خبراء جيولوجيون يحذرون من نضوب المياه الجوفية في السودان خلال العقود القادمة (3-3)

- الحوض النوبي.. الكنز السوداني المائي المهمل
- آبار السايفون تهدد حي الصافية ببحري بالفناء
- لو تم إستغلال الخزان الجوفي النوبي لتحول السودان لواحة زراعية خضراء
- أحكام تراخيص السحب من المياه الجوفية هل تحولت إلى حبر على ورق؟
- (83) ألف كيلو متر مكعب نصيب السودان من مياه الحوض النوبي يسحب منها (0.84) فقط
تحقيق ــ التاج عثمان:
صرخات تحذيرية أطلقها خبراء جيولوجيا ومياه تنبه صراحة لإحتمال نضوب المياه الجوفية في السودان خلال السنوات القليلة القادمة.. بل أن دراسة علمية توصلت لنتائج مُفزعة تشير ان عاصمة السودان الخرطوم سوف تصبح غير صالحة للسكن خلال العقود القليلة القادمة بسبب نضوب المياه الجوفية ما لم تتدارك الدولة السودانية وأجهزتها المختصة هذا الأمر وتتعامل معه بالجدية والحلول العلمية والقوانين الرادعة منذ اليوم قبل فوات الأوان.. (أصداء سودانية) تناقش هذه القضية الخطيرة عبر هذا التحقيق الإستقصائي
إتفاقية فيينا:
الحوض النوبي، ويطلق عليه أيضا، (نظام خزان الحجر الرملي النوبي)، (إن.اس.أيه. اس)، غير المتجدد.. وهو عبارة عن خزان جوفي عملاق ويعد أحد أكبر الخزانات الجوفية في العالم إن لم يكن أكبرها على الإطلاق، ويعتبر أضخم إحتياطي للمياه الجوفية العذبة في العالم، حيث انه يحتوي على نحو (150) ألف كيلو متر مكعب من المياه الجوفية تبلغ مساحته أكثر من مليوني كيلو متر مربع، وتشارك هذه المساحة المتصلة للحوض أربعة دول هي: (السودان ــ مصر ــ ليبيا ــ تشاد)، ويمتد في المساحة المذكورة بشمال غرب السودان، وشمال شرق تشاد، وجنوب شرق ليبيا، ومعظم مساحة جمهورية مصر العربية.. ويقع تحت الأرض في الطرف الشرقي من الصحراء الكبرى، ويبلغ إجمالي حجم المخزون من المياه فيه في حدود مليار متر مكعب، او ما يعادل إيراد نهر النيل السنوي لخمسة الاف عام تقريبا، إستنادا للهيئة المشتركة لتنمية ودراسة وإستخدام خزان الحوض الرملي النوبي.
ووفقا للإتفاقية المبرمة بين الدول الأربعة المذكورة التي تتشارك في الحوض، والتي عقدت بالعاصمة النمساوية فيينا في العام 2013، يحوز السودان على 18 في المائة من مساحة الحوض بمساحة تقدر بـ(376) ألف كيلو متر مربع، تغطي ولايات: (شمال دارفور ــ شمال كردفان ــ الولاية الشمالية).. وحسب إتفاقية فيينا يبلغ نصيب السودان من مياه الحوض النوبي حوالي (83) ألف كيلو متر مكعب من المياه عالية العذوبة، ونسبة السودان المذكورة من مياه الحوض النوبي تعادل حصة السودان السنوية من مياه النيل تقريبا.
الكنز السوداني المهمل:
تعد ليبيا أكثر الدول الأربعة التي إستفادت من مياه الحوض النوبي عبر مشروع النهر الصناعي العظيم المخصص لأعمال الزراعة.. حيث قامت ليبيا في عهد الرئيس، معمر القذافي، بسحب (6) مليون متر مكعب من الحوض النوبي عبر (300) بئر بجنوب ليبيا لصالح النهر الصناعي العظيم.. وتقوم الدول المشاركة في الحوض بسحب كميات كبيرة منه، إلا أن السودان أقلها سحبا وإستفادة من مياه الحوض، حيث لا يسحب السودان سوى (0.84) كيلو متر مكعب سنويا، وهو قدر ضئيل للغاية مقارنة بنصيب السودان الذي يفوق (100) ألف ضعف نسبة ما سحبه حاليا.. ويذخر السودان بأحواض جوفية أخرى مثل حوضي: (ام روابة ــ البقارة) بجانب أودية: (المقدم ــ الملك ــ هور).. وللأسف لم تبادر الحكومات السودانية التي تعاقبت على حكم السودان منذ الإستقلال الإستفادة من نصيبها من مخزون هذا (الكنز الجوفي) المهمل وتوظيفها في ري ملايين الأفدنة الزراعية، والتي لو تم إستغلالها لأصبح كل السودان واحة زراعية خضراء.
قوانين المياه الجوفية:
قانون الموارد المائية لسنة 1995 يشير ان المياه الجوفية يقصد بها المياه الغائرة في طبقات الأرض المختلفة، سواء كانت مياه قريبة من سطح الأرض او عميقة.. والمجلس القومي للموارد المائية تحت إشراف رئيس الجمهورية مهمته رسم السياسة العامة للموارد المائية، ووضع برنامج قومي طويل المدى للإستخدام الآمن والمتوازن للموارد المائية مع تحديد الاسبقيات.. ومن مهامه أيضا منح تراخيص سحب المياه من النيل والأنهار غير النيلية او المجاري الأخرى، او المياه الجوفية، وتخصيص نسبة محددة من كمية المياه الجوفية القومية الكلية لأي من الولايات.. وتوزيع المياه الجوفية المتوفرة توزيعا عادلا لإستعمالها في الأغراض المختلفة بما يتفق والإستعمال الأمثل لها.. والتفتيش اللازم لضمان الإشراف الفعال على إستعمال المياه الجوفية المرخص سحبها للأغراض المختلفة، وتنظيم حفر الآبار العميقة السطحية، وعمل الدراسات اللازمة لمعرفة كميات المياه الجوفية وتحركاتها وطريقة إعادة سحبها.
وحسب قانون الموارد المائية المشار إليه، فهناك أحكاما خاصة بالتراخيص الخاصة بالمياه الجوفية، حيث يشير القانون في واحدة من فقراته إلى الآتي:
لا يجوز لاي شخص إستخدام مضخة او غيرها من الوسائل لسحب المياه من المياه الجوفية للري او الشرب او الصرف الصحي او الصناعي، ما لم يحصل على الترخيص اللازم من الوزارة.. حيث ثبت ان السحب الزائد للمياه الجوفية يتسبب في إنخفاض منسوب المياه الجوفية، وهبوط الأرض، وخسارة المياه السطحية التي تغذي جداول الخزانات الجوفية العملاقة.
نشير ان إستخدام المياه النيلية في السودان صدر قبل قانون الموارد المائية لسنة 1995 وكان شبيها بوضع المياه الجوفية حاليا، حيث كان يحكمانه قانونان قاصران، هما: (قانون مراقبة سحب مياه النيل لسنة 1939)، وقانون: (الري والصرف لسنة 1981).. معلوم أنه على المستوى الدولي فإن إستخدام مياه الأنهار المشتركة قد تم تقنينه بإتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1997، لكن تم إرجاء ــ آنذاك ــ البت في قانون المياه الجوفية.
حكاية الدلافين:
حسب علماء الجيولوجيا هناك مؤشرات تشير إلى وجود مياه جوفية في منطقة ما، على راسها الينابيع الطبيعية والتي غالبا ما تكتشف المياه الجوفية بالقرب منها.. كما ان الخبراء يعدون بقاء الأشجار والحشائش في المناطق الجافة مخضرة طوال العام مؤشر جيد لوجود طبقة من المياه الجوفية تتدفق نحو السطح.. إلا أن الجيولوجيين بالدول المتقدمة توصلوا لجهاز حديث قادر على كشف المياه الجوفية، وهو جهاز (ريفر جي 3)، هذا الجهاز المتقدم يمكنه العمل في أعماق تصل إلى نحو 1500 متر تحت الأرض، ويصل مداه الأمامي إلى 3000 متر، وهو يتعرف بدقة عالية إذا كانت المياه الجوفية في باطن الأرض عذبة او مالحة.
ويحذر علماء جيولوجيا المياه الجوفية انه إذا كان منسوب المياه الجوفية مرتفع جدا ويصل إلى مستوى الأساسات للمباني المختلفة او أعلى منه فمن الخطورة البناء على الأرض التي تحتوي على مياه جوفية لأن ذلك يتسبب في هذه الحالة إلى زعزعة إستقرار المبنى وزيادة خطر هبوط او تشقق المباني.. وهذا ما يحدث الأن لمنازل حي الصافية بالخرطوم بحري، حيث تلاحظ تشرب بعض المنازل هناك بالمياه وتشققها، وبعد التحري العلمي إكتشف الخبراء أن السبب يعود إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية بمنطقة الصافية، وعندما بحثوا عن السبب إكتشفوا ان آبار الصرف الصحي ــ آبار السايفون ــ هي المتسببة في هذه الظاهرة المائية.
نختتم هذا التحقيق الإستقصائي بحكاية الدلافين مع المياه الجوفية، حيث تم الكشف أن الدلفين هو الحيوان الوحيد الذي يمكنه إكتشاف المياه الجوفية، حيث انه يستخدم (الصدى السوناري)، وهو نوع من التكنولوجيا التي تستخدم الموجات الصوتية لإكتشاف الأشياء داخل أعماق المياه كالذي تستخدمه الغواصات، والدلفين يستخدم هذه الخاصية التي حباها به الله سبحانه وتعالى، للعثور على غذائه داخل أعماق البحار والمحيطات، او للتواصل مع أفراد قطيع الدلافين، بجانب حمايته من الحيوانات المفترسة كأسماك القرش.