آخر الأخبار

الفاشر وغزة …حصار وتجويع وانتهاكات بشعة

  • ماذا ينتظر العالم من مليشيا لا تجيد إلا الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان؟
  • تجاهل المليشيا المتمردة للمحددات القيمية والأخلاقية للقانون الدولي الإنساني هو مكمن الخطر
  • المطلوب ابتدار مبادرات للضغط على المليشيا على غرار ما تم في دارفور 2004م

تقرير- دكتور إبراهيم حسن ذو النون:
الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تعيشها مدينة الفاشر العاصمة التاريخية لإقليم دارفور وحاضرة ولاية شمال دارفور والتي يشاهدها العالم بأسره, الكثير من المراقبين ساوا بينها وبين ما يحدث في مدينة غزة والتي تتعرض هي الاخرى لحصار مماثل من عدو يشترك مع مليشيا الدعم السريع في نفس الخصائص وذات الصفات, فقوات العدو الصهيوني ومليشيات الدعم السريع تجمعهما مشتركات لاتفوت على فطنة المراقب المتابع لما يجري في الفاشر وغزة وهذه المشتركات ترافقها صفات من السهل جدا أجراها لأي مراقب.
الانتهاكات البشعة:


الناظر في سجل مليشيا آل دقلو الإرهابية يلحظ عن كثب أنه سجل ملئ بالانتهاكات الخطيرة والتي تتجاوز كل المحددات القيمية والأخلاقية وبالطبع القانونية للمبادئ العامة التي جاءت بها قواعد القانون الدولي الإنساني والمستمدة من قيم وأخلاق وأعراف تراضت عليها كل الأمم والشعوب التي تتخذ من إشاعة السلام والمحبة شعارات لها،وهذا السجل الملئ بالتجاوزات لايصعب على أي مراقب الإحاطة ببعض نماذجه ولو من الذاكرة, فهذه المليشيا يكفي انها ولأول مرة تدخل الحكومة السودانية في ساحات القضاء الجنائي الدولي, حيث ظل الرئيس السوداني السابق عمر حسن أحمد البشير مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية هو وعدد من معاونيه من القادة العسكريين والسياسيين المدنيين, فمنذ أحداث 2003م التي شهدها إقليم دارفور ظلت هذه المليشيا وبنفس شخصوها وإن اختلفت مسمياتها هي القاسم المشترك لكل الانتهاكات البشعة, حيث رصدت تجاوزتها المنظمات الحقوقية المدافعة عن حقوق الإنسان والمنظمات العاملة في الشأن الانساني سواء كانت هذه المنظمات دولية أو إقليمية أو حتى وطنية, وأكثر ما يدهش المراقب أن ما يقوم به منسوبي مليشيا آل دقلو الارهابية لا يجد مجرد الشجب والاستنكار داخلها من قياداتها دعك عن المحاسبات أو الملاحقات القانونية, والمدهش أيضا أن قيادات المليشيا لا تصمت عن تلك الانتهاكات فحسب بل تمهد بكل الطرق والوسائل لمرتكبي هذه الانتهاكات من الإفلات من العقاب والشواهد على ذلك كثيرة.
الصمت المحير:
إن ما حدث من تجاوزات وخروقات واضحة للقواعد العامة للقانون الدولي الإنساني والمبادئ العامة لحقوق الإنسان والتي حضت عليها الشريعة الإسلامية السمحاء والقوانين والاتفاقات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان, سواء خلال الحرب الماثلة أو ماحدث قبلها من قبل هذه القوات أو ما يحدث الآن في الفاشر من حصار وتجويع وتعطيش ومنع المرضى من التداوي والقتل وكل الانتهاكات الاخرى, أن ما يحير حالة الصمت المطبق الملازمة لحصار الفاشر من كل العالم, صحيح أن هناك بعض الإدانات قد حدثت من بعض الجهات ولكن ظلت مجرد إدانات كان من المفترض أن تتبعها خطوات لإبدال الواقع الذي فرض هذه الادانات الخجولة إلى احسن ينتهي إلى إعتبار مليشيا آل دقلو منظمة إرهابية ليتم ايقاع ما يلزم من عقوبات ترجعها إلى جادة الصواب.
منظور جديد للإبادة الجماعية:


الناظر لمفهوم الإبادة الجماعية في القانون الدولي المعاصر يلحظ أن هذا المفهوم ومن خلال بعض المسلكيات التي اتخذها العدو الصهيوني في غزة بفلسطين والتي اتخذتها مليشيا آل دقلو المتمردة في الفاشر يحتاج هذا المفهوم إلى تطوير ليستوعب أن ما يحدث في غزة والفاشر الغاية النهائية منه هو إبادة الشعبين المحاصرين ولئن عرف فقهاء القانون الدولي الإبادة الجماعية بانها(جريمة معترف بها دوليا ولهذا المصطلح تعريف قانوني محدد وهو يشير إلى أفعال معينة ترتكب بقصد تدمير جماعة قومية أو اثنيه أو عنصرية أو دينية أو كليا أو جزئيا, وفي تقديري أن هذا المفهوم يحتاج لتطوير ليتم النص عليه وفي عبارات واضحة الدلالة لا تحتمل التفسير وذلك لأن التجويع المبني على حصار الشعوب والمجتمعات قد أصبح الآن واحدة من الأساليب المتخذة لالحاق الموت بمجموعة مواطنين والتجويع الغاية النهائية منه هو الموت ولو كان بطريقة بطئية لكنه في النهاية يمكن أن يشكل شكلا من أشكال الإبادة الجماعية ولوعلى المدى الطويل.
والتجويع الذي تمارسه كسياسة مليشيا الدعم السريع مع مواطني الفاشر يتساوى ويتوازى مع ما تمارسه دولة الكيان الصهيوني مع الشعب الفلسطيني في غزة مما يستدعي من المجتمع الدولي أن يطور آلية مكافحة الإبادة الجماعية المتمثلة في اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية وهي معاهدة دولية تجرم الإبادة الجماعية وتلزم الدول الأعضاء بفرض حظرها وهذه المعاهدة اول آلية قانونية لتدوين الإبادة الجماعية كجريمة وأول معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها بالإجماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ضمن قرارها رقم 260 خلال الدورة الثالثة والمنعقدة في 9 ديسمبر 1948م وتقتضي ضرورة ما يحدث الآن في غزة والفاشر من تجويع ممنهج الغاية النهائية منه الموت أو إبادة مجموعات سكانية أن يضاف عنصر الحصار التجويعي الممنهج إلى العناصر والأركان الخاصة بجريمة الإبادة الجماعية أو على الاقل اعتبار الحصار التجويعي الممنهج ضمن المقاصد التي عناها المشرع الدولي في العنصر الثالث من أركان جريمة الإبادة الجماعية (أن ينوي مرتكب الجريمة الهلاك لتلك الجماعة القومية أوالإثنية أوالعرقية أوالدينية, وذلك باعتبار ما يحدث في غزة والفاشر يدخل في هذا السياق كواحد من الأمثلة العملية الماثلة للإبادة الجماعية.
فك الحصار المميت:
إن الحصار المميت الذي ضربته مليشيا آل دقلو المتمردة على مدينة الفاشربأثاره المادية المعلومة والمرئية وأثاره المعنوية والنفسية المتوقعة يستدعي القيام بمبادرات إنسانية تسهم في امتصاص تلك الآثار ابتداء, وهذا ما قامت مبادرات وطنية فردية وجماعية رسمية وشعبية(تكليفا – اغاثات- إسقاط جوي لمواد غذائية وطبية) ومع ذلك الوضع الماثل والخطير بمدينة الفاشر يقتضي وبشكل ملح وسريع إيجاد مبادرات تضغط على المليشيا المتمردة لفك الحصار ولو باستخدام شرعية القانون الدولي على غرار ما حدث في دارفور في العام 2004م والأعوام التي تلتها, حيث قامت منظمات أمريكية وكندية وأوروبية بمبادرات ضغطت في اتجاه الضغط على الحكومة السودانية وقتها ومجموعات الجنجويد المتحالفة معها إلى أن وصلت قضية دارفور ساحة القضاء الدولي (المحكمة الجنائية الدولية), ومثال ذلك حركة إنقاذ دارفور بأمريكا التي قامت بمبادرات انتهت إلى إقناع الكونغرس الأمريكى بإستصدار قوانين وإجراءات تفضي لعقوبات على الحكومة السودانية ومجموعات الجنجويد وقد أقنعت الكونغرس أيضا بإقام الصلاة والتأمل من أجل دارفور بعدد من الكنائس الأمريكية وايضا أطلقت حملة بطاقات بريدية بعنوان مليون صوت من أجل دارفور وذلك عبر موقع الكتروني وفي العام 2006 تم إطلاق مبادرة (الأيام العالمية من أجل دارفور) وتمت الدعوة بمهرجان في أبريل من نفس العام حدد له المساحة الشرقية من حديقة نيويورك العامة المركزية حيث تمت الدعوة إلى تدخل الأمم المتحدة في دارفور حيث وزع المنظمون في المهرجان آلافا من الملصقات البرتقالية التي تبدأ بالرقم واحد حتى الرقم 400.0000 وهو عدد الذين ماتوا في دارفور وفي ربيع العام 2007 أذاعت إعلانات ملصقة في حافلات نيورك ومترو الانفاق أن حصيلة الضحايا في دارفور قد زادت على ال 400000 شخص خلافا للجرحي والمرضى وفاقدي الرعاية الطبية والصحية علاوة على عدم تلقي أكثر من مليون طفل لكل اللقاحات الضرورية الخاصة بأمراض الطفولة الستة التي حددتها منظمة الصحة العالمية.
وتاسيسا على ذلك لابد من تبني مبادرات مماثلة للضغط على المليشيا المتمردة لفك الحصار المميت على مدينة الفاشر والذي يمثل آخر قشة تتمسك بها المليشيا لتقول للعالم (أنا موجودة).