الاخصائية النفسية الدكتورة ولاء السيد ل (أصداء سودانية):

- المرأة السودانية عانت من عار الوصمة الإجتماعية التي فرضها عليها المجتمع بسبب تغيبها القسري
- في المعسكرات قصص بطولية تصلح لتكون روايات عالمية وقصص مأساوية لا يصلح أن يكون أبطالها إلا شياطين
- المجد لكل الحرائر اللاتي وقفن وصمدن أمام جرحهن الغائر
- أدت الحرب إلى فقدان ملايين النساء لسبل عيشهن ومدخراتهن والوصول إلى الخدمات الأساسية
حوار -رندا المعتصم
في خضم الحرب التي عصفت بالسودان، برزت المرأة السودانية كرمز للصمود والتضحية، تتحمل أعباء تفوق طاقتها، وتؤدي أدوارا متعددة في آن واحد. فقد وجدت نفسها مجبرة على لعب دوري الأب والأم في ظل غياب الرجال بسبب القتال أو النزوح، لتصبح هي الحامية والمعيلة والمربية. لم تقف عند حدود الأسرة فقط، بل امتد دورها إلى ساحات التكافل المجتمعي، حيث نشطت في التكايا، تسد رمق الجائع، وتخفف عن المتعبين. وفي أرض اللجوء، واصلت كفاحها من أجل لقمة العيش بكرامة. هذا الحمل الثقيل ترك أثرا نفسيا عميقا في نفسها.
نسعد في هذه المساحة ان تكون في معيتنا د.ولاء السيد الاخصائية النفسية لنتجاذب معها أطراف الحديث عن تأثير الحرب على المرأة السودانية
*كيف تنظرين إلى ماتعرضت له المرأة من آثار نفسية ومعنوية واجتماعية بسبب الحرب؟
– أدت الحرب إلى فقدان ملايين النساء في السودان لسبل عيشهن ومدخراتهن والوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والغذاء..وقد كان العنف القائم على
نوع الجنس، بما في ذلك العنف الجنسي، والعنف الجسدي والعنف اللفظي والاختفاء القسري قضية سائدة خلال النزاع، حيث وردت تقارير عن حوادث تؤثر على النساء والفتيات وما حدث لهن من اغتصاب وضرب وإهانة وعنف واعتقالات وخطف وكثير من الفظائع التي لا يستوعبها العقل البشري والذي بدوره يؤدي إلى صراع و معاناة كبيرة تعيشها النساء أثناء فترة الحرب والتي بدورها قد تمتد آثارها لسنوات باقية دون التحرر من مخاوفها أو الاستسلام لها.
وقد عانت المرأة السودانية أيضا أثناء الحرب من عار الوصمة الإجتماعية التي فرضها عليها المجتمع بسبب تغيبها القسري واستخدامها عنوة من قبل الميليشيات اللعينةوجاء المجتمع ليزيد مرارة الاغتصاب وما رأته من مرارات ليفرض عليها ويلبسها ثوب التدنس والعهر والاتيان بعار يلمس شرف القبيلة ؛ ونسوا تماما بأنهم استباحوا شرفها للمرة الثانية بل سددوا لها طعنة لا شفاء منها ؛ وما أقسى أن يأتيك الغدر من مكان كنت تحسبه أمانا ومكانا للاحتواء والغفران والتقبل؛ فعندها تشتد المرارة واللوعة ويفكرن في الإغتسال من البراءة ذئب لايد لهن فيه بالتفكير في محاولات الانتحار وتنفيذها لعلها تكون المنقذة لما يشعرن به من ألم يترجمنه للاسف بارتكاب جريمة الانتحار.. هذا جانب مظلم اخر من نتائج حرب لعينة شنتها مليشيا مجرمة لا ترحم شيخا ولا تاوي طفلا ولا تحفظ شرفا ولا تعرف خلقا ولا دينا .. فالمجد لكل الحرائر اللاتي وقفن وصمدن امام جرحهن الغائر وكن هن الخيط الأبيض الممزوج باللون الأحمر الذي يخيط الجرح رغم عمقه واتساع اهاته .. فقد كن لانفسهن السند رغم من نخر الجوارح وتهتك كل معنى من معاني الامان داخلهن
وكثير من النساء تنقلن داخل معسكرات النزوح واللجوء بحثا عن وميض أمل يشعرهن انهن في حماية جماعية حتى ولو فقدن معها اقل حقوقهن في المأكل والمشرب وكل واحدة منهن لها قصه تروى ومأساة تحكى مع شلالات من الدموع والحسرة ومنهن من كانت رأت في نفسها بأنها هي رائدة هذا المكان، وجاءت كسفيرة سلام ومحبة لكي تخفف على اخواتها( فقد لاقين من سفرهن هذا نصبا)فجاءت لتعلمهن اتباعها بالحسنى والمحبة.
* وماذا عن النساء داخل المعسكرات وما عانين منه؟
– في المعسكرات قصص ومواقف قد تكون قصصا بطولية تصلح لتكون روايات عالمية وقصص مأساوية ومخزية لا يصلح ان يكون أبطالها الا شياطين في نهاية الرواية.
فمن المعسكرات خرجت نساء قررن بأن غدا هوالأمل وشرعن من مظان النزوح إلى اللجوء في مشاريع رائدة وقد نجحن ابتداء بالاعمال البسيطة والمشاريع الصغيرة ولكن كان الأمل بالله والصبر والرضا هو سر نجاحهن على المستوى الشخصي والعالمي واستطعن ان ينشرن ثقافة السودان في كل المحافل ابتداء بالتجمعات النسوية والندوات والبازارات إلى المعارض الدولية فاستطاعت المرأة السودانية أن تنافس رائدات الأعمال الاخريات بما تحمله من اصرار وعزيمة ومبادئ وقوة داخلية تحويل المعاناة إلى إبداع.
*المراة والتغلب على ظروف الحرب ..كيف تنظرين لهذا الجانب ؟
– كثير من نساء بلادي استطعن التغلب على الظروف الاقتصادية مثلما ان هناك من لم تستطع لظروف الحرب وغياب الزوج ولمسؤوليات الأطفال وعدم توفر أي عائد او بيئة صالحة للإنتاج فكان كل شغلها الشاغل هو اعالة اطفالها وحمايتهم خاصة في ظروف لا يستطيع تحملها الكبار فما بالك بأطفال صغار لا ذنب لهم.. باتوا امام ضجيج وذعر لايدركون سببه و ينامون في الطرقات والشوارع وفي بيوت لم يروها من قبل وسؤالهم دوما أين ومتى سيكون آخر المطاف.
وماذا عن التأثيرات النفسية ؟
– تؤثر الحرب على المرأة بشكل كبير على المستويين النفسي والمعنوي نفسياً، يمكن أن تعاني النساء من اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة نتيجة لتجارب الصدمة التي مررن بها، مثل الخسائر أو النزوح القسري أو الصعوبات الاقتصادية. معنوياً، ومن آثار الحرب النفسية الصدمة .. ويمر الشخص بثلاث مراحل، الأولى مرحلة الإنكار وفيها يقوم الشخص بإنكار الحقائق جملة وتفصيلا ويأبي أن يرضخ عقله لأي حقائق أو وقائع تجعله عرضة للألم أو الشعور بالوجع أو أي إحساس قد يجعله عرضة مرة أخرى للذكريات المؤلمة سواء في الحاضر أو الماضي فمرحلة الإنكار تختلف من شخص لآخر حسب قوة الصدمة أو تقبلها أو مدي وقعها على الشخص وقد تكون هناك صدمات متوقعة وصدمات مفاجئة ( غير متوقعة) فالصدمة غير المتوقعة يصعب تحملها بالأخص إذا كانت مفجعة؛ ومهددة للحياة.. يصعب تحملها مثل
موت شخص في حادث مروري او الحروب والكوارث أما الصدمة المتوقعة فقد يكون أثرها أقل من الصدمة الفجائية ويمتد أثرها على المدى القريب ولكن في نهاية المطاف تعتبر صدمة.
ثانيا مرحلة المقاومة وهي مرحلة تعقب الإنكار وتستغرق حسب مناعتنا النفسية تجاه الحدث فهي مرحلة يخوض فيها الشخص معركه ذاتية داخلية مع نفسه ومع أحداث قد تكون واقعية وبعض منها غير واقعي لإن عقله قد يضخم بعض الأحداث التي قد تكون غير سارة بالنسبة له فتتخلل هذه الفترة هواجس نفسية قد تكون حادة وصعبة وعميقة مصحوبة باكتئاب ونوبات من البكاء الدائم أو المتقطع وايضا يصحبها انعزال عن المجتمع والعالم الخارجي
ثالثا مرحلة التقبل وهي مرحلة تأتي بعد زمن طويل من مرحلة المقاومة أو بعدها مباشره وقد تكون بداية قوية لمرحلة التشافي او التغيير وهنا قد يكون الشخص قد بدأ في تقبل الحدث الصادم وبدأ فعليا في التعامل معه او حدوث فعل مغاير مكانه او حدث جديد مفعم بالتجديد للأفضل
*المرأة والانتهاكات وأشكال الحيف والظلم الذي وقع عليها على مدار الحرب؟
– أدت الحرب إلى فقدان ملايين النساء في السودان لسبل عيشهن ومدخراتهن والوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والغذاء. وقد كان العنف القائم على نوع الجنس، بما في ذلك العنف الجنسي، والعنف الجسدي والعنف اللفظي والاختفاء القسري قضية سائدة خلال النزاع، حيث وردت تقارير عن حوادث تؤثر على النساء والفتيات وما حدث لهن من اغتصاب وضرب واهانة وعنف واعتقالات وخطف وكثير من الفظائع التي لا يستوعبها العقل البشري والذي بدوره يؤدي إلى معاناة كبيرة وصراع تعيشه النساء أثناء فترة الحرب والتي بدورها قد تمتد آثارها لسنوات قادمة دون التحرر من مخاوفها أو الاستسلام لها.
وقد عانت المرأة السودانية أيضا أثناء الحرب من عار الوصمة الإجتماعية التي فرضها عليها المجتمع بسبب تغيبها القسري واستخدامها عنوة من قبل المليشيات اللعينة وجاء المجتمع ليزيد مرارة الاغتصاب وما رأته من مرارات ليفرض عليها ويلبسها ثوب العار والعهر والاتيان بعار يمس شرف القبيلة ونسوا تماما بأنهم استباحوا شرفها للمرة الثانية بل سددوا لها طعنة لا شفاء منها ؛ وما أقسى ان يأتيك الغدر من مكان كنت تحسبه أمانا ومكانا للاحتواء والغفران والتقبل؛ فعندها تشتد مرارتهن الملوعة ويفكرن في جريمة الانتحار
وتنفيذها فالمجد لكل الحرائر اللاتي وقفن وصمدن امام جرحهن الغائر
*المرأة ودورها في التكايا وتوفير الغذاء لمن آثر أن يبقى برغم المخاطر؟
– المرأة العاملة كان لها دور كبير جدا في إعالة أهلها وتقديم يد العون والدعم والرعاية للمتأثرين بالحرب والعالقين غير ادوارها في تفقد من هم مرضى ويحتاجون إلى دواء.
وابرز أدوارها التي تكللت بالنجاح في دورها في (التكايا) التي كان لها دور مجتمعي فعال رغم شح الموارد والغذاء وارتفاع اسعار السلع الغذائية وانقطاع شبه مستمر في خدمات المياه والكهرباء ..ولكن لم تكل المرأة السودانية او تمل برغم تلك الظروف من تحدي الواقع وإبراز قيم الحفاوة والكرم السوداني الأصيل الذي لم تشوبه شائبة ولا غبار
فهنيئا لكل نساء بلادي اللاتي عملن من أجل الغير في ظروف كانت بالغة التعقيد ولكنها كانت كاملة الدسم الانساني
*كلمة اخيرة؟
– وفي الختام أود أن أمجد المرأة السودانية وامدحها وافتخر بها لأنها اثبتت للعالم أجمع بانها قادرة وصامدة ومرابطة مقتدية بامهات المؤمنين في الصبر والعزيمة وتستطيع أن تطمئن من حولها بنظرة او بابتسامة او بكلمة أرادت بها بث الطمأنينة لكل من حولها وتجدها شامخة بكبريائها وعزتها وتجدها تطمئن الجميع (بأن كل شيء سيكون على ما يرام ) وهي تعلم تماما أن المرام أبعد ما يكون ولكنها امرأة سودانية صادقج الملامح والنوايا محبة للوطن لا تعرف إلا أن تزرع حبا وتحصد أملا
لا تعرف الا أن تغني عشقا وتعشق وطنا.