آخر الأخبار

الدكتور صديق الهندي في حوار فوق العادة مع (أصداء سودانية):(3)

 

  • الرباعية قد تعيد المعادلة المفخخة ويمكن ان تؤدي إلى أكثر من الحرب
  • الثورة إنحرفت عن مسارها وسلكت الإتجاه الذي اوصلنا للحرب الحالية
  • القوى السياسية التي تقف مع المليشيا ليس لديها حجة ولا تستطيع الإفصاح بأنها تقف مع المليشيا بشكل رسمي
  • أدعو الكتل المدنية بمكوناتها المختلفة للاجتماع معا بأسرع ما يمكن
  • لو صمد حمدوك في السجن لكان أكرم له ولنا وكان يمكن إستمرار شرارة الثورة
  • الحرية والتغيير جسم هلامي إلتف حوله الناس دون أن يعرفوا هويته

حوار – صلاح عمر الشيخ :
*أنت دائما يكون لديك وجهة نظر وتصر عليها وقد تصل مرحلة الخلاف.. فقد كنت وزيرا لوزارة التعاون الدولي والتي تقلصت من وزير إلى وزير دولة.. واتذكر اننا أجرينا حوارا مع أحمد بلال فقال: (ادوكم ليها مملحة واكلتوها بمويه), فأنت حتى في الحزب الإتحادي عملت لك خط سابق فأعلنت من داخل نادي الخريجين قيام الحزب (الإتحادي الديمقراطي – المركز العام) وكأنك كنت تعود للجذور وتاريخ الحزب الوطني الإتحادي.. وبعدها ذهبت لإتجاه توحيد الحزب، فهل بذرة التمرد مستمرة في شخصك أم هي بذرة الإستقلال؟
ــ والله انا ذاتي ما قايل نفسي معاكس قدر كده، مثل صاحب القضية الذي إستعان بكاتب المحكمة لكتابة عريضة بقضيته، وعندما إنتهى الكاتب من كتابتها قرأها عليه فقام صاحب الدعوى بالبكاء، فسأله كاتب المحكمة عن سبب بكائه، فقال له: والله انا ما قايل نفسي مظلوم قدر كده.. واعتقد أنها ليست مسألة تمرد بل مسألة هل توجد قضية أم لا توجد قضية.. فهناك قضايا لا تحتمل الحلول الوسطى، يعني مثلا انا تربيت على ان نميري رجل ديكتاتوري وحكمه حكم عسكري، وجاءت ثورة اكتوبر فتشبعنا بروحها، وانا درست في وادي سيدنا.. وكانت جامعة الخرطوم عندما تريد ان تتنفس تتنفس في وادي سيدنا.. وعشنا ثورة أكتوبر ونزلنا الشوارع في المظاهرات وكنا نبلل عيوننا بالمناديل من البمبان.. وعند حدوث المصالحة مع نميري واخوانا في الحزب ذهبوا بينما انا لم أذهب للمصالحة.
*لماذا لم تذهب مع بقية أعضاء الحزب لمصالحة نميري؟


ــ لأنني بإختصار لا أستطيع النفاق وأكون (نُص نُص).. الدكتور الترابي ــ رحمه الله ــ كنت أعرفه منذ زمن طويل لعلاقتي معه بالجزيرة والندوات السياسية والثقافية قبل وبعد ثورة أكتوبر، فسألني بقوله: (سمعت انك إستقلت من الحزب، فلماذا إستقلت؟.. قفلت له: انا لم أستقل لكنني إخترت الخط الصحيح.. وحضر مندوب لنا في إنجلترا وإختار بعض الذين لديهم معه عواطف مع المصالحة وإجتمع معهم بينما تركنا نحن خارج الاجتماع.. وقلت للذين حضروا ذلك الاجتماع: (تمشوا في المصالحة بدون شروط؟ والصادق نفسه عندما إجتمع في بورتسودان لم يكن لديه شروط).
*هل يعني ذلك إنحيازا لعمك الشريف حسين الهندي؟
ــ لا ليس إنحيازا فنحن كنا خريجين لنا 5 أو 6 سنوات وكنا نعيش جو المعارضة في السجون وحياتنا كلها كانت ملونة بالسياسة، وقضية الحزب انه حزب وسط وحزب قومي وتاريخي لانه نشأ من الخريجين صلب الحركة الوطنية، ولجنة مؤتمر الخريجين الستينية عملت حزب الاشقاء ثم الوطني الإتحادي، لكن الإنتماء له ليس معاكسة بل هو الخط الصحيح، فلم يكن هناك مجال، إما ترجع للجذور او تخرج من الحزب.
*دائما كانت هناك جهود لتوحيد الحزب، فإلى أي مدى كانت لديكم جماهير تساندكم في هذا الشأن؟
ــ مسألة الجماهيرية قياسها صعب، لكن نحن عملنا مؤتمرا في دار الحزب دعونا له كل الناس فحضر حوالي 200 كلهم كانوا مع وحدة الحزب، فالخلاف مع، محمد عثمان الميرغني، كان في مسألة واحدة هي الطائفية، وتدخل البشير وسمعنا انه ترأس اللجنة المركزية للحزب، فكيف يبقى البشير في رئاسة حزب آخر، سوى لأنهم كانوا يمولون الإجتماعات.. والحزب الرسمي وقتها أصبح حزبا تابعا لنظام عمر البشير، واذكر في آخر محاولة تمت على أعتاب إعلان الوحدة وتحدد قيام مؤتمر صحفي لإعلانها في اليوم التالي مباشرة، لكن البشير إتصل بأحمد بلال في منزله وقال له (إستوب) لوحدة الحزب، فالقرار كان قرار البشير وليس قرار الحزب، فكيف إذن نبقى مع مثل هذا الخط أو الحزب، والشريف حسين الهندي قال وقتها: (هذه الراية لن تسقط حتى لو بقي منها رجلان).
*ماذا تقول بشأن الإنتماء من جانبكم للحرية والتغيير حتى توقيع إتفاق الوثيقة الدستورية؟


ــ الحرية والتغيير جسم هلامي ظهر وتوجه إليه الناس وهم يستجيبون له بدون ان يعرفوا هويته.. وبينما الناس في زخم الثورة كنا نعتقد ان ما يجمع عليه السودانيون هو الخط الأساسي ولنا بيانات كثيرة في ذلك، فنحن ناس ثورة وحتى الآن ، وعندما ظهر التناقض بين المكون العسكري والمكون المدني، وعدد كل منهم في التمثيل، وقتها بدأت تتكشف مسائل خطيرة، منها انه قامت ثورة والجيش إنحاز لها، فاللجنة الأمنية للبشير والتي كانت مكونة من أجهزة عسكرية مختلفة توصلت لإتفاق مع الحرية والتغيير بالمشاركة.. والمسألة الثانية ان الثورة إنحرفت عن مسارها وسلكت الإتجاه الذي اوصلنا للحرب الحالية، لأن العسكريين الذين شاركوا ليسوا عسكريين عاديين بل عسكريين مسيسين، وتسييس الجيش معروف منذ عهد جعفر نميري عدا إنقلاب عبود فلم يكن الجيش وقتها مسيسا، فالإتفاق يعني انك دخلت في مشاركة خطرة جدا وخلطت بين حاجتين لا يختلطان، والإتجاه العام في السياسة في الدول التي مثلنا، ان أي إتفاق بين السياسيين والعسكريين مصيره في نهاية الأمر ان العسكريين سوف ينقلبون على المدنيين لأنهم يملكون السلاح، ولسوء الحظ ان الحرية والتغيير إنقسمت بسرعة شديدة جدا وراحت، وأصبح الذين جاءوا بعد الاتفاق الدستوري هم من مستقلين وأقليات وغيرهم من الأحزاب الصغيرة، أما الأحزاب الكبيرة فإتخذت قرارا بعدم المشاركة في الجهاز التنفيذي أو التشريعي، وهذا الأمر كان ثالث يوم من الثورة أي يوم 27 حيث ذهبت وقتها لدكتور إبراهيم الأمين في حزب الأمة وقلت له بأننا يجب ان نعلن عدم دخول الأحزاب في الجهاز التنفيذي، وقلت له الشارع لا يريد أحزابا الآن .. وفعلا كل الأحزاب الكبيرة لم تدخل وأعلنت ذلك صراحة.. ولما جاء تكوين الحكومة حدثت الخدعة والتي دفعت بأناس تحت التربيزة وظهر ناس لا نعرفهم وهم ليسو وجوها سياسية معروفة في الميدان السياسي، ولا أحد يعرفهم او يسمع بهم.. وكانت تلك من أسوأ التجارب السياسية في السودان وأدت للخلافات، ووقتها بدأ العسكريون في إشانة سمعة الأحزاب حتى وصل الأمر إلى الإنقلاب.. ورئيس الحكومة وقتها، حمدوك، لو صمد على موقفه في السجن كان أكرم له ولنا، وكان يمكن إستمرار شرارة الثورة، لكنه بينما كان يوقع في إتفاق مع العسكريين بالقصر الجمهوري كان الشعب يتعرض للضرب بساحة الشهداء.. بعدها حدثت محاولات حزبية ومن بعض العقلاء لكنها لم تكن ذات قيمة تذكر، لأنه سبق السيف العزل، وبالتالي دخلنا في الحرب.
*ما هو تقييمك عن الذي يجري الآن حول إنقسام جزء من التجمع الإتحادي، فجزء منه يقف مع الدعم السريع، والجزء الآخر ضدها.. والسؤال يقودنا لسؤال آخر، مفاده ما هو موقف القوى السياسية من الحرب الدائرة الآن ؟
ــ القوى السياسية مقسمة للأسف الشديد، لكن قضية الحرب نفسها تثير بعض التساؤلات: الحرب لمتين؟ ولشنو؟ ولمنو؟.. فالحرب اعتقد انها كموقف أخلاقي سيدفع ثمنها الشعب السوداني.. أما السؤال عن الحرب تقيف لشنو وكيف، فالإجابات هنا تختلف، واعتقد ان الذين ينادون بإيقاف الحرب هدفهم إيقاف الأزمة الإنسانية والسياسية الموجودة الآن ، وما خلقته من فرص لتدخلات أجنبية وإقليمية ومحلية..وأسال: الحرب تقيف لشنو؟ واجيب، يجب ان تتوقف الحرب حتى تعود الحياة المدنية والسياسية على أساس برنامج الثورة وبرنامج الناس الذين كانوا في الشارع وهو ليس برنامجا جديدا.
*لكن برنامج الثورة هو البرنامج العام، لكن الآن أصبح هناك قوة عسكرية إرتكبت إنتهاكات وعملت (بلاوي) كثيرة جدا، والمواطنين الذين قاموا بالثورة معظمهم لديهم موقف واضح منها؟
ــ هذه ليست قوة سياسية بل مليشيات سواء كانت خارجة عن النظام القائم أو خلافه، فأي تفكير للحكم المدني يجب الا يكون لديه تسييس للحركات، ومن يحمل السلاح ويريد العمل السياسي عليه أن يرمي السلاح والإنخراط بعدها في العمل الحزبي.. فالقوى السياسية التي تقف مع المليشيا ليس لديها حجة ولا تستطيع الإفصاح بأنها تقف مع المليشيا بشكل رسمي، وهي تنكر ذلك.. والناس الواقفين مع الجيش لديهم حجة أساسية وهي في الحقيقة ليست موقفا مع الجيش بل موقف مع البلد.. والجيش نفسه مطلوب منه الوقوف مع البلد فهذه مهمته لكونه أحد مؤسسات الدولة التي يحكمها قانون ودستور ويحدد حاجاتها كلها، ولديه مسؤولية يسأل عنها واعتقد انه قصر فيها بتعامله مع الجنجويد .. واعتقد انه هو التعامل الذي أدى إلى الحرب.. وفي نهاية الأمر هناك قانون عسكري.. بعض الناس يرون ان الوقت غير مناسب للتحدث عن الجيش، واعتقد انها كلمة حق يراد بها باطل، فأنت بذلك تضلل الجيش، وأمثال هؤلاء الناس يغذون في روح ثانية يمكن ان تحدث في الجيش نفسه الروح الإنقلابية وإستمرار الحكم العسكري.. لذلك نحن أعلنا اننا ضد الحرب وضد التسوية معا.
*كيف ولماذا تكونون ضد التسوية؟
ــ لأن التسوية قد تأتي بالعساكر مع الجنجويد وبالتدخل الخارجي ومن ثم تعيد نفس المعادلة المفخخة التي بدأت بالإتفاق مع الجيش، ويمكن ان تؤدي إلى أكثر من الحرب.
*هل تستطيع الرباعية من الدول التي تتحرك الآن الوصول لنتيجة بشأن إيقاف الحرب؟


ــ هذا هو الدور الخارجي والإقليمي، ولا يوجد شخص يعمل بالسياسة يجهل هذا الدور، لأن أي دولة لديها مصالح خارجية، والرباعية يمكن أن تكون ذات جدوى إذا عملت شيئا أساسيا هو إيجاد الكتلة المدنية التي تدافع عن البرنامج الوطني الديمقراطي، وهذا الأمر لا يوجد، فهناك فراغ مدني وهو سبب كل أنواع التدخلات الخارجية والداخلية.. والتدخل العسكري في الحكم منذ عهد عبود وحتى نظام البشير ناتج من ضعف الحركة السياسية والمدنية بالخصوص والتي غابت الآن وإنقسمت حاليا لأقسام كل قسم مع أحد، لكن لا يوجد شيء إسمه (مع)، بل يجب الوقوف مع القضية ومع البلد وليس مع شخص بعينه.
*الناس يتساءلون هل ينجح التفاوض مع الإمارات مباشرة بإعتبار دورها المعروف في الحرب؟
ــ التفاوض عامة يحتاج لترتيب، فهناك تفاوض من أجل إيقاف النار، لكن التفاوض السياسي يجب ألا يترك للعسكريين وحدهم سواء كانوا مع المليشيات أو ضدها، فمستقبل السودان هو مستقبل للمواطنين المدنيين وللحكم المدني.. وادعو الكتل المدنية بمكوناتها المختلفة السياسية والمدنية والأهلية ان تجتمع بأسرع ما يمكن – وإن أمكن – في داخل السودان، وعلى الحكومة إفساح المجال لهم فهم الذين يحددوا بأن يتكلموا مع هذا او ذاك.
*هل تقصد بقولك الأخير هذا دعوة رئيس الوزراء، كامل إدريس، للحوار السوداني ــ السوداني؟
ــ أجل، أقصد فكرة كامل إدريس، لكنني اعتقد ان ذلك يجب أن يتم في مؤتمر جامع من أصحاب المصلحة والقضية، فهم الذين يحاسبون الوزراء في ظل وجود حكم إنتقالي، ولا أعني ترك الحكم لناس مستقلين أو تكنوقراط والتي دائما ما يحدث فيها الخطأ بتعيين المعارف، لكن الإختيار يمكن أن يتولد من مؤتمر قومي وإنتخاب برلمان يأتي بالوزراء ويحاسبهم، لكن الآن تحاسب منو وذلك عندما يتم تعيين وزير بالواسطة او المعرفة، مع إحترامنا للدكتور كامل إدريس.
*الا يمكن محاسبة الوزير المخطئ بواسطة مجلس السيادة؟
ــ مجلس السيادة نعتقد انه غيب العنصر الأساسي في الدولة المتمثل في عنصر التشريع والمراقبة، وأصبح مجلس السيادة الأن يحكم تنفيذيا وتشريعيا، يعني ديكتاتورية مركبة مركزة.. وكان يفترض ان تبدأ الثورة ببرلمان، وسبق ان إقترحت برلمانا من 300 شخص يمثل كل الإتجاهات حتى يتم تعيين الوزراء ومراقبتهم.