
البرهان في قاهرة المعز.. حذاري من عودة الإطاري
بقلم د. إسماعيل الحكيم
Elhakeem.1973@gmail.com
حلَّ الفريق أول عبد الفتاح البرهان ضيفًا على المشير عبد الفتاح السيسي في القاهرة، حيث تلتقي الحكمة بالتاريخ، في زيارةٍ حملت من الرمزية بقدر ما حملت من الملفات الثقيلة. زيارة تأتي في لحظةٍ دقيقة تمرّ بها المنطقة، حيث تتقاطع مصالح الأمن القومي للدولتين، وتتدافع الأطراف الإقليمية والدولية لاقتناص دورٍ في رسم ملامح ما بعد الحرب في السودان.
رشحت الأنباء من الأسافير أن لقاء القائدين تناول قضايا أمن البلدين، وما يرتبط بها من استقرارٍ إقليمي وتنسيقٍ أمني، إضافة إلى ملف مياه النيل الذي ظلّ عنوانًا للتنسيق التاريخي بين الخرطوم والقاهرة، ومفتاحًا لمعادلات المصالح المشتركة. غير أن خلف الأبواب المغلقة، ثمة ما هو أعمق من ذلك — فالتسريبات تتحدث عن تحرّكات للآلية الرباعية الدولية، ومساعٍ لتسويةٍ سياسية توقف حرب الكرامة الدائرة بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع.
لكن رياح التسويات هذه لا تهبّ بما تشتهي سفن أهل السودان. فكيف يمكن لعاقلٍ أن يتحدّث عن تسويةٍ سياسية مع مليشيا تلطخت أياديها بدماء الأبرياء، وارتكبت من الفظائع ما لا تُغسله مياه النيل كلها؟ إن أي تسويةٍ تُمنح لهذا الكيان المتمرد ليست سوى خيانةٍ صريحة لدماء الشهداء، وإعادةٍ مقنّعة لذلك الاتفاق الإطاري المشؤوم الذي فُرض على السودان ذات غفلةٍ من الزمن.
لقد خرج الشعب السوداني من تحت رماد الحرب أكثر وعيًا بمصيره، وأشدّ تمسّكًا بجيشه الوطني الذي يخوض معركة الوجود لا معركة السلطة. والجيش الذي يقاتل اليوم في شوارع الخرطوم وود مدني والفاشر، لا يمكن أن يُستدرج إلى طاولةٍ تُساوي بينه وبين من هدم الدولة ومزّق النسيج الاجتماعي.
في قاهرة المعز، ربما كانت الرسائل أوضح مما يُقال وفي البيانات الرسمية، فالسودان لا يطلب وساطةً تُجبره على التنازل عن كرامته، بل شراكةً عربيةً تحفظ له سيادته وتعينه على استرداد عافيته. ومصر — بحكم الجوار والمصير المشترك — تدرك أن أمنها لا ينفصل عن أمن السودان، وأن انهيار الدولة السودانية سيكون كارثةً تتجاوز حدودها الجغرافية.
ولذلك، فإن المطلوب اليوم ليس “تسوية” تُنقذ المليشيا، بل موقفٌ عربيٌّ وإفريقيٌّ صلبٌ يُنقذ الدولة. فالسودان لا يُبنى بالصفقات، ولا تُغسل دماء أبنائه ببياناتٍ دبلوماسيةٍ باردة.