تدهور الجنيه.. هل يمتلك رئيس الوزراء وصفة للحل؟

تقرير- محمد عبد الحميد:
صعوباتٌ بالغة التعقيد وتقاطُعات، تتبعها آمال كبيرة للسودانيين، يواجهها رئيس الوزراء د. كامل إدريس منذ توليه المنصب، وخاصةً في جانب (قضايا الاقتصاد) وأولها: تدهور قيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية
وورث د. كامل إدريس كل هذه (التركة) قديمها وجديدها من المشكلات الاقتصادية التي عصفت بالبلاد في وقتٍ سابق، فيما ينتظر السودانيون من رئيس الوزراء والحكومة الانتقالية المُشكلة حديثًا، التعامل بحسم وحل هذه المعضلات وبصورة مستعجلة، فهل تنجح حكومة إدريس في فك شفرة هذه الإشكاليات؟
مُضاربات:
ولمُعالجة إشكالية تدهور قيمة “الجنيه السوداني” أمام العملات الأخرى، دعا رئيس الوزراء الانتقالي دكتور كامل إدريس لاجتماعٍ عاجل للجنة ضبط العملة والقضايا الاقتصادية المرتبطة بها.
ووفق ما نُشر من أخبار ذلك الاجتماع العاجل، فقد ناقش القضايا الاقتصادية، والتدابير العاجلة لمعالجة أزمة ارتفاع الدولار، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من المضاربات.
والأزمة القديمة المتجددة -المضاربات وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه-، زاد من وتيرتها الحرب الضروس التي يخوضها الجيش السوداني والقوات المساندة ضد مرتزقة وميليشيات الدعم السريع منذ ما يزيد عن الـ28 شهرًا، حدث فيها ما حدث من خراب البنية التحتية، وتدمير المؤسسات والمصانع والشركات، وفقد الناس مصادر رزقهم وتجارتهم.
الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز قال لـ(أصداء سودانية)، إنّ تدهور سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية تسبب في حدوث ارتفاعات كبيرة في السلع المحلية والخدمات، أدت لصعوبات لدى السكان المحليين في الحصول على احتياجاتهم من السلع والخدمات.
السياسات المالية والنقدية:
وأضاف د. عبد العزيز: من ناحية اقتصادية المطلوب: استقرار سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأجنبية. فالحديث المُجرد حول خفض قيمة الدولار أو رفع الجنيه مقابل العملات الأجنبية لا يكون مُجديًا من ناحية اقتصادية، بقدر ما هو مطلوب حدوث استقرار في العملة السودانية مقابل العملات الأخرى القابلة للتحويل مثل: (الدولار، واليورو، والدرهم الإماراتي، والدينار الكويتي، والريال القطري، والريال السعودي).
يقتضي ويتطلب إحداث الاستقرار وفق رؤية الخبير الاقتصادي د. عادل، الاتساق والتنسيق بين (السياسات المالية) و(السياسات النقدية). فـ(السياسات المالية) هي السياسات التي ترعاها وزارة المالية وتقوم بها الوزارات الاقتصادية في الدولة مثل الثروة الحيوانية، والصناعة والتجارة، والاستثمار، والمعادن، والبترول. فيما يُشرف على السياسات النقدية بنك السودان المركزي المسؤول عن متابعة مسائل التضخم، وقيمة العملة، ويُحدث التدخل اللازم.
وأكمل د. عادل قائلًا: لا يمكن استقرار سعر العملة إلّا بوجود احتياطي للعملات الأجنبية القابلة للتحويل، والتي تمكن البنك المركزي من التدخل في الوقت المناسب لإحداث هذا الاستقرار.
أغراض الاستيراد:
ويشرح د. عادل عبد العزيز أسباب ارتفاع الدولار قائلًا: إذا حدث طلبٌ كبير على العملة لأغراض (الاستيراد)، وإذا لم يكن هناك احتياطي وقدرة للبنك المركزي على التدخل، فالنتيجة الطبيعية هي انخفاض العملة المحلية وارتفاع الدولار، لأنّ هناك طلبٌ كبيرٌ عليها.
وأضاف د. عادل مُعددًا مصادر العملة الأجنبية في السودان وهي: مبيعات السلع الحكومية مثل: البترول، وتحويلات المهاجرين، والقروض والمنح الخارجية، وعائدات الصادرات.
ونبّه الخبير الاقتصادي إلى أن البعض يتحدث عن الذهب، لافتًا أنه ليس سلعةً حكومية وهو مملوكٌ لأفراد. وزاد: فإذا لم تملك الحكومة فيه أو الخزينة العامة “العوائد الجليلة” التي تؤخذ من الذهب ثم عائد الصادر، مشيرًا أن الذهب يتم تصديره عن طريق الدفع المُقدم، ولأي شخص يرغب في تصدير الذهب، فإنه يدفع قيمته مقدمًا لبنك السودان.
انخفاض مصادر الاحتياطي:
وأبدى د. عادل مُلاحظةً مُهمة خلال اجتماع رئيس الوزراء مع لجنة ضبط العملة قائلًا: لاحظتُ أنّ محافظ البنك المركزي ليس موجودًا في الاجتماع. وبالتالي، هو اجتماع لترتيب السياسات الاقتصادية أو المالية.
وقال: هنا نفقد التنسيق مع السياسات النقدية، وربما يكون هناك ترتيب لاجتماعٍ مُشترك بين المالية والمركزي برئاسة د. كامل إدريس، نأمل أن يتم ليتم التنسيق بين السياسات المالية والسياسات النقدية.
وأضاف الخبير الاقتصادي الحلول فيما يلي السياسات المالية مؤكدًا: لا بُد من زيادة الإنتاج في مختلف القطاعات الصناعة، والبترول، والذهب، لأنّ هذا ما يحقق العوائد التي تصبح هي الاحتياطي الذي يمكن البنك المركزي من تحقيق الاستقرار في العملة السودانية.
أسباب انخفاض الجنيه:
بالمقابل، عدد الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، لـ(أصداء سودانية)، أسباب تراجع الجنيه السوداني بهذا الشكل الحاد والمستمر، ومنها: انخفاض مصادر الاحتياطي النقدي الأجنبي، وارتفاع تكلفة استيراد السلع الأساسية والوقود بسبب الحرب، وزيادة الفجوة بين الصادرات والواردات.
واصل د. هيثم لافتًا، كما أنّ هناك عوامل هيكلية تدفع لانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، منها: زيادة الطلب على الدولار لسداد التزامات حكومية كبيرة، فضلًا عن انخفاض الإيرادات الأجنبية.
وحسب د. هيثم، قد يؤدي تراجع الجنيه بشكل أكبر من المتوقع لتحفيز التضخم وزيادة العبء على الاستهلاك المحلي، مما قد يدفع لتباطؤ النمو الاقتصادي. ودعا لتخفيض الإنفاق الحكومي غير (الأمني والدفاعي) لمنع تفاقم الدين العام، مع تخفيض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على الأقل.
مُحاصرة التدهور:
ولمُحاصرة تدهور العملة، طالب د. هيثم بتوسيع المظلة الضريبية على الشركات في السوق المحلي، وتخفيض كافة ميزانيات دواوين الحكومة، بما فيها الوزارات والولايات، وإلغاء كافة القرارات الإدارية التي أدت إلى الاختناقات السلعية الحالية في الأسواق، مع وقف الجبايات غير الشرعية في البلاد.
كما أكد ضرورة إعادة تقييم كل المشروعات الكبرى التي تستنزف نسبة كبيرة من الدخل القومي، ولا عائد لها في الأجل المنظور، وكل ذلك، مع تضافر السياسات المالية والنقدية، بالإضافة إلى سياسة تجارية مواتية.
وأضاف الخبير الاقتصادي، لا بُد من أن يتبنى البنك المركزي ممارسات شفافة تُسهم في بناء الثقة بينه وبين المواطنين والأسواق، ونشر آخر التطورات النقدية والسياسات المتبعة، وإرسال تطمينات واضحة للأسواق.
ضبط الكتلة النقدية:
وكل ذلك، حسب د. هيثم، بالتوازي مع تنظيم ندوات دورية واجتماعات مغلقة مع الصناعيين، والتجار، والمستثمرين الوطنيين، لمناقشة التحديات القائمة وشرح السياسات النقدية المستقبلية لضمان إشراك القطاع الخاص في عملية صنع القرار.
هذا بالإضافة لضبط الكتلة النقدية عبر التحكم في نمو المعروض النقدي بما يتناسب مع معدل النمو الاقتصادي، لتجنب أي زيادة غير مبررة في السيولة تؤدي لضغوط تضخمية.
إلى جانب، نشر تقارير شفّافة بشكل منتظم تتناول السياسة النقدية، وحجم الاحتياطي الأجنبي، والمعروض النقدي، ومعدلات التضخم والفقر والبطالة والعمالة وغيرها من البيانات الاقتصادية ذات الصلة.
استغلال الموارد:
ويواصل د. هيثم قائلًا: ينبغي أن تكون هذه التقارير متاحة عبر الموقع البنك المركزي إلكترونياً بصيغة يسهل على الجميع الوصول إليها وفهمها، إذ ستعزز هذه الخطوات من الشفافية المطلوبة وتساعد في استعادة الثقة بالبنك المركزي كجهة مستقلة ومسؤولة، وتجسر الثقة مع الأسواق.
يضيف هيثم، وذلك مع التنويه لضرورة التنسيق بين المركزي والوزارات والهيئات الاقتصادية لضبط أسعار السلع الأساسية ومنع أي ممارسات احتكارية أو استغلالية تؤدي لارتفاع الأسعار.
وأكمل: لا بُد أن يكون حُسن استغلال الموارد الوطنية الذهب، والمعادن الأخرى، والبترول، في سُلم أولويات الحكومة الانتقالية الحالية، إضافة لإطلاق مشروعات إعادة الإعمار التي ستسهم في دوران عجلة الاقتصاد وخلق فرص عمل، وتشجيع القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، عبر إيجاد بيئة أعمال محفزة وخالية من الفساد.
بجانب، التعاون الوثيق مع المجتمع الدولي لضمان تدفق المساعدات المالية والتحويلات المالية من الخارج، فمن شأن ذلك كله أن يُشكل عاملاً أساسياً في تعزيز قيمة الجنية السوداني، ودعم الاحتياطي النقدي، وبناء اقتصاد مُستدام.