذلك يضاعف من معاناة المدنيين, وقد جاء الرد سريعا من الحكومة الكولومبية حيث إعتذر الرئيس الكولمبي بذات الطريقة التي اعتذرت بها سفيرة بلاده العام الماضي لسفير السودان بجمهورية مصر العربية.
مفهوم المرتزقة في القانون الدولي:
جاء تعريف المرتزقة في موقع Google على الانترنت بأنهم قوم يشاركون في الأعمال العدائية بشكل أساسي بهدف الحصول على منفعة شخصية، ولكن من الثابت أن مشاركتهم لا تتم عبر عقيدة قتالية ولا تحركهم نوازع معنوية يتشربونها من محاضرات ودروس التوجيه المعنوي شأن الجنود المحترفين الذين يحترفون الجندية كمهنة.
وقد تم اعتماد الاتفاقية الدولية لمكافحة وتجنيد واستخدام وتمويل المرتزقة في 4 ديسمبر1989م ودخلت حيز التنفيذ 20 نوفمبر2011م, ووقعت عليها 17 دولة من بينها دولة عربية واحدة هي المملكة المغربية, ووقعت وصادقت عليها 37 دولة من بينها أربع دول عربية هي قطر وليبيا وسوريا والمملكة العربية السعودية, وهي من أحدث الاتفاقيات الدولية التي عالجت الجوانب الخاصة بالمرتزقة من حيث التجنيد والاستخدام والتمويل والتدريب.
وقد أجملت الاتفاقية في موادها مجموعة المبادئ التي تتسق مع المواثيق الدولية ومن أهمها المواد1- 2- 3- 4- وهي:
إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية،إذ تعيد تأكيد المقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وفي إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وإذ تدرك انه يجري تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم للقيام بأنشطة تنتهك مبادئ القانون الدولي مثل المساواة في السيادة والاستقلال السياسي والسلامة الاقليمية للدول وحق الشعوب في تقرير المصير، وإذ تؤكد ان تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم ينبغي ان يعتبر جرائم موضع قلق بالغ لجميع الدول، وأن أي شخص يرتكب ايّا من هذه الجرائم ينبغي إما أن يُحاكَم أو يُسلّم، واقتناعاً منها بضرورة تنمية وتعزيَز التعاون الدولي فيما بين الدول لمنع هذه الجرائم وملاحقتها قضائياً والمعاقبة عليها،وإذ تعرب عن القلق لظهور أنشطة دولية جديدة غير مشروعة تشير الى اشتراك تجار المخدرات والمرتزقة في ارتكاب أعمال عنف تقوِض النظام الدستوري للدول،
واقتناعاً منها أيضا بأن من شأن اعتماد اتفاقية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم أن يساهم مساهمة كبيرة في التخلص من هذه الأنشطة الشنعاء، ومن ثم في مراعاة المقاصد والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وإذ تدرك أن المسائل التي لا تنظمها هذه الاتفاقية تظل تحكمها قواعد ومبادئ القانون الدولي، قد اتفقت على ما يلي:
المادة 1:
لأغراض تطبيق هذه الاتفاقية
1- (المرتزق) هو أي شخص:
(أ) يجند خصيصاً، محليا أو في الخارج، للقتال في نزاع مسلح
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في الأعمال العدائية هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويُبذل له فعلاً من قبَل طرف في النزاع أو بإسم هذا الطرف وعد بمكافأة مادية تزيد كَثيراً على ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم.
(ج) ولا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في اقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع.
(د) وليس من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع.
(هـ) ولم توفده دولة ليست طرفا في النزاع في مهمة رسمية بصفته من أفراد قواتها المسلحة
2- وفي أية حال أخرى، يكون المرتزق أيضاً أي شخص
(أ) يجند خصيصاً، محلياً أو في الخارج، للاشتراك في عمل مدير من أعمال العنف يرمي الى:
1- الإطاحة بحكومة ما أو تقويض النظام الدستوري لدولة ما بطريقة أخرى.
2- تقويض السلامة الاقليمية لدولة ما
(ب) ويكون دافعه الأساسي للاشتراك في ذلك هو الرغبة في تحقيق مغنم شخصي ذي شأن ويحفزه على ذلك وعد بمكافأة مادية أو دفع تلك المكافأة.
(ج) ولا يكون من رعايا الدولة التي يوجه ضدها هذا العمل ولا من المقيمين فيها.
(د) ولم توفده دولة في مهمة رسمية.
(هـ) وليس من أفراد القوات المسلحة للدولة التي ينفذ هذا العمل في اقليمها.
المادة 2 :
كل شخص يقوم بتجنيد أواستخدام أو تمويل أو تدريب المرتزقة، وفقاً لتعريفهم الوارد في المادة (1) من هذه الاتفاقية، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية.
المادة 3 :
1- كل مرتزق، حسبما هو معرف في المادة (1) من هذه الاتفاقية، يشترك اشتراكاً مباشراً في أعمال عدائية أو في عمل مدبر من أعمال العنف، تبعاً للحالة، يرتكب جريمة في حكم هذه الاتفاقية.
2- ليس في هذه المادة ما يحد من نطاق تطبيق المادة (4) من هذه الاتفاقية.
المادة 4 :
يعتبر مرتكباً لجريمة كل شخص
(أ) يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية
(ب) يكون شريكاً لشخص يرتكب أو يشرع في ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية
المادة 5 :
1- لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، وعليها أن تقوم، وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية، بحظر هذه الأنشطة.
2- لا يجوز للدول الأطراف تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لغرض مقاومة الممارسة الشرعية لحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير، حسبما يعترف به القانون الدولي، وعليها ان تتخذ الاجراءات المناسبة، وفقاً للقانون الدولي، لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لذلك الغرض.
3- تعاقب الدول الأطراف على الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار الطابع الخطير لهذه الجرائم.
حرفة وتاريخ وادبيات :
أن الارتزاق في الحروب والنزاعات له تاريخ وأدبيات وفنيات, ففي الدولة العباسية ثبت أنها في حروبها قد استخدمته خاصة في عهد الخليفة المعتصم إذ جاء في بعض المرويات أنه استعان بالمرتزقة في حروبه ولكن هذا الأمر يحتاج للتحقيق والتوثيق إذ من المعلوم أن تاريخ الدولة العباسية بل الدول الأموية يحتاج لمراجعات من علماء التاريخ.
وفي السودان تم استخدام كلمة مرتزقة بشكل كثيف عقب أحداث 2 يوليو 1976م حيث أطلق الرئيس الراحل جعفر محمد نميري على الغزاة عبارة (المرتزقة) بينما رأت أحزاب الجبهة الوطنية التي شاركت في الأحداث أن ذلك يدخل في صميم العمل (الجهادي) حيث احتوت عدد من مذكرات قياداتها هذه المعاني وآخرها مذكرات الراحل أحمد عبدالرحمن محمد خلال الأشهر الماضية بعنوان(الوفاق الطريق إلى الحكم الرشيد ..دروس من حياتي السياسية الاجتماعية ) والتي صدرت من دار المصورات السودانية فرع مصر2025م.
الحوثي وحرب اليمن:
ومعلوم أن السودان منذ العام2015م قد شارك في حرب اليمن بقوات مشتركة من الجيش والدعم السريع إلا أن الحوثي قد وصف هذه المشاركة في الحرب التي أطلق عليها مسمى (عاصفة الحزم) بانها شكل من أشكال الارتزاق لتحقيق منافع خاصة لهم ليس إلا, وقال وقت نشوء الحرب في تغريدة له على موقع (توتير), ونصح رئيس اللجنة الثورية اليمنية العليا محمد علي الحوثي ما أسماهم أحرار السودان بالقول (بأن يكون لهم صوت رافض لإرسال دفعة جديدة من الجنود السودانيين للزج بهم في ما أسماه ضمن قوات العدوان الامريكي السعودي على اليمن.
عموما مجمل القول إن الارتزاق والمرتزقة في عالم اليوم الملئ بالنزاعات والحروب وما يعرف بحروب (الوكالة) وهذا أمر له شركات عابرة للقارات وسماسرة يتذقون طعم العائد المادي منها.