تقرير أممي: حركة عبدالواحد ومليشيا الدعم السريع تفرضان ضرائب ورسوم على المساعدات الإنسانية

مع تعدد مناطق النفوذ في مناطق متفرقة من جغرافيا السودان، بعضها تحت إمرة السلطة الرسمية، بينما تسيطر كيانات وحركات مسلحة على أجزاء أخرى، وفي ظل الحرب المندلعة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ أكثر من عام ونصف العام، أصبحت حركة توصيل المساعدات الإنسانية محلاً للشكوك والتحفظات المتبادلة بين تلك الجهات، على رغم توافق تلك الأطراف على الوصول الآمن للمساعدات.

في الآونة الأخيرة أثير عدد من الاتهامات والشكاوى من قيود متفاوتة ما بين النهب المباشر وفرض ضرائب ورسوم على المساعدات الإنسانية، مما عُد قيوداً وعرقلة أمام توصيل المساعدات الإنسانية، على رغم الاتفاق على مرورها الآمن، فما الذي لا يزال يعرقل وصول الإغاثة للمتضررين؟

نهب وضرائب

وكان نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان طوبي هارورد أكد في تغريدة على منصة “إكس” “الحاجة إلى أن تسمح جميع الأطراف بحرية حركة المساعدات الإنسانية من دون نهب أو ضرائب أو عوائق بيروقراطية، وإلى ضمانات بالمرور الآمن للوصول إلى معسكر ‎(زمزم) الذي يعاني المجاعة وغيره من مناطق الأزمات الإنسانية”.

أوضح هارورد، كذلك أن “هناك حاجة إلى مزيد من الوصول إلى الفئات السكانية الأشد ضعفاً، وإلى ممرات منتظمة عبر أدري و‎الطينة ومن ‎بورتسودان”.

في وقت سابق حذر تقرير محدث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان (أوتشا)، من أن العقبات البيروقراطية التي تضعها كل من قوات “الدعم” وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور تعوق بصورة كبيرة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في المناطق المتضررة من الحرب.

ولفت التقرير إلى أن قيوداً تفرضها حركة عبدالواحد في مناطق سيطرتها تشمل فرض رسوم من الطرفين واستصدار تصاريح السفر إلى جانب التسجيل الإلزامي، مما يتسبب في تعطيل وتأخير العمليات الإنسانية المخططة ويسهم في مفاقمة الأزمة الإنسانية بالبلاد، كما أنه قد يشجع جماعات مسلحة أخرى على فرض قيود مماثلة.

التزام قانوني وأخلاقي

في السياق أوضح مفوض العون الإنساني السابق بالخرطوم مصطفى آدم، أن فرض أي رسوم أو جبايات أياً كان مسماها أو نوعها على المساعدات الإنسانية والمواد الإغاثية يعد أمراً غير قانوني، لا سيما أن هناك التزاماً بموجب قرارات رسمية سابقة بإعفاء مدخلات المنظمات الدولية والوطنية، فضلاً عن أن قانون العمل الطوعي لسنة 2006 المنظم للعمل الإنساني بالبلاد واللوائح المنبثقة عنه، تؤكد جميعها إعفاء مدخلات المنظمات من هبات ومساعدات وغيرها.

ولفت آدم إلى أن هذه الزيادة الكبيرة في رسوم تسجيل وإعادة تسجيل المنظمات الوطنية والأجنبية والإجراءات المرتبطة التي تضاعفت عشرات المرات، أمر لا يمكن فهم أنه يتم في إطار تسهيل العمل الإنساني.

على ذات الصعيد أوضح المتخصص في الشأن الإنساني صلاح الأمين، أن العمل الإنساني لم يشهد على مدى تاريخه في كل العالم فرض ضرائب أو رسوم على المساعدات الإنسانية أو حتى على العاملين بالمنظمات الدولية، وظلت المنظمات الإنسانية الدولية تعامل مثلها مثل أية بعثة دبلوماسية معتمدة.

ولفت الأمين إلى أن فرض أية ضرائب أو رسوم سيكون بالضرورة على حساب المساعدات، لأن الأموال التي تدفع مقابل ذلك ستكون خصماً على كم ونوع المساعدات الموجهة بالأساس إلى محتاجين هم أحق بالاستفادة منها، سواء كانوا في مناطق حروب أو كوارث طبيعية.

وأضاف الأمين أن لدى السودان تجارب في ظل كل الأنظمة التي تعاقبت على حكمه لم تكن تفرض أي رسوم أو ضرائب على الإغاثة والمساعدات الإنسانية، كما سبق أن نفذ في السودان ما عد أعظم عملية إنسانية في التاريخ، وهي عملية شريان الحياة، من دون أي رسوم أو جبايات أو ضرائب.

وأوضح المتخصص في الشأن الإنساني أنه بحسب لوائح المجلس المنظمات الطوعية (هاك) أو مفوضية العون الإنساني، يعد فرض رسوم على المساعدات عملاً غير قانوني.

إعفاء كامل

من جانبها نفت رئيس مفوضية العون الإنساني بالسودان سلوى آدم بنية فرض أية ضرائب أو رسوم على المساعدات والمواد الإغاثية، سواء من جانب وزارة المالية أو أية جهة أخرى، موضحة أنه “لا توجد جهة رسمية تتحصل على أي رسوم من المواد الإغاثية على الإطلاق”.

وأكدت بنية، أن هناك قرارات حكومية بإعفاء مواد الإغاثة من الرسوم الجمركية والضريبية مع توجيهات واضحة لكل الأقسام المنوط بها تحصيل الإيرادات والرسوم بذلك.

وشددت مفوضة العون الإنساني، على أن الجانب الحكومي لا يتحصل على أية ضرائب على المساعدات، مطالبة أية جهة تدعي ذلك بتقديم الأدلة والإثباتات اللازمة، وداعية نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالسودان أن يسمي على وجه التحديد الجهة التي تقوم باعتراض وتوقيف قوافل المساعدات وتعرقل توصيلها وتفرض رسوم عبور على مرور الشاحنات على الطرق، لا سيما أنه يعلم جيداً تلك الجهة، وعليه إذن الإعلان عنها”.

وفي شأن الزيادات الكبيرة في رسوم تسجيل المنظمات الوطنية والأجنبية، قالت بنية إن “الرسوم أمر طبيعي ومتعارف عليه وليس جديداً، إذ يجب أن تكون أية منظمة إنسانية محلية كانت أم أجنبية مسجلة ومستوفية بعد سداد رسوم المقررة للتسجيل”.

وأكدت مفوضة العون الإنساني بالسودان عدم وجود أي معوقات من جانب الحكومة على مرور المساعدات الإنسانية في مختلف الطرق والمسارات، مشيرة إلى أن هناك 10 معابر برية وبحرية وجوية ونهرية جميعها مفتوحة وجاهزة للاستخدام مما تنتفي معه أي مطالبات بفتح المعابر، وقد كان معبر “أدري” على الحدود مع دولة تشاد آخر المعابر التي فتحت، ويجب استغلال تلك المعابر بشفافية وفعالية.

إلى زعماء العالم

في ضوء الحضور الذي شكلته الأزمة الإنسانية بالسودان في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، دعا مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بالسودان “أوتشا” زعماء العالم المشاركين في الاجتماعات التركيز على محنة ملايين الأشخاص الذين عانوا الحرب، والعمل على إنهاء عاجل للأعمال العدائية، وحماية المدنيين وإتاحة الوصول الإنساني من دون عوائق.

وناشدت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة المقيمة بالسودان كليمنتاين نكويتا سلامي في تعميم صحافي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة و”أوتشا” ووكالة اللاجئين تقديم الدعم الجماعي العاجل لمجابهة الكارثة الإنسانية، والدفع نحو السلام في السودان.

وحضت المنسقة الأممية، مجدداً الأطراف المتحاربة على وقف الهجمات على المدنيين والمنازل والمرافق الأساسية المشمولة بحماية القانون الإنساني الدولي.

ودعت سلامي باسم العاملين في المجال الإنساني بالسودان المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لإنهاء الصراع المدمر، وضمان الوصول الإنساني من دون قيود، حتى تتمكن أكثر من 150 منظمة إغاثة من الوصول إلى ملايين الأشخاص الذين يواجهون المرض الحاد والمجاعة.

ميلاد “شاق”

في هذا الوقت أعلن عن تأسيس مجموعة السودان للمناصرة في شأن القضايا الإنسانية (شاق) كمبادرة تجمع نخبة من الخبرات والتخصصات في مجالات العمل الإنساني التنموي والاقتصادي والإعلامي والحقوقي والطبي والإداري بغرض تسهيل وصول الإعانات.

وأكدت المجموعة أنها تعمل على تطوير طرق عملية مبتكرة وفعالة، تتماشى مع الاستراتيجيات الأممية المعنية بالإغاثة عبر إنشاء شبكة لتعزيز وتوسيع قدرة الاستجابة السريعة لتقديم المساعدات العاجلة في جميع المجالات وتوصيل الدعم المباشر إلى المتضررين.

وشدد بيان للمجموعة على ضرورة التعاون مع المنظمات الإقليمية والمحلية والدولية لضمان أمن وسلامة العمليات الإنسانية والعاملين فيها، واستمرار تدفق الإعانات إلى مستحقيها، وتقليل العقبات اللوجيستية والأخطار التي قد تعوقها بخلق تنسيق فعال للوصول الآمن إلى المناطق ذات الظروف المتقلبة أو الصعبة.

إلى جانب بناء الثقة بين أطراف العملية الإغاثية تعمل “شاق” على تسليط الضوء على التحديات والعقبات التي تواجه المساعدات الإنسانية، بما يساعد على تقليل التوترات التي تعوق بناء السلام.

اتهامات متعددة

على نحو متصل اتهم مفوض العون الإنساني بولاية شمال كردفان محمد إسماعيل عبدالرزاق، قوات “الدعم السريع” بنهب شاحنتين من مواد الإغاثة القادمة عبر معبر “الدبة” للمحتاجين بالولاية، مما يعد مخالفاً لاتفاق جنيف في شأن العبور الآمن للمساعدات الإنسانية.

من جانبها اتهمت الحركة الشعبية لتحرير السودان (عبدالعزيز الحلو) الحكومة السودانية بوضع عراقيل حالت دون قيام المنظمات الإنسانية بمهامها.

وحذر بيان للحركة من تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية في إقليم جبال النوبة وجنوب كردفان، بسبب منع الحكومة المركزية المنظمات الإنسانية والوكالات الأممية من تقديم المساعدات لمناطق سيطرتها.

وكانت الحكومة السودانية قد تعهدت تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين والمحتاجين في جميع أنحاء البلاد عبر الموانئ والمعابر والمطارات داخل البلاد.

كارثة هائلة

وأعربت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد عن أسفها لتجاهل كثيرين “كارثة ذات أبعاد هائلة بالسودان”، موجهة نداء جديداً للسماح بدخول المساعدات إلى مدينة الفاشر المحاصرة بواسطة قوات “الدعم السريع”.

وأسفرت الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم” منذ منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي، وفق تحديث “أوتشا” عن مقتل نحو 20 ألف شخص وجرح آلاف آخرين، بينما فر أكثر من 10 ملايين شخص من منازلهم، نزح منهم ما يقارب 8.1 مليون داخل السودان، وعبر نحو 2.4 مليون الحدود إلى دول الجوار وغيرها، بينما فر نحو 1500 شخص من الفاشر بسبب تصاعد الأعمال العدائية بالمدينة.