
كالعادة يا سادة
شوف عين
معاوية محمد علي
*كالعادة.. ننتظر حتى يرحل أحد المبدعين لنتحدث عنه ونحدث عن قيمته وأنه فريد عصره وزمانه، في حين إن هذا المبدع كان بيننا نسيا منسيا، يلوك الصبر ويتجرع الوجع من المرض ومن الجحود والنكران.
*أو ننتظر مبدعا حتى يمرض وتتحدث عن حالته مواقع التواصل الإجتماعي حتى يهرع إليه السادة المسؤولون، أدركوه أو لم يدركوه.
*فعلناها مع كثيرين وبالطبع لن تكون آخرهم الممثلة بلقيس عوض التي نحمد الله أن وجدت الرعاية بعد أن ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بالمناشدات التي تطالب بالوقوف إلى جانبها في محنتها المرضية، بلقيس التي عانت ويلات النزوح والمرض، كانت محطتها ركن قصي بإحدى المشافي بالولاية الشمالية، ما كان لأحد أن يعلم بحالها لولا مواقع التواصل التي نشرت الخبر، فهرع اليها والي الولاية، ومن بعده أرسل إليها رئيس مجلس السيادة رسوله، متفقدا الحال ومقدما الدعم ، لعل ذلك يخفف عنها الألم ويزيل عنها غصة التجاهل التي ما بارحت حلقها.
*لن نقول أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي، فتلك مقولة مستهلكة، ولا لون لها ولا طعم ولا رائحة ،خاصة عندما يتعلق الأمر بمرض مبدع، فالمرض لا يعترف بهذه المقولة ولا ينتظر.
*فكم من مبدع بكيناه وبللنا صفحات الأسافير بدموع التماسيح حزنا على حاله، وكم من مبدع رثيناه، مع أن معظمنا كان على علم بأنه طريح الفراش قبل رحيله، فلم نتكرم بزيارته، دعكم من مساعدته.
*حدث ذلك مع مبدعين قدموا لنا زهرات شبابهم إبداعا جمل حياتنا وشكل هويتنا وكان مصدر رؤيتنا،على حساب صحتهم وأعمارهم، فكان جزاؤهم منا الجحود والنكران والنسيان، وعندما يرحلون نتبارى في رثائهم ونبدع في حياكة الحروف لنبكيهم بدموع التماسيح.
*المبدعون في بلادي لا يستحقون ذلك، وإنما يستحقون الإحتفاء والاهتمام من الدولة وهم أحياء، ويستحقون التكريم من الشعب في حلهم وترحالهم، وليس الظلم الذي أصبح من شيمتنا.
*ماذا يضير وزارة الثقافة والإعلام إن هي أنشأت إدارة خاصة باسم إدارة المبدعين، لتتواصل معهم وتقف على أحوالهم وتقدم لهم الرعاية.
*فهم يحتاجون للإهتمام أولا وليس حفنة من المال تقدم لهم بعد مرضهم، فاهتمام الدولة في حد ذاته يمثل للمبدع وقاية وحصانة من الأمراض ودافعا لمواصلة الإبداع ،فكم من مبدع غالب الظروف والمرض بمعنويات الإهتمام ، وكم من مبدع أصابه المرض بعدم الإهتمام فيموت في اليوم الف مرة وروحه بين جسده إلي أن (تتم المعدودة) ويأتي يوم شكره.
*فالمبدع إنسان إستثنائي، الوقوف إلى جانبه واجب وطني، لأنه لولا الإبداع لما كان هناك وطن. والدليل إنه عندما غاب الإبداع والمبدعون، وصلت بلادنا إلى ما وصلت اليه، فالإبداع هو حبل الوطن المتين الذي يربط بين كل أجزائه ويوحد وجدانه، فعندما كان لنا مبدعين وإبداعا كان لنا وطن غنينا له جميعا (كل أجزائه لنا وطن)، وعندما نضب معين البلد من الإبداع والمبدعين، قامت الحرب وسمعنا دعوات التقسيم.
*متى نعلم أن المبدع هو روح المجتمع، والمجتمع هو رأسمال أي وطن، ومتى نعلم ان الإبداع بكل أشكاله هو الترياق لسموم الخلافات، وانه حمامة السلام التي ترفرف في سماء الوطن بالسلام والمحبة.
*فلا وطن بلا إبداع ولا إبداع بلا مبدعين، ومن هذا المنظور نكتب.